مسؤولون: تحذير من التداعيات المدمرة للضم على الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني

الأحد 14 يونيو 2020 02:16 م / بتوقيت القدس +2GMT
مسؤولون: تحذير من التداعيات المدمرة للضم على الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني



رام الله / سما /

أجمع مسؤولون في السلطة الوطنية وأكاديميون فلسطينيون على أن الضم الإسرائيلي المنوي بموجبه فرض القانون والسيادة الإسرائيلية على الأغوار وأجزاء واسعة من الضفة الغربية سيكون له تداعيات مدمرة على الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني، وأنه يجب ان يواجه بسياسات شاملة لتعزيز الصمود وأن يتوحد الجميع وينزل إلى الميدان لمواجهة الإجراءات الاحتلالية الاستيطانية ومنعها.

جاء ذلك في ندوة عبر الانترنت webinar نظمها مساء أمس السبت 13/06/2020 معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي شارك فيها وزيري الزراعة وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان ووكيلي وزارة التنمية الاجتماعية والعمل والنائبة في الكنيست عن التجمع نفين أبو رحمون وعدد من الأكاديميين والباحثين المختصين.

ودارت مجريات الندوة على جلستين، أدار الأولى الدكتور ياسر عبيد وكان مقررها الدكتور اياد بندر، وأدار الثانية الأستاذ جمال العبادي وتولت الأستاذة نسيبة غنام مهمة المقررة لها.

وفي بداية الندوة رحب الدكتور نايف جراد مدير المعهد بالحضور موضحا خطورة الضم على مصير الشعب الفلسطيني، ودعا الى تحليل موضوعي للمخاطر المحدقة وضرورة التصدي لها ومقاومتها.

أوضح وزير الزراعة رياض العطاري أن آثار الضم شاملة ومترابطة ويأتي في مقدمتها الأثر السياسي الذي يعني انهاء حل الدولتين واستحالة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وبين العطاري أن مخطط الضم تحت الذرائع الواهية للأمن القومي لدولة الاحتلال من شأنه ان يسلب الشعب الفلسطيني نسبة كبيرة ومهمة من الأرض الزراعية والمراعي المنتجة والحاضنة للثروة النباتية والحيوانية والمائية التي تشكل بعدا حيويا للأمن الغذائي والاقتصادي في فلسطين، مما سيكون له انعكاسا مدمرا على الاقتصاد الفلسطيني، وسيخلق حالة من التحولات اللامعيارية التي من شأنها تمزيق النسيج المجتمعي والهوية والشخصية الوطنية.

ومن جانبه أعتبر وليد عساف، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن مخطط الضم قد شرع به منذ العام 1967 عبر سياسة ممنهجة من قبل الاحتلال شملت عمليات تدمير للبيوت والمساكن وتهجير قسري للسكان واغلاق مساحات واسعة من الأرض والاستيلاء على مساحات أخرى تحت ذرائع الأمن والتدريب العسكري وإقامة المحميات الطبيعية الواقعة على منابع المياه، وإقامة المستوطنات وحرمان الفلسطينيين من مصادر المياه والمراعي وتقييد حركتهم. وأوضح عساف أن إجراءات الضم تتسارع على الأرض من خلال اغلاق الحواجز واقتلاع وتدمير شبكات الري والمياه وكروم النخيل واحراق المحاصيل الزراعية وتضييق الخناق على حركة الناس وأعمالهم. ولمواجهة الأخطار المحدقة والآثار المدمرة للضم على الاقتصاد والمجتمع.

وأوضح عساف ان هيئة مقاومة الجدار والاستيطان تقود خطة شاملة للمواجهة تقوم على توفير مقومات الصمود والدعم والتوعية وإقامة مراكز الحماية وتفعيل المقاومة الشعبية ومقاومة ومنع التهجير القسري مشيرا الى التجربة الناجحة في الخان الأحمر التي من الضروري تعميمها لمواجهة مخطط الضم.

أما النائبة نفين أبو رحمون، فأكدت انه يجب النظر الى الضم ارتباطا بقانون أساس القومية الذي شرعن الضم والاستيطان وحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير على أرض وطنه، ولذا فإن مخطط الضم هو استكمال للمشروع الاستعماري الاستيطاني وان نتائجه ستكون نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، وخطورته تكمن في السيطرة على الأرض والمكان والسيادة والثروة.

ودعت أبو رحمون إلى مواجهة هذا المخطط بتجاوز الانقسام الفلسطيني وبحراك شعبي فلسطيني يجمع الكل الفلسطيني ويشمل كل المجالات بما فيها العمل التحرري التنموي البذي يعزز صمود الناس في وطنهم، وذلك في إطار استراتيجية فلسطينية متكاملة.

