"الغروزيني" من الشاباك يتحدث عن اغتيال عياش والكرمي واعتقال السيد

الجمعة 29 مايو 2020 02:57 م / بتوقيت القدس +2GMT
"الغروزيني" من الشاباك يتحدث عن اغتيال عياش والكرمي واعتقال السيد



القدس المحتلة / سما /

يتسحاق إيلان، الملقب بـ"الغروزيني" لأن أصوله من جورجيا، هو أحد أبرز المسؤولين في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، وكان له دور رئيسي في عمل الشاباك ضد الفلسطينيين منذ ثمانينيات القرن الماضي، بحسب مقابلة مطولة معه نشرتها صحيفة "معاريف" أمس، الخميس.

فقد كان "الغروزيني" محقق الشاباك في رام الله خلال انتفاضة الحجارة، التي اندلعت في الأراضي المحتلة في نهاية العام 1987، وقائد الشاباك في منطقة شمال الضفة خلال انتفاضة القدس والأقصى التي اندلعت عام 2000، وتولى قيادة "دائرة إحباط الإرهاب" في قطاع غزة، ثم رئاسة شعبة التحقيقات. وفي العام 2011، كان مرشحا لخلافة رئيس الشاباك الأسبق يوفال ديسكين، لكن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قرر تعيين شخص آخر، وإثر ذلك خرج إيلان إلى التقاعد.

وسعى "الغروزيني"، خلال المقابلة، إلى تبرير اغتيال واعتقال العديد من القياديين والناشطين الفلسطينيين، خلال الانتفاضتين خصوصا، وأبرزهم الشهيدان يحيى عياش ورائد الكرمي، والأسير عباس السيد. كما تطرق إلى اعتقال الناشطين الذين أدينوا بقتل الجندي أوليغ شايحاط وخطف سلاحه، قرب بلدة كفر كنا. وقال في هذا السياق إنه تم اعتقال أربعة مشتبهين، لكنه اشتبه بصحة روايتهم، ورغم أنهم أعادوا تمثيل عملية القتل، إلا أنه فتح التحقيق مجددا ما أدى إلى اعتقال آخرين أدينوا بتنفيذ العملية، بينما تم الإفراج عن المعتقلين الأربعة.

اغتيال عياش

جاء اغتيال يحيى عياش إثر دخوله إلى غزة، بالتزامن مع وصول "الغروزيني" إلى المدينة ليتولى قيادة وحدة الشاباك هناك، في العام 1995. ووصف "الغروزيني" عياش بأنه "رمز وشخصية. وقد شارك مليون شخص في جنازته. ومن أنزله (اغتاله) في نهاية الأمر ليس أنا وحدي فقط، فأنا ترأست عملية اغتياله، وإنما قدرات تنظيمية، تكنولوجية، ابتكارات هائلة للجهاز. ولم أتمنى أن يصل عياش إلى غزة سوية معي، لكني أدركت أنه يجب إيقاف هذا الرجل".

وأضاف مشيرا إلى ميزات عياش، أنه "كان لديه مزيج نادر من القدرات التي دمرتنا. وكانت شخصيته جذابة بشكل غير عادي. قائد بالفطرة. حذر جدا، ولم يتحدث بهاتف من دون أن يعرف متى تم شراؤه وأين كان وما إلى ذلك. وهو لم ينم ليلتين متتاليتين في السرير نفسه. لقد كان متدينا جدا، متعصب احتقر أي شيء ليس إسلاميا، وخاصة نحن، اليهود. والأمر الثالث هو قدرته في مجال الهندسة الكيميائية، التي حولته إلى مهندس لديه قدرة على بناء عبوات ناسفة فتاكة. ولم يظهر حتى اليوم أحد مثله".

وحسب "الغروزيني"، فإن عياش "وجّه سبع عمليات انتحارية بعد المجزرة في مغارة المكفيلا (الحرم الإبراهيمي في الخليل) التي ارتكبها باروخ غولدشطاين. وبالمناسبة، فإن الضرر الأكبر الذي تسبب به غولدشطاين هو أنه بعد مجزرته بدأت عمليات انتحارية. وأي ادعاءات أخرى هي هراء. العمليات الانتحارية في إسرائيل بدأت بعد غولدشطاين فقط، وأقول هذا بشكل قاطع. وقد أعلن عياش بنفسه بعد المجزرة في مغارة المكفيلا أنه سيبدأ بتنفيذ عمليات انتحارية. وعد وأوفى".

