هآرتس: “حل الدولتين يبقى احتمالاً ضعيفاً لأسباب سياسية… لا استيطانية”

الجمعة 24 يوليو 2020 10:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: “حل الدولتين يبقى احتمالاً ضعيفاً لأسباب سياسية… لا استيطانية”



القدس المحتلة / سما /

هآرتس - بقلم: شاؤول ارئيلي "امتدح جدعون ليفي في الأسبوع الماضي (“هآرتس”، 12/7) مقالاً لبيتر باينريت نشره في صحيفة “نيويورك تايمز” كتب فيه بأن حل الدولتين مات بسبب عدد المستوطنين في الضفة الغربية الذي لا يمكن التراجع عنه. الاستنتاج العملي للسنوات هو وجوب إقامة دولة واحدة. لأنه هدف المساواة -حسب أقوال باينريت- “هو الآن واقعي أكثر من هدف الفصل”.

الإسهام المهم لمراسلين في مستوى باينريت هو أحياناً في تقديم مقولة تصف واقعاً معقداً. ولكن مقولته تلك في هذه الحالة تعادل تجربة تشرح سبب عدم سقوط الناس الذين هم في الطرف الثاني من الكرة الأرضية نحو الفضاء بذريعة أن “الكرة الأرضية مستوية”. أمر قابل للاستيعاب، بسيط، لكنه تماماً لا يعكس الواقع. لأنه يجدر الاعتراف بالواقع وبالمعطيات الرسمية.

هناك قولان مكملان متضمنان في موقف باينريت. الأول هو أن عدد المستوطنين حوّل حل الدولتين إلى أمر غير ممكن. والثاني أن الحل المرغوب فيه هو دولة واحدة.

بالنسبة للقول الأول، هاكم بعض الحقائق: أولاً، نظام الاستيطان الإسرائيلي في الضفة نظام انتقائي، لا يندمج مع سكان الضفة. 62 في المئة من قوة العمل تعمل في إسرائيل، 25 في المئة في أجهزة التعليم في المستوطنات والممولة بدرجة مخيفة، ونسبة ضئيلة تعمل في الزراعة والصناعة، التي فيها 99 في المئة من العاملين هم عمال فلسطينيون. نظام الشوارع التي للمستوطنات هو فعلياً منفصل وليس فيه أي منطق تخطيطي. لا يوجد نسيج حياة مشترك بين المستوطنات المتجاورة إلا في حالات استثنائية، ولا يوجد مشاريع اجتماعية وثقافية بين السكان الفلسطينيين واليهود.

ثانياً، بالنسبة للوضع الديمغرافي والمكاني: في قطاع غزة الذي يعيش فيه 2.1 مليون فلسطيني، لا يعيش هناك أي إسرائيلي. أي أنه يوجد فصل. 99 في المئة من الإسرائيليين في شرقي القدس يعيشون في أحياء يهودية خالصة، أي أنه يوجد فصل. نسبة الإسرائيليين في الضفة منذ عشرين سنة تقريباً هي نحو 18 في المئة من إجمالي عدد السكان في الضفة، وهي نسبة تشبه نسبة الأقلية العربية في إسرائيل عشية إقامة الدولة. والإسرائيليون المعنيون بذلك يمكن أن نقترح عليهم البقاء في بيوتهم كسكان في فلسطين. ومن جنوب “غوش عصيون” إلى شمال نابلس.. نسبة العرب لليهود هي 40: 1، أي هناك فصل.

99 في المئة من الأراضي الخاصة هي بملكية فلسطينية. المنطقة المأهولة لمجمل المستوطنات لا تصل حتى إلى 2 في المئة من أراضي الضفة. نصف المستوطنين يعيشون في المدن الثلاث الكبرى المحاذية للخط الأخضر والقدس، وفي إطار تبادل الأراضي لأقل من 4 في المئة من المساحة يمكن الحفاظ على سيادة إسرائيلية على 80 في المئة من الإسرائيليين الذين يعيشون خلف الخط الأخضر (بدون “أرئيل”)، أي يوجد فصل. وهناك إمكانية كامنة لإسرائيل لاستيعاب الباقين من ناحية التشغيل والسكن.

