لم يصدر أي تعليق رسمي إسرائيلي على اتفاق الشراكة الإستراتيجيّة بين الصين وإيران، الذي ينصّ على استثمارات صينيّة واسعة وتدريبات عسكريّة مشتركة بالإضافة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتيّة، لكنّ محلّلين صحافيين إسرائيليين أبدوا غضبهم من الاتفاق، نظرًا للاستثمارات الصينيّة الواسعة في إسرائيل والتي تسبّبت بضغوطات أميركيّة.
فاعتبر محلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن الاتفاق "اصطفاف صيني واضح إلى جانب إيران سيخفّف الضغط الاقتصادي على طهران. وفي ظروف متطرفة أكثر، بإمكان الصين أن توازن الاحتكاك الأميركي – الإسرائيلي مع النظام الإيراني حول البرنامج النووي"، وشرح "لنفترض، نظريًا، وجود تصعيد إضافي (في الضغط الاقتصادي) يجب الأخذ بالحسبان وبشكل جدّي رد الفعل المحتمل لبيجين".
أما محلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، فكتب أنّ تطبيق الاتفاق سيشكّل "طوق نجاة للاقتصاد الإيراني الغارق تحت العقوبات الأميركيّة وسيزيد مكانة الصين كقوّة (دولية) وانخراطها في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، سيوجّه ضربة قويّة لسياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الشرق الأوسط ولمكانة الولايات المتحدة كقوّة دوليّة".
وأضاف أنّ الاتفاق "في المستقبل البعيد، قد يهدّد إسرائيل".
حماية سيبرانيّة صينية لإيران؟
وقال بن يشاي إن ما يثير اهتمام إسرائيل والولايات المتحدة بشكل خاصّ هو الجزء المتعلّق بالتعاون التكنولوجي والعسكري، "فحسب مسودّة الاتفاق، ستنشئ الصين شبكة اتصالات خليويّة من الجيل الخامس (5G)، وستحصل إيران على مناليّة الوصول إلى نظام التموضع العالمي (GPS) التابع لشبكة الأقمار الصناعية الصينيّة ’بايدو’، بالإضافة إلى تدريبات مشتركة للبحريّتين الصينيّة والإيرانيّة. كما يتحدّث الاتفاق عن أبحاث عسكريّة مشتركة وعن تعاون استخباراتي".
كما ينصّ الاتفاق، وفق بن يشاي، "بشكل واضح، على تعاون صيني مع إيران للدفاع السيبراني"، مثل مشروع "فاير وول" الصيني الضخم، واعتبر بن يشاي أنّ لحصول إيران على خدمات مشروع "فاير وول" تأثيرات واضحة.
ورجّح بن يشاي أن تتأثر العلاقات الإسرائيلية الصينيّة "الطيبّة"، بسبب أن الاتفاق يقوّض أولا مكانة الولايات المتحدة كقوّة عالميّة وعامل مؤثّر في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أنّ تطبيق الأجزاء المتعلّقة بالتعاون التكنولوجي والعسكري سيضرّ بقدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على إحباط البرنامج النووي الإيراني، خصوصًا إن قرّرت إيران الحصول على قنبلة وكانت هناك حاجة لإحباط ذلك بوسائل عسكريّة.
وأضاف أنّ استخدام إيران الـGPS و5G الصينيّتين بالإضافة إلى التعاون الاستخباراتي "سيصعّب على إسرائيل تتبّع ما يجري في إيران، وسيؤدّي إلى أن يحسّن الإيرانيّون منظومات تدقيق الصواريخ بكل أنواعها، عندهم وعند حلفائهم في لبنان سورية واليمن، أمام الوسائل الدفاعيّة التي تشغّلها إسرائيل".
هل يمكن أن يكون الاتفاق في صالح إسرائيل؟
لكنّ بن يشاي طرح فرضية أخرى، هي أن يكون الاتفاق عاملا كابحًا لإيران، "وهذا ما قد يصبّ في صالح إسرائيل، بشكل غير مباشر. الصين من المحتمل أن تكبح الطموحات النووية الإيرانية ونشاطاتها التخريبيّة في الشرق الأوسط بسبب أن الصينيين لا يريدون القضاء على استثماراتهم في البنى التحتية الإيرانية والمنشآت الحساسة في أي مواجهة عسكرية كبيرة أو عبر مواجهة سيبرانيّة ضخمة بين إسرائيل وإيران أو بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب وبين إيران".
وافترض بن يشاي أن سياسات الصين تجاه إيران، إن طبّق الاتفاق، "ستكون مشابهة جدًا لسياسات الصين تجاه كوريا الشماليّة، وسياسات روسيا تجاه سورية" أي "الامتناع عن التدخّل في المواجهة طالما أن مصالحها لم تتضرّر".