وأكد "الغروزيني" على أن رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، يتسحاق رابين، هو الذي أصدر الأمر باغتيال عياش. "قال رابين لنا إنه ’لا يهمني أي شيء، اغتالوه’. وفي البداية وضع قيودا علينا بخصوص غير الضالعين بالقتال الذين قد يصابوا، وبعد ذلك أزال القيود، لكن طلب ألا يكون الاغتيال ببصمة عالية (أي ألا تظهر الجهة التي نفذت الاغتيال)". وأضاف أنه بعد اغتيال رابين، صادق خلفه، شمعون بيرس، على الاغتيال.

وتابع "الغروزيني" أنه "توصلنا إلى فكرة الهاتف النقال المفخخ بالصدفة. فقد سمحنا لزوجة عياش بالدخول إلى غزة، كي تكون لدينا مرساة أخرى تمكننا من الوصول إليه. وفي أحد الأيام هاتف عياش صديقه في بير زيت. وسأل الصديق من المتحدث، وأجابه عياش: ’أبو براء’. وأنا ذُهلت. فقد كان اسمه الحركي أبو أحمد. وعندما يستخدم أبو براء، فهذا يعني أنه في حالة مختلفة، وأنه يتعامل مع شؤون عائلية لا علاقة لها بنشاطه العسكري. وقمنا بخدعة مذهلة، بأن حوّلنا هذا الصديق إلى عميل مُضلل وجعلناه يشتري ذلك الهاتف الخليوي المعين، الذي حوله التقنيون لدينا إلى قنبلة. وقد هاتفه عياش للتأكد من شرائه هاتف. وعندها علمنا أننا في الطريق الصحيح".

وحسب "الغروزيني" فإنه رافق العميل الذي سلّم الهاتف إلى صديق عياش لجولة جوية فوق الحرم القدسي، "فقد كان هذا طلبه. وحصل على جولة جوية في سماء البلاد على حساب الشاباك. وقد كان الهاتف من أبسط نوع، وحتى أنه لم يكن بالإمكان استبدال بطاقة سيم فيه. ولم ينجح تفخيخه. حدث خلل". إثر ذلك تم إدخال الهاتف إلى إسرائيل، بعدما سلمه صديق عياش للعميل في غزة من أجل إصلاحه، وتبين أنه سلكا قد قُطع. "وبعدها جعلنا عياش يشتبه بوجود تنصت على الهاتف، وليس بقنبلة. وكانت العائلة هي نقطة ضعف عياش الأكبر. ورغم أنه اشتبه بالتنصت على هاتفه، إلا أنه استخدمه كي يتصل مع والده للسؤال عن صحته. وبعد فترة قصيرة، هاتف والده وسأله كيف حالك، وبعدها لم يسمعه ثانية"، فقد انفجر الهاتف واستشهاد عياش.

اغتيال رائد الكرمي

اغتال الشاباك في عملية قادها "الغروزيني" قائد "كتائب شهداء الأقصى" في مدينة طولكرم، الشهيد رائد الكرمي، في 14 كانون الثاني/ يناير عام 2002. وجاء الاغتيال في وقت توصل فيه الفلسطينيون والإسرائيليون إلى هدنة ووقف إطلاق نار. وأدى الاغتيال إلى وقف الهدنة واستئناف العمليات المسلحة الفلسطينية.

وقال "الغروزيني" إنه "كنت قائد الشاباك في السامرة (شمال الضفة) وأنا مسؤول عن هذا الاغتيال وأقول بشكل قاطع وبمسؤولية كاملة إنه كان يجب اغتياله"، بزعم أنه "لم ينصع للهدنة، ولم يوقف العمليات المسلحة". ويشار إلى أن سياسيين ومسؤولين إسرائيليين، بينهم وزير الأمن حينذاك، بنيامين بن إليعزر، ومستشار الشاباك، الدكتور ماتي شطاينبرغ، انتقدوا اغتيال الكرمي.

ورفض "الغروزيني" هذه الانتقادات جميعها، وبرر اغتيال الكرمي بزعم أنه "كنا نرى في المعلومات الاستخبارية أنه يخطط لعملية انتحارية. وقد نجحنا بكشف ذلك والعثور على الانتحاري وبحوزته المتفجرات. وعندما حاصرناه فجّر نفسه. وبعدها، ليس فقط أن الكرمي لم يهدأ، وإنما بالعكس. فقد بدأ بالتخطيط لعمليات أخرى. ولم ننجح بالعثور على الانتحاري الجديد لكننا قمنا باستعدادات ميدانية، بحيث لن يتمكن من تجاوزنا. وقد انفجر المتفجرات بهذا الانتحاري عندما حاول إشعال سيجارة".

وقال "الغروزيني" أن رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، أريئيل شارون، هو الذي أصدر الأمر باغتيال الكرمي. "لقد كان هذا قبل فترة طويلة من (عملية اجتياح الضفة في نيسان/أبريل 2002) السور الواقي. وقد حاولنا اغتيال الكرمي بصاروخ أطلِق من مروحية، وأخطأ الكرمي الذي تمكن من الفرار من المكان. وكانت هناك محاولات أخرى لاغتياله وفشلت. وفي هذه الأثناء كان يجري الحديث عن وقف إطلاق نار في الانتفاضة".

وفي رده على سؤال حول ما إذا كان أحد في جهاز الأمن قد عارض اغتيال الكرمي، قال "الغروزيني" إنه "أشرح لك بأنه كان هناك أمر مباشر من شارون (رغم الهدنة). وكان رئيس الحكومة يهاتف (رئيس الشاباك آفي) ديختر كل صباح ويسأله ’لماذا ما زال الكرمي على قيد الحياة. أطالبكم باغتياله’. وجاء خمسة رؤساء سابقين للشاباك إلى ديختر وسألوه كيف يمكنه أن يصادق على عملية كهذه. وديختر شرح لهم أنهم ليسوا مطلعين على المعلومات الاستخبارية وأنه لا توجد تهدئة ولا وقف إطلاق نار. لقد تلقى ديختر الأمر من شارون، ونقله إليّ وأنا نفذت"، بتفجير لغم لدى مرور الكرمي قرب سور المقبرة المسيحية في طولكرم.

اجتياح الضفة واعتقال عباس السيد

قال "الغروزيني" إنه في أعقاب العملية التفجيرية في موقع "الدولفيناريوم" في تل أبيب (في حزيران/يونيو 2001)، أوصى الشاباك أمام رئيس الحكومة شارون باحتلال يهودا والسامرة (الضفة الغربية)"، بادعاء أن "هذه الطريقة الوحيدة لوقف العمليات المسلحة. وكنت حاضرا في هذا الاجتماع. وكنا نعلم من هو السائق الذي نقل الانتحاري. وكان بإمكاننا قتله، لكن لم نحصل على مصادقة سياسية، لأنه كان قد أصبح في المنطقة A. وينبغي احترام السيادة الفلسطينية. لقد جننت وتفجرت. وقال شارون إنه يضبط نفسه وشارون قرر. وينبغي أن أشير إلى أنه لم تكن هناك شرعية (لاجتياح الضفة) ونضجت شرعية كهذه بعد الاعتداء على البرجين التوأمين (في نيويورك)".

وقرر شارون اجتياح الضفة في أعقاب عملية تفجيرية في فندق "بارك" في مدينة نتانيا، عشية عيد الفصح اليهودي في 27 آذار/مارس 2002. وقال "الغروزيني" إن "الانتحاري أراد تنفيذ العملية في فندق فخم في هرتسيليا لكنه لم ينجح، وانتقل إلى فندق بارك، الذي عمل فيه في السابق، وتمكن من دخوله من الباب الخلفي وجلس في وسط القاعة وفجر نفسه".

وركز "الغروزيني" حديثه هنا على من يوصف بأنه أرسل هذا الانتحاري. "إننا نتحدث عن عباس السيد، دكتور في الشريعة، محاضر في جامعة في الولايات المتحدة. وقد جاء إلى هنا من أجل تشكيل خلية إرهابية وهو الذي بادر وأرسل الانتحاري إلى فندق بارك. وقد اكتشفنا بعد العملية أنه تواجد في مخيم اللاجئين في طولكرم. وكان هذا بعد بدء عملية السور الواقي. وكنا نعلم أن بحوزته عبوة ناسفة أخرى. وضبطنا العبوة وسلاحا كثيرا واعتقلنا جميع أفراد الخلية، باستثناء السيد الذي تمكن من الهرب بطريقة ما".

وأضاف أنه "في نهاية الأمر وصلت معلومات استخبارية حول مكان تواجد السيد. وحاصرنا المكان. وطلبنا مصادقة بن إليعزر، الذي لم يصادق على العملية، وفسر ذلك بأن شارون يتواجد في الولايات المتحدة، وأنه لا يريد التورط، لأن السيد هو مواطن أميركي. وقلت له إنني لن أخرج من هذه الغرفة حتى تصادق على العملية. هل تخاف أن نقتل خطأ امرأة وولد؟ دعنا نقرر أنه لن تطلق دبابة قذيفة إلا بمصادقتك. ولن نتمكن من التعهد بألا يُقتل أبرياء، لكن بإمكاننا التعهد بأننا سنبذل أي جهد كي لا يحدث هذا. وبعد ذلك صادق، واشترط على أن يكون إطلاق أي قذيفة بمصادقة ضابط في الجيش. وقد تم اعتقال السيد بدون وقوع إصابات. وبعد ذلك عارضنا بشدة إطلاق سراحه في عملية تبادل أسرى".