بينما تتسابق عقارب الساعة نحو نهاية شهر حزيران الجاري ، ومطلع شهر تموز المقبل، تزداد وتيرة التكهنات في العاصمة الأميركية واشنطن - رغم هموم جائحة كورونا، وثقل الاحتجاجات ضد العنصرية المتأصلة في الولايات المتحدة ، وفزع البيت الأبيض من تراجع أرقام الرئيس دونالد ترامب الانتخابية - عما إذا كان سيفعلها أم لا؟ هل سيعلن رئيس وزراء إسرائيل ، بنيامين نتانياهو الذي لا يقهر ولا يتقيد، ضم الضفة الغربية ؛ كل ما وعد به منتخبيه المستوطنين؟ بما في ذلك كل المستوطنات، والمنطقة "ج" وغور الأردن ، أم أنه سوف يكتفي آنيا بالمستوطنات الكبيرة والصغيرة والنائية والبؤرة.. 132 مستوطنة ، دون الحاجة إلى ذكر خطة ترامب للسلام ، المعروفة باسم "صفقة القرن" وما تتطرق إليه عن قيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف؟
وهل سيرضي ذلك المستوطنين الإسرائيليين، أصحاب الفصل والقول، الذين أصبحوا أقوى مجموعة في المجتمع الإسرائيلي دون منافس، وعمود نتانياهو الفقري، فهم يؤيدون الضم ويرفضون فكرة "دولة فلسطينية" من أي شكل أو نوع في أي مكان، مهما كانت هشة وممزقة ومقطعة الأوصال؟
وهل ستنتهي إدارة ترامب في آخر المطاف متقبلة لإملاءات مستوطني نتانياهو ، أم أنها ستصر على أن ضم الضفة الغربية المحتلة يجب أن يكون جزءً من خطة ترامب "السلام نحو الازدهار" وبالتفاوض مع الفلسطينيين ؟
وماذا عن حلفاء الولايات المتحدة المقربين الآخرين ، خاصة الأردن ، التي تشكل منطقة الغور المزمع ضمها خاصرته الإستراتيجية، وفي حال تنفيذ نتانياهو وعده بضمها ، ستكون بمثابة المؤشر نهو تآكل الدولة الهاشمية ، واستحواذ فكرة الوطن البديل على الوجدان الليكودي، ما دفع العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني ، ووزير خارجيته، أيمن الصفدي بالتهديد بنبرة جدية بالانسحاب من اتفاقية وادي عربة .
ويعتقد معظم الخبراء إن الأردن في حالة ذعر حقيقي، ليس فقط بسبب خرق القانون الدولي الذي تثيره هذه الخطوة، ولكن أيضا بسبب الرد العام الذي قد ينشأ في الأردن، فضلا عن الضفة الغربية المحتلة ، وقطاع غزة المحاصر، في حال قررت إسرائيل الضم في بداية تموز. عوضا عن الأردن يمر بأزمة اقتصادية عميقة بدأت حتى قبل انتشار فيروس كورونا المستجد وتعمقت بشكل كبير نتيجة الأضرار الاقتصادية التي سببها الوباء، وأنه إذا كان المحتجون في المظاهرات السابقة يطالبون بالتوظيف والمساعدة الاقتصادية، وبالكاد ذكروا معارضتهم للتطبيع مع إسرائيل، فإن الغضب هذه المرة قد يكون موجها بشكل رئيسي ضد إسرائيل وفق تحذير الصفدي للأوربيين.
وكذلك ، الموقف الرسمي للدول العربية ، والأوروبية، والأسيوية وروسيا ، والمنظمات الدولية ، التي تعتبر أن الضم الموعود سينهي خيار حل الدولتين، بالإضافة إلى خرقه للقوانين والشرعية الدولية.
تصريحات نتانياهو بشأن الضم، لم تتغير، رغم قوله للمستوطنين الأحد الماضي أن المسؤوليين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس ترامب، ومستشاريه الرئيسيين بشأن "خطة السلام" ، صهره ، جاريد كوشنر، ومساعده ، آفي بيركويتز، "لم يعودوا متحمسين للضم" كما كانوا عليه سابقا.
ويصر نتانياهو على أن اتفاق الائتلاف الموقع بين حزب "الليكود" الذي يتزعمه ، وحزب "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس يسمح لرئيس الوزراء بالمضي قدما في الضم اعتبارا من الأول من شهر تموز المقبل ، ووعد بضم جميع المستوطنات وغور الأردن – أي حوالي 30% من الضفة الغربية. وأن أجزاء الضفة الغربية التي ستمدد إسرائيل السيادة عليها هي تلك المخصصة لها بموجب خطة السلام التي وضعها الرئيس الأميركي ترامب.
بدوره قال وزير من حزب "أزرق أبيض" يوم الثلاثاء بحسب جريدة "تايمز اوف إسرائيل" إن الحزب الوسطي توصل إلى اتفاق مع الليكود بشأن ضم غور الأردن، لكن رئيس الحزب، ووزير الدفاع بيني غانتس، قال أنه سيدعم الخطة فقط إذا كانت مدعومة من الولايات المتحدة وبعض الدول العربية.
