بثوبها التراثي الجميل الذي يدل على ملامحها الفلسطينية الاصيلة, تجلس ام الاسرى ام جبر وشاح كعلامة فلسطينية وطنية فارقة تحت مظلة الصليب الاحمر لتناصر الاسرى البواسل في سجون الاحتلال الصهيوني, تهتف مع الحناجر التي تمرست على الهتاف لعشرات السنين, لعل أحداً يسمع صوتهم الذي يصطدم بجدران خيمة الاعتصام داخل الصليب الاحمر, يبحث عنها «الاثنين» وكأنها وشم مطبوع على جبينه الوضاء, تدور عيون الكاميرا نحو عينيها الذابلتين من كثرة البكاء والحزن على الاسرى, يقترب منها الصحفيون لتحدثهم عن الاسرى ومعاناتهم وصمودهم الاسطوري في سجون الاحتلال, فتنساب الكلمات الفلسطينية الوطنية الثورية الاصيلة من بين شفتيها لتصب لعناتها وجام غضبها على مصلحة السجون الصهيونية, كانت ولا زالت وستبقى ام جبر وشاح الصورة الحقيقية المعبرة عن معاناة الاسرى, كلما نظر اليها الاسرى عبر وسائل الاعلام اطمأنوا على ان قضيتهم برمزيتها لا زالت حاضرة, وأن أمهم لا زالت تحمل وجعهم وآلامهم ومعاناتهم, وان هويتهم الوطنية محفوظة في قلب الام كأنها وصية, وكأن الشاعر الفذ محمد درويش كان يهديها هذه الابيات من شعره وهو يقول « فلسطينية العينين والوشم ,, فلسطينية الاسم, فلسطينية الأحلام والهمّ ,, فلسطينية المنديل والقدمين والجسم ,, فلسطينية الكلمات والصمت ,, فلسطينية الصوت ,, فلسطينية الميلاد والموت .
وصفها المختص بشؤون الاسرى الاسير المحرر عبد الناصر فروانة في لقاء أجري معه قبل سنوات فقال « أم جبر وشاح يصعب إيفاؤها حقها ويُستحال التوفيق في انتقاء الكلمات التي تستحقها .. وهذا ليس اطراءً أو مجرد مجاملة ، بل كلمة وفاء لمن أوفوا لقضية الأسرى ، فأم جبر لم تكن أماً لابنها الأسير الرائع جبر الذي أمضى خمسة عشر عاماً في سجون الإحتلال، وهي لم تقطع أواصر العلاقة مع الأسرى وجذور الإنتماء لقضيتهم بمجرد تحرر ابنها منتصف التسعينيات، كما أنني على يقين بأنها لم ولن تقطع جذور تلك العلاقة بمجرد تحرر ابنها الثاني «سمير القنطار» فانتماؤها لقضية الأسرى فاق كل التوقعات ، فتجاوز حدود الخاص الى العام ، وانتقل من المرحلي الى الإستراتيجي ، فكان انتمائها أبدياً ومصيرياً، رغم تجاوزها الثمانين عاماً من العمر ، لتؤكد حقيقة بأنها ليست أماً لجبر وسمير فحسب ، بل هي أم لكل الأسرى الفلسطينيين والعرب», اليوم وهى ترقد في المشفى يرقد معها قلوب الاسرى وقد اصابهم الاعياء, والاسرى يخاطبونها ان حدود بيتك يا أمنا ليست حدود جدران المنزل المهدمة ولا أزقة المخيم الضيقة, ولكنها حدود الوطن من نهره لبحره, انها حدود القلب الاسير داخل الزنازين الضيقة وهو يفتت صلابة القضبان, انه حدود نضال السجون واعتصام الخيام ومظلة الصليب في إثنين الاسرى العليل, قومي يا أمنا فالأسرى ينتظرون بلهفتهم سماع صوتك الصداح وهو يواسيهم ويؤنس وحدتهم داخل زنازين الاسر الضيقة.
ام جبر وشاح الهامة الوطنية الكبيرة «ام الاسرى» وام الشهيد العربي اللبناني سمير القنطار, هي رمز وطني مشترك بين كل الفصائل الفلسطينية جمعاء, لها كل الحب والود والتقدير والاحترام, لقد شكلت بصبرها وصمودها وثباتها حالة وطنية فريدة, ورمزا للأسرى الابطال, واصبحت ايقونة للنضال من اجل تحرير الاسرى من سجون الاحتلال, وما يجمع بينها وبين الفصائل الوطنية الفلسطينية هو تحرير الاسرى من سجون الاحتلال, يربطها حبل وصال وثيق مع حركة حماس المناضلة التي اوفت بوعدها للأسرى في صفقة «وفاء الاحرار», ويربطها حبل وصال مع حركة فتح والجبهة الشعبية والجهاد الاسلامي والجبهة الديمقراطية وكل الفصائل الوطنية, وهى اكبر من أي يد آثمة حاولت او تجرأت على مجرد المحاولة ان تمتد اليها, لأنها باختصار اقوى من السنين والايام, وهامتها تعلو بعطائها وتضحياتها الى عنان السماء, وهى تعطي وتهب ما تبقى من سنين عمرها الى الاسرى الابطال, فهل يجرؤ أحد ان يتحدى كل هذا العطاء, وهل هناك من تسول له نفسه ان ينال من هذا النبع الوطني الذي لا ينضب, كلهم ابناؤك يا ام الاسرى وانت التي تعودينا دائما على العطاء, فهلا منحتيهم غفرانك ان كانوا مخطئين, وهلا منحتينا صفحك على تقصيرنا بحقك يا امنا, وهلا منحت الاسرى في زنازين الاحتلال هتافك الجميل, لا زال الاثنين الساكن تحت مظلة الصليب الاحمر يرقبك بعينيه الشاخصتين, وينتظر ان تزينيه بخطاك المتثاقلة وتتكئي على كتفه المثقل بأعباء الاسرى الميامين, قومي ايتها الام وانثري في فضاء الكون شعار النصر والتحرير.