دعوات لعدم إرساء مناقصات في إسرائيل على الصين
أما رئيس تحرير صحيفة "جيروزاليم بوست"، يعكوف كاتس، فكان أكثر اندفاعًا، ودعا إسرائيل إلى عدم منح الصين مناقصات ضخمة في البنى التحتيّة الإسرائيليّة، من المقرّر أن تقدّم أوراقها نهاية آب/أغسطس المقبل.
وقال كاتس إن الشركات التي قدّمت مناقصات للعمل في البنى التحتيّة الإسرائيليّة تعمل في إيران أيضًا، مثل شركة CREC، التي تسعى للحصول على مناقصة لبناء محطّة طاقة "ألون طافور" الإسرائيلية (بالشراكة مع شركات إسرائيليّة) وتعمل في بناء خطّ قطار طهران – أصفهان.
وأوضح كاتس "هذا ليس معروفًا تبديه إسرائيل للولايات المتحدة، إنما يتعلّق بالأمن القومي الإسرائيلي".
ضغوطات أميركيّة على إسرائيل
وجميع الشركات الصينيّة العاملة في إسرائيل مملوكة من الحكومة، إما مباشرةً وإما بشكل غير مباشر، وقادرة على تقديم أسعار أقلّ بكثير من المنافسين الإسرائيليين.
ونجحت الولايات المتحدة في أيّار/مايو الماضي في سحب مناقصة بناء محطّة لتحلية مياه البحر في إسرائيل من شركة صينيّة، بالإضافة إلى إغلاق الباب أمام استثمار الصين في شبكة 5G الإسرائيليّة.
وفي حوار مع صحيفة "يسرائيل هيوم"، نشر الشهر الماضي، قال وزير الاتصالات الإسرائيلي، يوعاز هندل، "لدينا قيم وفرص ومصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، وهذه شراكة لا يمكن أن نكون غير ملتزمين لها. توجد هنا فرص مشتركة، اقتصاديّة وتكنولوجيّة"، وعندما كرّر مراسل الصحيفة سؤاله عن إن كان بالإمكان أن ترسو المناقصة على الصّين أو أوروبا، قال هندل "مصالحنا مع الولايات عنصر مهمّ في كل مسار اتخاذ القرارات".
وبحسب ما ذكرت صحيفة "هآرتس" في أيار الماضي، فإنّ إسرائيل تقف أمام قرارين جوهريّين في ما يتعلّق بطريقة ونطاق الموافقة التي ستمنحها لشركات وهيئات تملكها الصّين للعمل في السوق المحلّي. ولفتت إلى أنّ القرار الأوّل هو شراء معدّات لازمة لإنشاء شبكات اتصال، ومن ضمنها مكوّنات تكنولوجيّة مطلوبة لنشر الشبكة وإطلاق النشاط الأساسي للشبكة الخليويّة.
وحتى الآن، صادقت الحكومة الإسرائيلية على شراء معدّات صينيّة لشبكات الاتصالات المحليّة، إلا أن هذه الشركات لم تفعل ذلك "بسبب موانع ثقافية واقتصاديّة"، بحسب الصحيفة.
أمّا القرار الثاني فيرتبط بمنح شركة "هاتشيسون" الصينيّة، ومقرّها هونغ كونغ، الاستحواذ على شركة "بارتنر" الإسرائيليّة، علمًا بأنها استحوذت عليها من قبل، وقدّمت في كانون أول/ديسمبر الماضي طلبا لإعادة الاستحواذ عليها، إلا أن طلبها لم يصادق عليه بعد.
وشركة "هاتشيسون" هي الشركة الصينيّة ذاتها التي سحبت السلطات الإسرائيليّة منها مناقصة بناء مشروع تحلية مياه البحر بعد ضغوط أميركيّة.
وكانت الولايات المتحدة قد عبّرت عن قلقها من محاولات الشركات الصينيّة اختراق قطاع الهايتك الإسرائيلي بشكل عام، ولتطبيقات التوجيه والأنظمة الهجوميّة بشكل خاص، بالإضافة إلى الخشية من اختراق سوق الاتصالات الإسرائيلي.
وفي زيارة خاطفة إلى إسرائيل، اجتمع وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بالمسؤولين الإسرائيليين وطالبهم بوضع حد للاستثمارات الصينية، منها في مواقع تعتبر حساسة للجيش الأميركي، مثل ميناء حيفا، الذي تحط فيه سفن عسكرية أميركية بشكل دوري.
وفي مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية ("كان")، قال بومبيو إن هناك مخاطر "حقيقية" في التعاون مع الصين، معتبرًا أن الصين تعرض المواطنين الإسرائيليين للخطر. وأضاف أنه "نحن لا نريد أن يتمكن الحزب الشيوعي الصيني من الحصول على منفذ إلى البنية التحتية الإسرائيلية، وأنظمة الاتصالات الإسرائيلية".