بخصوص الادعاء بأن دولة واحدة هي الحل المرغوب فيه، سأعرض عدة أسئلة قصيرة: كيف يمكن لدولة ناتجها الخام الإجمالي للفرد هو 40 ألف دولار أن تستوعب سكاناً مع ناتج خام إجمالي للفرد يبلغ أقل من عشر هذا المبلغ؟ هل سيخاطر السكان اليهود بالهبوط الدراماتيكي وغير المحتمل الذي سيحدث بصورة لا مناص منها في مستوى الخدمات الصحية والرفاه والتعليم عند استيعاب سكان بهذا القدر، الذين سيُصنف 98 في المئة منهم في أسفل السلم الاجتماعي – الاقتصادي، أو أننا سنكون شهوداً على “هرب الأدمغة” وهجرة الشباب؟ هل سيخدم الفلسطينيون في أجهزة الأمن لـ “اسراسطين”؟ ماذا سيكون مستقبل اللاجئين الفلسطينيين، هل سيعودون إلى إسراسطين ويحولون الدولة إلى دولة مع أغلبية عربية حاسمة؟ من سيتحمل العبء الاقتصادي لاستيعابهم وإعادة تأهيلهم؟ هل شاهد باينريت الاستطلاع الذي أجراه معهد البحوث القومي مؤخراً والذي وجد أن 78 في المئة من الجمهور الإسرائيلي غير مستعدين لإعطاء حق المواطنة أو حق المقيم للفلسطينيين في المناطق التي سيتم ضمها لإسرائيل، أي يؤيد الأبرتهايد ويعارض التنازل عن السيطرة اليهودية؟

حتى لو مرت سبعين سنة تقريباً على أقوال لجنة التقسيم في 1947 بأنه “يوجد الآن في فلسطين… يهود… وعرب، يختلف بعضهم عن بعض في نمط الحياة وفي المصالح السياسية”، فهذه الأقوال ما زالت سارية المفعول. هذه الفروق تغذي “الصراع بين حركتين قوميتين مطالبهما محقة، وليس بالإمكان التوفيق بينها إلا من خلال التقسيم”، كما كتب قبل عقد من ذلك في تقرير لجنة بيل.

دكتور باور موهان، نائب المندوب السويدي في اليونسكو – الشخص الذي أعد خارطة التقسيم غير الممكنة في 1947 – شرح اقتراحه بإقامة فصل سياسي إلى جانب وحدة اقتصادية للدولة اليهودية والدولة العربية هكذا: “حاولت توحيد فكرتين لا يمكن التوفيق بينهما، أمل لتعاون يهودي – عربي، وخوف من عداء يهودي – عربي…”. وقد احتاج إلى يوم واحد فقط بعد المصادقة على قرار التقسيم عند اندلاع حرب الاستقلال، كي يعرف أن اقتراحه غير عملي، وأن الخوف من العداء تغلب بشكل كامل على الأمل في التعاون غير الممكن المطلوب من الطرفين.

نعم، إمكانية حل الدولتين الآن ضعيفة جداً. ولكن ليس بسبب عدد المستوطنين. فالتوجهات التي تميز مشروع الاستيطان في العقدين الأخيرين (هبوط دراماتيكي في الهجرة إلى الضفة من داخل إسرائيل، وزيادة عدد السكان التي تقوم بالأساس على التكاثر الطبيعي في أوساط الأصوليين في المدينتين اللتين أقيمتا على الخط الأخضر. وهبوط متواصل في التصنيف الاقتصادي – الاجتماعي وما شابه) تدل على أنه ليس بوسعها إنهاء حل الدولتين. ومثلما أوضحت في مرات كثيرة، هناك إمكانية مادية – مكانية لهذا الحل بالنسبة للقضايا الأربع الأساسية في النزاع وهي الحدود والقدس والأمن وقضية اللاجئين.

الاحتمال المتدني لحل الدولتين ينبع من غياب الاحتمالية السياسية، بالأساس في الطرف الإسرائيلي. يكفي أن نذكر بـ “تصريح شامير” الذي وقع عليه في السنة الماضية أكثر من أربعين وزيراً وعضو كنيست من اليمين، تعهدوا فيه بأن يعملوا على إلغاء حل الدولتين وإقامة دولة واحدة لشعب واحد في أرض إسرائيل.

إن عدم معرفة باينريت للحقائق المكانية – الديمغرافية – الاجتماعية، والتوق الصادق لليفي من أجل المساواة، أديا إلى الاستنتاج بأنه يمكن إقامة دولة واحدة دون فحص مجمل الجوانب السياسية والثقافية والأمنية والاقتصادية المرتبطة بإقامتها. يجب على ليفي أن يعرف بأنه لا يمكن فرض حياة مشتركة على الشعوب التي لا تريد ذلك ولا يحترم بعضها بعضاً. وباينريت، رجل العلوم السياسية، يجب عليه التركيز على تفسيرات لانعدام الاحتمالية السياسية حيث هناك قوته، وأن يقترح خطوات قد تؤدي إلى التغيير.