بحث الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الشأن الليبي والمحادثات المتعثرة بشأن سد النهضة الإثيوبي، وذلك في محادثات عبر الهاتف أجريت اليوم، الإثنين، بحسب ما ذكرت الرئاسة المصرية.
وصرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بأن الاتصال تناول آخر مستجدات القضية الليبية، "حيث استعرض السيسي موقف مصر الإستراتيجي تجاه القضية الليبية".
وبحسب الرئاسة، فإن موقف مصر "الثابت، يهدف إلى استعادة توازن أركان الدولة (الليبية) والحفاظ علي مؤسساتها الوطنية، ومنع المزيد من تدهور الأوضاع الأمنية".
واعتبر الجانب المصري أن ذلك يأتي عبر "تقويض التدخلات الأجنبية غير المشروعة في الشأن الليبي التي لم تزد القضية سوي تعقيدا وتصعيدا حتي باتت تداعيات الأزمة تؤثر على الأمن والاستقرار الإقليمي بأسره".
وبحسب بيان الرئاسة المصرية، فإن الرئيس الأميركي "أبدى تفهمه للشواغل المتعلقة بالتداعيات السلبية للأزمة الليبية علي المنطقة"، وأشاد بـ"الجهود المصرية الحثيثة تجاه القضية الليبية والتي من شأنها أن تعزز من مسار العملية السياسية في ليبيا".
وتوافق الرئيسان "على تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا وعدم التصعيد تمهيدا للبدء في تفعيل الحوار والحلول السياسية"، وذكر المتحدث الرسمي أن الاتصال تناول كذلك تبادل الرؤى بشأن تطورات الموقف الحالي لملف سد النهضة. وشددت الرئاسة على توافق ترامب والسيسي على "أهمية مواصلة التفاوض وحتمية الوصول لاتفاق شامل يؤمن مصالح الدول الثلاث التنموية والمائية".
وتشهد ليبيا التي تملك أكبر احتياطي نفط في أفريقيا نزاعًا بين سلطتين: حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرّها طرابلس وخليفة حفتر الذي يسيطر على شرق البلاد وجزء من جنوبها والمدعوم من البرلمان المنتخب ومقرّه طبرق.
وتدعم تركيا حكومة الوفاق ونشرت قوات عسكرية لهذا الهدف، بينما تدعم مصر المجاورة والإمارات والسعودية وروسيا، خليفة حفتر.
ومؤخرًا، انتقد الولايات المتحدة الأميركية بشكل صريح، تزويد الإمارات ومصر، قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالأسلحة، بعد أن لوحت سابقا بفرض عزلة وعقوبات على من "يقوضون الاقتصاد الليبي ويتشبثون بالتصعيد العسكري".
وبقد يكون ذلك المرة الأولى التي تنتقد الدور المصر والإماراتي، فالولايات المتحدة الأميركية التي تسعى للانسحاب تدريجيا من أزمات الشرق الأوسط، تجد نفسها الآن مضطرة للالتفات إلى ليبيا، في ظل محاولة موسكو ملأ الفراغ في الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، عبر مرتزقة شركة فاغنر الروسية.
وهذا ما دفع مساعد وزير الخارجية الأميركي، ديفيد شينكر، لانتقاد أداء عملية "إيريني" الأوروبية المتعلقة بحظر توريد السلاح إلى ليبيا، بسبب انتقائيتها. وقال شينكر، خلال فعالية افتراضية لباحثين، إن "اعتراضاتهم (الأوروبيين) الوحيدة على الأسلحة التركية المرسلة إلى ليبيا، في حين لا أحد يعترض على الطائرات الروسية، ولا الإماراتية، ولا على المصريين".
ويمكن اعتبار هذا التصريح، الذي صدر يوم الخميس الماضي، في محاولة من واشنطن ضبط بوصلة حلفائها الأوروبيين بشأن الملف الليبي، والتركيز أكثر على "قرار حظر توريد الأسلحة الأممي من قبل روسيا ودول أخرى كالإمارات ومصر"، بحسب المسؤول الأميركي.
ويأتي هذا التصريح بعد 8 أيام من اتفاق ترامب، مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، في اتصال هاتفي، على مواصلة "التعاون الوثيق" فيما يخص تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا.