وتناول داوود الديك وكيل وزارة التنمية الاجتماعية التداعيات الاجتماعية للضم، موضحا أن التكلفة الاجتماعية للضم ستكون عالية حيث سيؤدي ذلك الى احداث تشوهات في بنية المجتمع وتمزيق النسيج الاجتماعي نتيجة التغير المحتمل في عملية الإنتاج ونمط الحياة، وما سينتج عن ذلك من حالة تغيير في التركيبة السكانية وتهجير قسري، وبالتالي سيؤثر سلبا بارتفاع تكلفة الحياة والمعيشة وصعوبة الوصول الى الخدمات، ما سينعكس على العلاقات الاجتماعية والأسرية بالمزيد من الحرمان والفقر والقلق والخوف والتشظي.

وأكد الديك أن مواجهة هذا المخطط الخطير يستدعي من الجميع النزول إلى الميدان والعمل على الأرض لتوفير وتعزيز منظومة الصمود والحماية الاجتماعية وتوفير مقومات الصحة والتعليم والسكن للقاطنين في منطقة الأغوار.

ومن جانبه، نبه وكيل وزارة العمل سامر سلامة إلى ان الأغوار ليست ثرورة زراعية ومائية فحسب، بل ومخزون هائل من الثروة المعدنية التي تقدر بمليارات الدولارات والتي تشكل ما نسبته من 7- 10% من الناتج الإجمالي الفلسطيني، كما وان الأغوار تشكل جزءا مهما من الثروة السياحية، وهي منطقة حدودية مع الأردن لها مكانة حيوية في التجارة الدولية وحركة السكان وعمليات الاستيراد والتصدير والجمارك، وبالتالي فإن الضم سيحرم الفلسطينيين من كل ذلك وسيكون دمارا للاقتصاد الفلسطيني، وهو ما سينعكس على العمالة في الأغوار ويعزز من نمط العبودية الذي تفرضه سلطات الاحتلال وخاصة على النساء العاملات في المستوطنات، وسيحول حتى الرعاة والبدو الى عمالة رخيصة تعتمد على سوق العمل في المستوطنات.

ودعا سلامة الى الاهتمام بالبعد الديمغرافي في الأغوار وضرورة تعزيز مقومات الصمود مؤكدا أن التحدي هو تحدي وجودي وبالتالي يتطلب تجنيد الموارد وتحويل العديد منها للأغوار، مؤكدا أن الوجود على الأرض هو من سيحسم هذا التحدي وهو ما يتطلب جهد الجميع.

وأكد الدكتور أحمد رفيق عوض أن مشروع الضم هو مشروع صهيوني يميني متطرف حاخامي توراتي يزاوج ما بين القومي والديني، وأنه ليس مجرد فرض قانون بل رسالة للعالم ان لا حدود لدولة إسرائيل وأن جغرافيتها توراتية ذات أطماع واسعة.

كما أكد ان انعكاسات الضم ستطال النظام السياسي الفلسطيني برمته وبالتالي السلطة والنظام والقيادة، وسيؤدي تنفيذه الى خلخلة عميقة وانكشاف في الأمن والفضاء والى ضرب البنية الاجتماعية التي ما انفك الاحتلال عن استهدافها منعا لتشكل طبقة وسطى قادرة على الدفاع عن الاقتصاد الوطني والاشتباك مع الاحتلال، وأنه مع ما هو متوقع من ازدياد البطالة والفقر والتهميش نتيجة الضم سيجري الهبوط نحو السلطة العشائرية والقبلية والى هجرات داخلية وخارجية سواء بالقوة أو بالإقناع.

وتساءل عوض عن المشروع الفلسطيني للرد والمواجهة، ودعا الى إعمال فكر جماعي لصنع التاريخ في هذه اللحظة الحاسمة من الوجود الفلسطيني.

أما الدكتور ذياب عيوش، فقد بين ان ليس الضم فقط هو اللاشرعي، بل إن السلطة التي قررته تفتقد للشرعية أصلا، وبالتالي يجب مقاومة الضم بهذا الاعتبار وملاحقة دولة الاحتلال ونزع الشرعية عنها، مؤكدا أن معركة الضم هي صراع ارادات، وهو ما يتطلب إرادة فلسطينية موحدة تجمع السلطة والشعب، وان السكوت على الضم سيجعل المشروع الاحتلالي الاستيطاني يتمادى ويتوسع ليشمل كل المناطق. وبين عيوش أن الضم سيؤدي الى تمزيق البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية الفلسطينية، وهو ما يتطلب وضع سياسات شاملة للمواجهة.

