مسؤولون وأكاديميون يحذرون من التداعيات المدمرة للضم على الاقتصاد الفلسطيني والمجتمع

الأحد 14 يونيو 2020 06:36 م / بتوقيت القدس +2GMT
مسؤولون وأكاديميون يحذرون من التداعيات المدمرة للضم على الاقتصاد الفلسطيني والمجتمع



رام الله / سما /

 أجمع مسؤولون وأكاديميون فلسطينيون أن الضم الإسرائيلي المنوي بموجبه فرض القانون والسيادة الإسرائيلية على الأغوار وأجزاء واسعة من الضفة الغربية، ستكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد الفلسطيني والمجتمع، ويجب مواجهته بسياسات شاملة لتعزيز صمود المواطنين، والنزول إلى الميدان لمواجهة كافة الإجراءات الاحتلالية الاستيطانية ومنعها.

جاء ذلك في ندوة عبر الإنترنت webinar نظمها مساء السبت، معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، وشارك فيها وزيرا الزراعة، وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، ووكيلا وزارة التنمية الاجتماعية، والعمل، وعضو "الكنيست" عن التجمع نفين أبو رحمون، وعدد من الأكاديميين والباحثين المختصين.

وفي بداية الندوة، رحب مدير المعهد نايف جراد بالحضور، موضحاً خطورة الضم على مصير الشعب الفلسطيني، ودعا إلى تحليل موضوعي للمخاطر المحدقة وضرورة التصدي لها ومقاومتها.

وقال وزير الزراعة رياض العطاري: إن آثار الضم شاملة ومترابطة، ويأتي في مقدمتها الأثر السياسي الذي يعني إنهاء حل الدولتين واستحالة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وبيّن أن مخطط الضم تحت الذرائع الواهية للأمن القومي لدولة الاحتلال من شأنه أن يسلب الشعب الفلسطيني نسبة كبيرة ومهمة من الأرض الزراعية والمراعي المنتجة والحاضنة للثروة النباتية والحيوانية والمائية التي تشكل بعداً حيوياً للأمن الغذائي والاقتصادي في فلسطين، ما سيكون له انعكاسٌ مدمرٌ على الاقتصاد الفلسطيني، وسيخلق حالة من التحولات اللامعيارية التي من شأنها تمزيق النسيج المجتمعي والهوية والشخصية الوطنية.

من جانبه، اعتبر رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف أن مخطط الضم شرع به منذ العام 1967 عبر سياسة ممنهجة من قبل الاحتلال، شملت عمليات تدمير للبيوت والمساكن والتهجير القسري للسكان وإغلاق مساحات واسعة من الأرض والاستيلاء على مساحات أُخرى تحت ذرائع الأمن والتدريب العسكري وإقامة المحميات الطبيعية الواقعة على منابع المياه، وإقامة المستوطنات وحرمان الفلسطينيين من مصادر المياه والمراعي وتقييد حركتهم.

وأوضح عساف أن إجراءات الضم تتسارع على الأرض من خلال إغلاق الحواجز واقتلاع وتدمير شبكات الري والمياه وكروم النخيل وإحراق المحاصيل الزراعية وتضييق الخناق على حركة الناس وأعمالهم.

ولمواجهة الأخطار المحدقة والآثار المدمرة للضم على الاقتصاد والمجتمع، أوضح عساف أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان تقود خطة شاملة للمواجهة تقوم على توفير مقومات الصمود والدعم والتوعية وإقامة مراكز الحماية وتفعيل المقاومة الشعبية ومقاومة ومنع التهجير القسري، مشيراً إلى التجربة الناجحة في الخان الأحمر التي من الضروري تعميمها لمواجهة مخطط الضم.

بدورها، أكدت أبو رحمون وجوب النظر إلى الضم ارتباطاً بقانون أساس القومية الذي شرعن الضم والاستيطان وحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير على أرض وطنه.

وقالت: إن مخطط الضم هو استكمال للمشروع الاستعماري الاستيطاني، ونتائجه ستكون نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، وخطورته تكمن في السيطرة على الأرض والمكان والسيادة والثروة.

ودعت أبو رحمون إلى مواجهة هذا المخطط بتجاوز الانقسام الفلسطيني، وبحراك شعبي يجمع الكل الفلسطيني، ويشمل كل المجالات، بما فيها العمل التحرري التنموي الذي يعزز صمود الناس في وطنهم، وذلك في إطار استراتيجية فلسطينية متكاملة.

وتناول داود الديك، وكيل وزارة التنمية الاجتماعية ،التداعيات الاجتماعية للضم، موضحاً أن التكلفة الاجتماعية للضم ستكون عالية، حيث سيؤدي ذلك إلى إحداث تشوهات في بنية المجتمع وتمزيق النسيج الاجتماعي نتيجة التغير المحتمل في عملية الإنتاج ونمط الحياة، وما سينتج عن ذلك من حالة تغيير في التركيبة السكانية وتهجير قسري، وبالتالي سيؤثر سلباً بارتفاع تكلفة الحياة والمعيشة وصعوبة الوصول إلى الخدمات، ما سينعكس على العلاقات الاجتماعية والأُسرية بالمزيد من الحرمان والفقر والقلق والخوف والتشظي.

وأكد الديك أن مواجهة هذا المخطط الخطير تستدعي من الجميع النزول إلى الميدان والعمل على الأرض لتوفير وتعزيز منظومة الصمود والحماية الاجتماعية، وتوفير مقومات الصحة والتعليم والسكن للقاطنين في منطقة الأغوار.

من جانبه، نبّه وكيل وزارة العمل سامر سلامة إلى أن الأغوار ليست ثروة زراعية ومائية فحسب، بل مخزون هائل من الثروة المعدنية التي تقدر بمليارات الدولارات، وتشكل ما نسبته من 7- 10% من الناتج الإجمالي الفلسطيني، كما أن الأغوار تشكل جزءاً مهماً من الثروة السياحية، وهي منطقة حدودية مع الأردن لها مكانة حيوية في التجارة الدولية وحركة السكان وعمليات الاستيراد والتصدير والجمارك، وبالتالي فإن الضم سيحرم الفلسطينيين من كل ذلك، وسيكون دماراً للاقتصاد الفلسطيني، وهو ما سينعكس على العمالة في الأغوار، ويعزز من نمط العبودية الذي تفرضه سلطات الاحتلال، خاصة على النساء العاملات في المستوطنات، وسيحول حتى الرعاة والبدو إلى عمالة رخيصة تعتمد على سوق العمل في المستوطنات.

ودعا سلامة إلى الاهتمام بالبعد الديمغرافي في الأغوار وضرورة تعزيز مقومات الصمود، مؤكداً أن التحدي هو تحدٍّ وجودي، وبالتالي يتطلب تجنيد الموارد وتحويل العديد منها للأغوار، مؤكداً أن الوجود على الأرض هو الذي سيحسم هذا التحدي، وهو ما يتطلب جهد الجميع.

وأكد الدكتور أحمد رفيق عوض أن مشروع الضم هو مشروع صهيوني يميني متطرف حاخامي توراتي يزاوج ما بين القومي والديني، وأنه ليس مجرد فرض قانون، بل رسالة للعالم بأن لا حدود لدولة إسرائيل، وأن جغرافيتها توراتية ذات أطماع واسعة.

كما أكد ان انعكاسات الضم ستطال النظام السياسي الفلسطيني برمته، وبالتالي السلطة والنظام والقيادة، وسيؤدي تنفيذه إلى خلخلة عميقة وانكشاف في الأمن والفضاء، وإلى ضرب البنية الاجتماعية التي ما انفك الاحتلال عن استهدافها منعاً لتشكل طبقة وسطى قادرة على الدفاع عن الاقتصاد الوطني والاشتباك مع الاحتلال، وأنه مع ما هو متوقع من ازدياد البطالة والفقر والتهميش نتيجة الضم سيجري الهبوط نحو السلطة العشائرية والقبلية، وإلى هجرات داخلية وخارجية، سواء بالقوة أو بالإقناع.

وتساءل عوض عن المشروع الفلسطيني للرد والمواجهة، ودعا إلى إعمال فكر جماعي لصنع التاريخ في هذه اللحظة الحاسمة من الوجود الفلسطيني.

أما ذياب عيوش، فبيّن أن ليس الضم فقط هو اللاشرعي، بل إن السلطة التي قررته تفتقد للشرعية أصلاً، وبالتالي يجب مقاومة الضم بهذا الاعتبار وملاحقة دولة الاحتلال ونزع الشرعية عنها، مؤكداً أن معركة الضم هي صراع إرادات، وهو ما يتطلب إرادة فلسطينية موحدة تجمع السلطة والشعب، وأن السكوت على الضم سيجعل المشروع الاحتلالي الاستيطاني يتمادى ويتوسع ليشمل كل المناطق.

وبيّن عيوش أن الضم سيؤدي إلى تمزيق البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية الفلسطينية، وهو ما يتطلب وضع سياسات شاملة للمواجهة.

من جانبه، أوضح محمود الجعفري أن الضم يأتي في وضع اقتصادي فلسطيني متأزم أصلاً نتيجة أزمة كورونا، والاقتصاد الفلسطيني أصلاً هشٌّ بطبيعته، ولم تحدث تغييرات جوهرية في أولوياته في السنوات السابقة إلا بشكل طفيف، وستكون للضم تداعيات على الصناعة والزراعة والغذاء، وبالتالي يجب مواجهته بسياسات الاقتصاد الكلي، وبما يشمل علاج البطالة ومواءمة النمو الاقتصادي مع وتيرة الازدياد السكاني، وأن تعطى الأولوية لمواجهة مخاطر الضم المدمرة.

وتناول محمد الدريدي من الجهاز المركزي للإحصاء أهم المعطيات والبيانات التي توضح أهمية الأغوار والمناطق الأُخرى المخطط لضمها بالنسبة لبنية السكان ومقومات الاقتصاد الفلسطيني، موضحاً أن الضم سيشمل 43 تجمعاً سكانياً فيها 312 ألف نسمة، أي ما يشكل 3.7% من سكان الضفة البالغ (3) ملايين، وهو سيشمل الاستيلاء على مساحات واسعة من الأرض تصل إلى نحو 478 كم2، وهي مناطق منخفضة الكثافة السكانية، حيث وجود 255 شخصاً لكل كم2، فيما في بقية الضفة 550 شخصاً لكل كم2، ما يعني أن الاحتلال يستهدف السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض بأقل عدد من السكان.

وأوضح الدريدي أن التجمعات السكانية في المناطق المستهدفة بالضم هي تجمعات فتية حيث 70% منها هم دون سن 30، وأن البطالة فيها نسبياً منخفضة تتراوح بين 10 – 12%، لكنها ورغم ذلك مناطق ذات معدلات فقر عالية تصل إلى ما نسبته 25%، وتوقع أن تزداد هذه النسبة نتيجة الضم، وأن سلطات الاحتلال قد تلجأ لتجميع السكان في تجمعات ومعازل تزداد فيها الكثافة السكانية مما سيؤثر سلبا على العلاقات الاجتماعية بزيادة التفكك والعنف والفوضى ومعدلات الجريمة التي يمكن أن تصدر لبقية المناطق.

وقال محمد عكة: إن الضم سيؤثر سلباً على الثقافة والقيم، وسيلحق ضرراً كبيراً بالنسيج المجتمعي الفلسطيني، وبالتالي سيزيد من معدلات العنف وقد يلجأ الإسرائيليون بسبب صعوبة ضبط السكان إلى التخلي عن ضبط العنف في هذه المناطق، ما يجعله يعم ويصدر إلى المناطق التي تسيطر عليها السلطة.

وفي مواجهة ذلك دعا عكة إلى تصليب الموقف الفلسطيني وتخليصه من حالة الارتباك التي يعيشها، مؤكداً أن النجاح في المواجهة يحتاج إلى توافق الكل الفلسطيني وأن على كل صاحب قرار وشخص مؤثر أن يتحرك لمقاومة الضم على الأرض قبل فوات الأوان.

واستعرض إبراهيم الغروف تداعيات الضم على القطاع السياحي في الأغوار التي تتمتع بثروة سياحية تاريخية ودينية وبيئية ضخمة، مشيراً إلى الإهمال الذي لحق بها في الفترة السابقة، ما يستدعي التنبه لأهميتها بالنسبة للتنمية، مؤكداً ضرورة مواجهة الضم بزيادة الاستثمارات الفلسطينية في كافة القطاعات، وبالعمل على تطوير المناطق السياحية وتطوير البنية التحتية ودعم التواجد السكاني الدائم عبر توفير فرص العمل ودعم المشاريع الصغيرة والحفاظ على الموارد وتوفير الخدمات، وهو ما يتطلب خطة تنموية شاملة للمنطقة.

وفي النقاشات الغنية التي تلت المداخلات وأوراق العمل، أكد عيسى عبد الحفيظ العملة، ممثل الشخصيات المستقلة، أن الضم هو تتويج لسياسة احتلالية استيطانية، ويمثل إبادة سياسية، ويستهدف إنهاء حل الدولتين وتدمير مقومات قيام دولة فلسطينية، وله آثار شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية، وهو ما يتطلب وحدة الجميع في مواجهة هذا المخطط.

وخرجت الندوة بمجموعة من التوصيات ستتضمنها الدراسة الشاملة التي يعكف المعهد على إنجازها.