استلهام تجربة الانتفاضة الأولى لمواجهة الجائحة..محمد ياغي

الجمعة 03 يوليو 2020 11:49 ص / بتوقيت القدس +2GMT



خلال أسبوع واحد قفزت حالة الإصابة بفيروس كورونا من بضع مئات الى أكثر من ٢٧٠٠ حالة. يوم الأربعاء لوحدة تم تسجيل ٣٣٠ إصابة وهذا العدد على ضخامته لا يخبرنا بكامل الحقيقة لأن عدد الفحوصات التي تم إجراؤها مقارنة بإسرائيل هي محدودة جداً.
إسرائيل أجرت أكثر من 108 آلاف فحص الى اليوم لكل مليون إسرائيلي، بينما الفلسطينيون أجروا أكثر بقليل من ستة عشر ألف فحص، بينما الأردن أجرى أكثر من ثمانية وثلاثين ألف فحص. 
هذا بالطبع دليل على الجريمة التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وعلى مشاركة المجتمع الدولي لإسرائيل بهذه الجريمة برفضه معاقبتها على استمرار احتلالها للأرضي الفلسطينية.
غياب الإمكانيات المادية والسيادية لدى السلطة الفلسطينية أد لهذا الانتشار الواسع للفيروس.
ما يتوفر للسلطة من أموال لا يكفي لدفع رواتب موظفيها ونفقاتها الجارية, وهذه الأموال بالتأكيد لا تكفي للنفقات التطويرية الخاصة بالقطاع الصحي وغيرها مما تحتاجه لمواجهة الجائحة مثل توظيف المئات من الكوادر الطبية التي تستدعيها المرحلة الراهنة، وشراء المعدات الطبية، وفتح مراكز جديدة لعزل المخالطين.
يمكن إدارة أموال الشعب الفلسطيني بطريقة أكثر فعالية بالطبع، لكن حتى لو تم ذلك، فإن المشكلة الفعلية هي أن هذه الأموال لا تكفي لاحتياجات الفلسطينيين وهي مشروطة بموافقة الإسرائيليين على تحويل القسم الذي يقتطعونه منها (ضريبة المقاصة) والتي تشكل نصف عائدات السلطة تقريبا.
ويفاقم غياب السيادة الفعلية على الأرض من مشكلة اتساع رقعة انتشار الفيروس.
السلطة لا تستطيع الوصول لمناطق جيم، وهي لا تستطيع الدخول الى نصف مدينة الخليل، وهي بالتالي عاجزة عن فرض حظر التجوال مثلا إذا استدعت الحاجة ذلك لمنع انتشار الفيروس.
السلطة لا تستطيع استيراد ما تحتاجه لمواجهة الجائحة بالسرعة الكافية ودون الموافقة الإسرائيلية لعدم سيطرتها على الحدود.
عدم سيطرة الفلسطينيين على أرضهم منعهم من البناء الا في مناطق سيادة السلطة، وهي فعلياً مراكز المدن الفلسطينية في الضفة والتي لا تتجاوز مساحتها 19% من مساحة الضفة.
هذا فرض على الغالبية العظمى من الفلسطينيين العيش داخل المدن، ولأن مساحتها ضيقة، فإن الناس بالكاد قادرة على التنفس. المكاتب ومؤسسات السلطة والمدارس والمستشفيات والمحال التجارية جميعها فوق بعضها، ما يجعل من فكرة التباعد الاجتماعي لمواجهة الجائحة مسألة أكثر تعقيداً مما تبدو.
الحالة الفلسطينية معقدة بلا شك، وهناك عدد كبير من العوامل التي لا يوجد للفلسطينيين سيطرة عليها بسبب الاحتلال، ما يجعل من مسألة مكافحة الفيروس أمرا معقدا.
باختصار مسألة مكافحة الفيروس والقدرة على منع انتشاره مسألة مرتبطة بغياب سيادة الفلسطينيين على أرضهم. إغفال البعد السياسي لهذه المسألة يعيق إمكانية مكافحة الفيروس وفيه تجنٍ كبير على الذات أكثر مما يجب.
على الرغم من ذلك مواجهة الجائحة مسألة ممكنة. كل ما يحتاجه الفلسطينيون هو الاستفادة من تجربة الانتفاضة الأولى واستنساخ ما فعلوه حينها لمواجهة الجائحة حالياً.
في الانتفاضة الأولى، التنظيمات الفلسطينية عملت على تنظيم المجتمع. كانت هذه التنظيمات هي السلطة. قراراتها هي التي ينفذها الناس رغم وجود دبابات الاحتلال في المدن والقرى الفلسطينية.
كان هنالك لجان أحياء لمقاومة جيش الاحتلال عندما يدخل لها، وكانت هذه اللجان تحل المشاكل بين الناس وتوفر احتياجات الفقراء والمحتاجين منهم.
اليوم يمكن تشكيل هذه اللجان للقيام بمهام مشابهة: توعية الناس بمخاطر الفيروس، مراقبة وضمان مسألة التباعد الاجتماعي بما في ذلك منع الاعراس والمآتم وصلاة الجماعة وأي تجمعات. تحديد العائلات التي تحتاج للمساعدة والعمل على توفيرها.
مؤسسات العمل المدني وخصوصاً الطبية منها هي التي كانت في الانتفاضة الأولى تتولى مسؤولية الاهتمام بالجرحى وبالحالة الصحية عموما للشعب الفلسطيني.
كان هنالك مئات المتطوعين من الأطقم الطبية التي تقوم بذلك وهم من كان يقوم بفحص الناس، ويوفر الأدوية للمرضى والمعدات الطبية للمستشفيات من خلال شبكة علاقاتهم الواسعة مع المجتمع المدني في أوروبا وأميركا والعالم العربي والإسلامي.
اليوم يمكن تكرار التجربة وبشكل أفضل من السابق. اليوم هنالك عشرات الآلاف من الاطباء والممرضين وطلاب الجامعات الذين يدرسون في كليات الطب والتمريض.
هؤلاء يمكنهم تنظيم أنفسهم لتقديم أيام عمل تطوعي كما جرى خلال الانتفاضة الأولى لدعم المستشفيات التي تحتاج لأطقم طبية إضافية. يمكنهم التوجه للناس للحديث معهم عن مخاطر الفيروس وسبل الوقاية منه بما فيه أهمية التباعد الاجتماعي، ويمكنهم إجراء الفحوصات التي تحدد خارطة انتشار الوباء.
بالإضافة لذلك، يمكن تفعيل المؤسسات الطبية غير الخاضعة للسلطة لتوفير المعدات الطبية، فحوصات الفيروس، الكمامات، الادوية، وغيرها مما يحتاجه الفلسطينيون في مثل هذه الأوقات.
المسألة بالتأكيد صعبة لكنها ليست معقدة.
ولأن لكل مسألة بداية، فإن البداية يجب ان تكون من السلطة التي عليها واجب الاعتراف بأنها غير قادرة على مواجهة الجائحة في ظل الاحتلال. وعليها تبعاً لذلك، أن تطلب من شعبها وتنظيماته السياسية ومؤسسات مجتمعه المدني أن تتصدى للجائحة بكل طاقاتها.
وجود السلطة تحت الاحتلال يمنعها من تأدية مهامها كما يجب وعليها ألا تحمل نفسها ما لا تستطيع القيام به.
من الجيد أن يكون هنالك وزير للصحة وناطق باسم الحكومة يخبراننا عن حالة تفشي الفيروس وعن عدد الحالات المصابة وعدد من شفي منهم، لكن ما يحتاجه الفلسطينيون أكثر من ذلك بكثير.
الفلسطينيون بحاجة الى قوة حقيقة تمكنهم من تنظيم أنفسهم لمواجهة الجائحة. السلطة اليوم ليست هي هذه القوة لأن صلاحياتها مسلوبة من قبل الاحتلال.
التنظيم الذاتي الناتج عن تنسيق التنظيمات الفلسطينية وقواه ومؤسساته المدنية والشعبية مع بعضها، كما في الانتفاضة الأولى، هو الذي يستعيد السلطة من الاحتلال رغماً عنه، ويضعها في يد أصحابها حتى يتمكنوا من الانتصار على الموت الذي ينشره الفيروس بينهم.