ومن جانبه أوضح الدكتور محمود الجعفري أن الضم يأتي في وضع اقتصادي فلسطيني متأزم أصلا نتيجة أزمة الكورونا، والاقتصاد الفلسطيني أصلا هش بطبيعته، ولم تحدث تغييرات جوهرية في أولوياته في السنوات السابقة إلا بشكل طفيف، وسيكون للضم تداعيات على الصناعة والزراعة والغذاء، وبالتالي يجب مواجهته بسياسات الاقتصاد الكلي وبما يشمل الموزانة وعلاج البطالة ومواءمة النمو الاقتصادي مع وتيرة الازدياد السكاني، وأن تعطى الأولوية لمواجهة مخاطر الضم المدمرة.

وتناول الأستاذ محمد الدريدي من جهاز الإحصاء المركزي أهم المعطيات والبيانات التي توضح أهمية الأغوار والمناطق الأخرى المخطط لضمها بالنسبة لبنية السكان ومقومات الاقتصاد الفلسطيني، موضحا أن الضم سيشمل 43 تجمعا سكانيا فيها 312 ألف نسمة، أي ما يشكل 3.7% من سكان الضفة البالغ (3) ملايين، وهو سيشمل الاستيلاء على مساحات واسعة من الأرض تصل الى حوالي 478 كم2، وهي مناطق منخفضة الكثافة السكانية، حيث وجود 255 شخص لكل كم2 بينما في بقية الضفة 550 شخص لكل كم2، مما يعني أن الاحتلال يستهدف السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض بأقل عدد من السكان.

وأوضح الدريدي ان التجمعات السكانية في المناطق المستهدفة بالضم هي تجمعات فتية حيث 70% منها هم دون سن 30، وأن البطالة فيها نسبيا منخفضة تتراوح بين 10 – 12%، ولكنها ورغم ذلك هي مناطق ذات معدلات فقر عالية تصل الى ما نسبته 25%، وتوقع أن تزداد هذه النسبة نتيجة الضم، وأن سلطات الاحتلال قد تلجأ لتجميع السكان في تجمعات ومعازل تزداد فيها الكثافة السكانية مما سيؤثر سلبا على العلاقات الاجتماعية بزيادة التفكك والعنف والفوضى ومعدلات الجريمة التي يمكن أن تصدر لبقية المناطق. واتفق معه الدكتور محمد عكة، الذي أضاف أن الضم سيؤثر سلبا على الثقافة والقيم، وسيلحق ضررا كبيرا بالنسيج المجتمعي الفلسطيني وبالتالي سيزيد من معدلات العنف وقد يلجأ الإسرائيليون بسبب صعوبة ضبط السكان الى التخلي عن ضبط العنف في هذه المناطق مما يجعله يعم ويصدر الى المناطق التي تسيطر عليها السلطة.

وفي مواجهة ذلك دعا الدكتور عكة الى تصليب الموقف الفلسطيني وتخليصه من حالة الارتباك التي يعيشها، مؤكدا أن النجاح في المواجهة يحتاج إلى توافق الكل الفلسطيني وأن على كل صاحب قرار وشخص مؤثر ان يتحرك لمقاومة الضم على الأرض قبل فوات الأوان.

واستعرض الدكتور إبراهيم الغروف تداعيات الضم على القطاع السياحي في الأغوار التي تتمتع بثروة سياحية تاريخية ودينية وبيئية ضخمة، مشيرا إلى الاهمال الذي لحق بها في الفترة السابقة، مما يستدعي التنبه لأهميتها بالنسبة للتنمية، مؤكدا على ضرورة مواجهة الضم بزيادة الاستثمارات الفلسطينية في كافة القطاعات وبالعمل على تطوير المناطق السياحية وتطوير البنية التحتية ودعم التواجد السكاني الدائم عبر توفير فرص العمل ودعم المشاريع الصغيرة والحفاظ على الموارد وتوفير الخدمات، وهو ما يتطلب خطة تنموية شاملة للمنطقة.

وفي النقاشات الغنية التي تلت المداخلات وأوراق العمل، تحدث السيد عيسى عبد الحفيظ العملة ممثل الشخصيات المستقلة فأكد أن الضم هو تتويج لسياسة احتلالية استيطانية ويمثل إبادة سياسية ويستهدف انهاء حل الدولتين وتدمير مقومات قيام دولة فلسطينية، وأن له آثارا شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية، وهو ما يتطلب وحدة الجميع في مواجهة هذا المخطط. وخرجت الندوة بمجموعة من التوصيات ستتضمنها الدراسة الشاملة التي يعكف المعهد على إنجازها.