لكن مساعي الولايات المتحدة الأميركية بالتنسيق مع البعثة الأممية لإنهاء إغلاق مليشيات حفتر لحقول وموانئ النفط باءت بالفشل، بعد السماح لناقلة نفط واحدة بشحن مشتقات نفطية من ميناء السدرة (600 كلم شرق طرابلس)، في 10 تموز/ يوليو الجاري.
وكان رد واشنطن شديد اللهجة هذه المرة، عبر سفارتها لدى طرابلس، والتي قالت في بيان صدر الثلاثاء، "إنّ غارات مرتزقة فاغنر على مرافق المؤسسة الوطنية للنفط، وكذلك الرسائل المتضاربة المصاغة في عواصم أجنبية (لم تذكرها) والتي نقلتها ما تسمّى بالقوات المسلحة العربية الليبية (مليشيات حفتر) في 11 تموز/ يوليو، أضرّت بجميع الليبيين".
وهددت السفارة الأميركية من وصفتهم بـ"أولئك الذين يقوّضون الاقتصاد الليبي ويتشبثون بالتصعيد العسكري" بمواجهة "العزلة وخطر العقوبات"، في إشارة إلى مليشيات حفتر وداعميها. كما أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أعلن، الأربعاء الماضي، فرض عقوبات على رجل الأعمال الروسي بيفغيني بريغوجين، الذي يتردد إعلاميا أنه ممول شركة فاغنر الأمنية.
وفي اليوم نفسه، ذكرت القيادة العسكرية الأميركية (أفريكوم) أنها تملك "أدلة دامغة على أن مجموعة فاغنر، التي ترعاها وتشغلها روسيا، زرعت ألغاما أرضية وعبوات ناسفة في العاصمة الليبية طرابلس ومحيطها".
لكن روسيا نفت، الخميس، على لسان المتحدث باسم الرئاسة، ديمتري بيسكوف، مشاركة العسكريين الروس، "بأي شكل من الأشكال في أي عمليات جارية في ليبيا". مضيفة: "لسنا على علم بوجود مواطنين روس مشاركين في العمليات هناك".
لكن واشنطن سبق لها وأن اتهمت موسكو بإرسال 14 طائرة على الأقل من نوع "ميغ 29" و"سوخوي 24" إلى قاعدة الجفرة الجوية وسط ليبيا، واستدلت بصور لأقمار صناعية لإثبات ذلك.
وتسعى الولايات المتحدة الأميركية في هذه المرحلة لتسليط الأضواء أكثر على نشاط فاغنر في ليبيا، والمتمركزة خاصة في محافظة الجفرة (650 كلم جنوب شرق طرابلس) وفي مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، كما تحركت قبل أسابيع نحو حقل الشرارة النفطي في أقصى جنوب شرق ليبيا بالقرب من الحدود الجزائرية.
غير أن تقارير إعلامية ليبية، تتحدث عن إعادة انتشار مرتزقة فاغنر خارج مدينة سرت إلى الشرق باتجاه الموانئ النفطية، وبعيدا عن مدن الجفرة الثلاث الرئيسية (هون، وودان، وسوكنة) باتجاه مدينة زلة، إلى أقصى شمال شرقي الجفرة، حيث يوجد حقل نفطي.
ويتزامن إعادة انتشار مرتزقة فاغنر، وانسحابها من الخطوط الأمامية للمواجهة مع تسريبات إعلامية غير مؤكدة عن "مقترح أميركي لإخلاء منطقة الهلال النفطي من أي قوات عسكرية، وانسحاب مليشيات حفتر إلى مدينة أجدابيا شرقا، مقابل عدم هجوم الجيش الليبي التابع لحكومة السرّاج على المنطقة الممتدة من سرت إلى أجدابيا، وإشراف قوات أوروبية عليها برعاية الأمم المتحدة".
وتحدثت جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية، عن اجتماع عقده وفد عسكري وسياسي أميركي في الرجمة ببنغازي، مع حفتر، وهو ما نفاه المتحدث باسم الأخير أحمد المسماري، كما لم تعلن عنه السلطات الأميركية.
ومع ازدياد الاحتقان في ليبيا، خاصة مع تهديد القاهرة بالتدخل عسكريا، وتأكيد تركيا أن هذا التدخل لن يكون شرعيا، يمثل الخيار التفاوضي أحسن حل للجميع لتفادي أسوأ السيناريوهات التي سيكون الشعب الليبي فيها الخاسر الأكبر.