فوضى التكهنات وكثرتها بشأن عملية الضم ، سواء كانت عن قصد أو عن غير قصد، خلقت حالة من الغموض بالنسبة لحقيقة الموقف الأميركي بشأن عملية الضم ، مبدأ وتوقيتا ، الأمر الذي قد يوفر مخرجا للرئيس ترامب من المأزق الذي يجد نفسه فيه بشان الضم, المختصون يعتقدون أن ترامب مثقل بمهمات الرئاسة ولأزمات الخانقة مثل الوضع الاقتصادي الذي شهد انحدارا مخيفا منذ بسبب كوفيد-19 وما سببه إغلاق لاقتصاد وانضمام 35 مليون أميركي إلى صفوف الباطلين عن العمل . والآن الانفجاريات الاحتجاجية الشعبية من ميسولا ، مونتانا في الشمال الغربي ، نزولا حتى تكساس ، ومن سان فرانسيسكو على المحيط الأطلسي وحتى بلدات ولايات في مدن ولايات مين وفيرمونت على المحيط الأطلسي شرقا شرق، بسبب قتل المواطن الأسود جورج فلويد ألذي أطلق موته البشع على يد أعضاء من شرطة مينيابوليس، ولاية مينسوتا الشهر الماضي موجة احتجاجات واسعة غير مسبوقة ـ وتكتسب زخما يوميا ، وتسطر أجندات جديد في سبل التعامل والقيم ، مشغول حتى أذنيه في تفاصيل تلك الأزمات الثلاث ومحاولة حلها، دون إضافة مزيد من التوتر.
ولذلك، بسحب مصدر مطلع، ألقيت هموم خطة ترامب وإخراجها إلى حيز التنفيذ على عاتق مساعد الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر لعملية السلام، آفي بيركويتز، المحامي الذي تخرج من كلية حقوق جامعة هارفارد المرموقة، وأنضم إلى فريق "صفقة القرن" مبكرا ، وتسلق قمة الهرم من خلال تركيزه حصريا على تفاصيلها المعقدة.
ويؤكد المصدر أن بيركويتز يختلف تماما عن سلفه في الفريق، جيسون غرينبلات ، الذي أمضى وقته محرضا ضد الفلسطينيين ، خاصة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، وعضو اللجنة البارزة ، الدكتورة حنان عشراوي ، واستهتارا في أروقة الأمم المتحدة بدور أو أهمية القوانين الدولية كأداة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بيركويتز بحسب الخبراء جاء لموقعه دون حِملٍ يثقله من الأسفار الإسرائيلية، وقدرة على التعامل الموضوعي مع القضية الفلسطينية، تمكنه قراءة ساكنة لها، غير مشابه بلون (الأولويات الإسرائيلية). بيركويتز، بحسب المصدر، "أظهر مبكرا نوعا من الحساسية الإيجابية تجاه الفلسطينيين وقضيتهم، كما أظهر عزما على دعمهم للخروج من محنتهم المزمنة قدر الإمكان".
ويعتقد الخبراء أن فجوة يصعب جسرها ، خلقت وتتسع بين بيركويتز وكوشنر من جهة، والسفير الأميركي في إسرائيل من جهة بسبب اندفاع فريدمان لإنجاز الضم وتثبيت الواقع في أقرب فرصة.
يذكر أن فريدمان تغيب عن لقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يوم 13 أيار الماضي (بسبب وعكة صحية) يصر الخبراء على أنها وعكة نشأت على خلفية الخلاف بشأن الضم.
كما أن بيركويتز ، على ما يبدو أوكلت له مهمة التواصل مع الفلسطينيين بهدف إغرائئم للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وتعاني السلطة الفلسطينية من معضلات عديدة، خاصة على مستوى الاستمرار في أداء واجباتها الخدمية من جهة واتفاقات التنسيق مع سلطات الاحتلال ، خاصة التنسيق ألأمني من جهة أخرى. الشح المالي اضطرها لخفض رواتب عشرات الآلاف من موظفيها وضباط الشرطة؛ وستخفض التمويل الحيوي لقطاع غزة الذي يرزح تحت الفقر ، والإعلان أنه ستحاكم أي مواطن إسرائيلي أو عربي مقيم في القدس المحتلة اُعتقل داخل الضفة الغربية أمام محاكم فلسطينية، بدلاً من تسليمهم إلى إسرائيل.
فمن منطلق تطلعهم اليائس لردع إسرائيل عن ضم الأراضي المحتلة، يتخذ الفلسطينيون عدداً من الخطوات الاستفزازية لقطع التعاون مع إسرائيل وإجبارها على تحمل المسؤولية الكاملة، كمحتل عسكري، عن حياة أكثر من مليوني فلسطيني في الضفة الغربية. ورغم أن هذه الإجراءات ربما تأتي بنتائج عكسية، ينظر القادة الفلسطينيون إليها على أنها إجراءات قوية ولكن قابلة للإلغاء لجعل الإسرائيليين والمجتمع الدولي يأخذونهم على محمل الجد ويتراجعون - قبل فوات الأوان، كما يقولون.
فقد قال حسين الشيخ، وهو المسؤول الفلسطيني عن العلاقات مع إسرائيل وأحد أقرب مستشاري رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، قال لصحيفة نيويورك تايمز: "لسنا عدميين أو حمقى ولا نريد فوضى... نحن براغماتيون... لا نريد أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة... والضم يعني عدم العودة بالنسبة للعلاقة مع إسرائيل".
وأضاف الشيخ في حواره مع نيويورك تايمز: "إما أن يتراجعوا (الإسرائيليون) عن الضم وأن تعود الأمور إلى ما كانت عليه، أو يمضون قدماً في الضم ويصبحون من جديد السلطة المحتلة في الضفة الغربية بأكملها". وقال إنه إذا تلاشت إمكانية إقامة دولة، فسوف يقتصر دور السلطة الفلسطينية على أداء وظائف مدنية مثل إدارة المدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة.