مرت القضية الفلسطينية بتحولات شديدة خلال سنوات الأخيرة، والراصد للمشهد يستطيع بوضوح أن يفرق بين ما حدث منذ الإقرار ، بفشل المسيرة السابقة ، ثم الانقسام والحروب الصهيونية ، ومراحل صب النيران على رؤوس الجميع .والحديث عن خطورة ما يجري من ضم وتهويد للقدس، والاعتداءات على المسجد الأقصى، لاقتسام الصلاة فيه، وخطورة خطة ضم أي شبر من الضفة الغربية.
وقبل ذلك شئنا أم أبينا كانت هناك حالة من الترهل الشديد والفساد الناخر ، ليكشف عن أزمة ألمت بالفكر السياسي وبالعقل الاستراتيجي ، وللأسف صرنا بحاجة للحديث عن بديهيات!
ولم يكن يخفى على أحد أن النهاية قد باتت وشيكة ، وأن التحرك اصبح ضرورة للحفاظ على ما تبقي بعد هذا الاخفاق والانهيار، ورغم التحذيرات الشديدة لم يكترث صانعوا القرار, باتخاذ الخطوات الواجبة نحو رأب الصدع الذي حدث بعد الانقسام لمواجهة الصهاينة , وما يخططون ويأملون عبثاً أن يكرسوا هذا الوضع الكارثي.
ثم اللحظات الصعبة التي أكتشف فيها الشعب الفلسطيني حقيقة بعض التيارات المستترة بالقضية ، التي استغلت تطلعات غالبية شعب يطمح أبناؤه نحو الوحدة و الحرية والاستقلال ، واقرار خطوات إصلاحية حقيقية في كافة المجالات, وعلى كافة الأصعدة ، واكتشف ايضا خطة ما بعد الانقسام المدمر, حكم وحكومات أستمر لسنوات بدون انتخابات! ولا حق دستوري ولا يحزنون.. وظهرت حقائق صادمة عن جماعات كانت تحيا بين أبناء الوطن الواحد تسعى لتقسيمه وتفتيته ، الي ان وصلنا جمعيا للمرحلة الأصعب والأكثر خطورة الآن "صفقة القرن" و ضم القدس والأغوار و المستوطنات , بعد بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية , مقابل انقسامنا المخجل.
وبعد كل هذا يطرح سؤل هام و متكرر اين بداية ترتيب البيت الفلسطيني بهذا الوقت الصعب؟ اين مرحلة إعادة بناء الوطن ، ووحدة الوطن، اين استعادة رونق القضية ومكانتها المعهودة، امام المجتمع الدولي والعربي, اين محاولة لم الشمل الداخلي والخارجي الذي تمزق بخنجر الانقسام, وفوق ذلك التصدي للتهديد اليومي من قبل قادة العدو الصهيوني بالحرب الرامية لحرق الوطن والمواطن , وتدمير واستهداف المدنيين.
هنا تأتي الاجابة، بالوحدة الحقيقية.. وبناء استراتيجية وطنية لمعالجة المرحلة المقبلة. بالصمود وبالمقاومة الباسلة، يتم الحفاظ على الوطن ووحدة وسلامة أراضيه ، وسلامة ابناءه ، والتصدي لمخططات الضم وسرقة الارض، و مجابهة رغبة الانتقام الصهيونية وإحباط مخطط السيطرة على شبعنا وقضيته الشريفة، وافشال وتحطيم طموحات المشروع الصهيوني التوسعي.
ولا أظن أن غالبيتنا لم يعي ما سبق، ولا أعتقد أن الأجيال التي عاشت هذه الحقبة وما قبلها لا تفهم كافة تداعياتها. لكن ما الغرض من سرد نفس القصة، أو استرجاع تلك الحقائق؟. الحقيقة أن البعض تناسى ما مرت به القضية، ولم يعد يكترث بحالة الصراع الدائر، ولا بقدسية الوحدة الوطنية و المقاومة, وضرورة الانتباه لما يحاك لنا من أعدائنا ، قد تتنوع الأسباب كالانقسام والمصالح الحزبية , بجانب الضائقة الاقتصادية المعقدة التي نمر بها ، أو الانشغال بالأحداث العالمية وتداعياتها الشديدة، وقد يكون الانهماك وراء البحث عن قوت اليوم ولقمة العيش، وقد يكون انحسار الدعم العربي ، وتدمير ما تبقي لنا من رصيد في العالم العربي و المجتمع الدولي.
على كل حال إن هذه الأسباب مجتمعة وغيرها كفيلة بأن نذكر بعضنا البعض، بأن نسترجع ، روح الوحدة الوطنية مرة اخرى.. روح المقاومة والصمود ، وحتى لا ننسى فالمخطط لم ينتهي والخطر قائماً والأعداء لم يكتفوا بما ارتكبوه من جرائم في حق شعبنا, و المنطقة بأسرها ؛ إن دائرة الانتقام ماتزال مشتعلة برغبة الانتقام من شعبنا، وتفتيت وحدته وسرقة ارضه، إننا لا نزال في ذروة الصراع وليست الأحداث الدائرة حولنا ببعيدة , كذلك إن روح الوحدة الوطنية و المقاومة لا يجب أن تتوقف عند حدود ظاهرية أو وقتية، ولا يجب أن تتحول لنوع من أنواع الرد الوقتي وتأخذ وقتها وتنتهي.
إن استدعاء روح المقاومة والانتصار, تتطلب منا جميعاً تدعيم مقومات الصمود، مع اليقظة والانتباه، أن نستمر في بناء الوحدة الوطنية ، وأن نعلم أعدائنا داخلياً وخارجياً، أن ننتبه للشائعات ومثيري الفوضى، أن نفرق حقاً بين من يريد الإصلاح ومن يريد الإفساد، من يريد انهاء هذا الوضع المسيء للكل الفلسطيني ,’ومن المستفيد ؟ و أن نوقن بأن النصر في معركة البقاء والاستقلال والتحرير مرهون بقدرتنا على الصمود والوحدة الوطنية، في مواجهة محور قوى الشر الصهيوني - الامريكي .
كل هذا حتى لا ننسى.


