كشف كتاب إسرائيلي صدر مؤخرًا، بعنوان "جواسيس غير مثاليّين"، أعدّه الصحافي المختصّ بالشؤون الاستخباراتية، يوسي ميلمان، تفاصيل جديدة عن اغتيال القائد العسكري لـ"حزب الله" اللبناني، عماد مغنيّة، في دمشق، في 12 شباط/فبراير عام 2008.
وسعت إسرائيل إلى اغتيال مغنيّة أكثر من مرّة، منها عام 1994، عندما اغتالت شقيقه فؤاد لإجبار عماد على المشاركة في الجنازة ومن ثم اغتياله فيها، أو في العام 2000، حينما شارك 5 من قيادات "حزب الله" في اجتماع عرف به الموساد، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها، إيهود براك، رفض الاغتيال خشية من أن يشعل الحدود بعيد الانسحاب الإسرائيلي من جنوبي لبنان.
ورغم هاتين المحاولتين، إلا أن الغموض لفّ الأجواء المحيطة بمغنية، فلم تملك أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلا صورة واحدة له وهو ابن 22 عامًا في بيروت، وسرى اعتقاد أنه قام منذ ذلك الحين بإجراء عمليّات تجميل، لتغيير ملامح وجهه كي لا تتمّكن أجهزة الاستخبارات من التعرّف إليه.
صورة حديثة لمغنيّة
"في نهاية المطاف، وعبر عميل للموساد في لبنان، تم الحصول على صورة حديثة لمغنيّة"، بحسب ما يكتب ميلمان، الذي أضاف أنّ "ممثلّي الموساد في أوروبا وُجّهوا لفحص قوائم المسافرين الذين يصلون من لبنان، استنادًا إلى معلومات أن مغنيّة دَرَجَ، بين الفينة والأخرى، على السفر إلى غربي أوروبا، بهويّات مزيّفة".
وزعم ميلمان أن وكالة الاستخبارات المركزيّة (سي أي إيه) تمكّنت أكثر من مرّة من تحديد موقع مغنيّة، "إلا أن جهودَ عرقلةِ طائرته باءت بالفشل"، كما أن مغنيّة "أكثرَ من السفر عبر سيّارة من بيروت إلى دمشق ومن هناك إلى طهران عبر الطائرة".
ولاحظت الاستخبارات الإسرائيليّة، بحسب ميلمان، على علاقة مميّزة جمعت بينه وبين قائد فيلق القدس الإيراني، في وقت لاحق، قاسم سليماني، الذي كان حينها ضابطًا مغمورًا، ومستشار رئيس النظام السوري للشؤون الأمنية، محمّد سليمان، الذي اغتيل في العام 2008، أيضًا.
"في رحلاته إلى دمشق شدّد مغنيّة على أن لا يلفت الأنظار. ولذلك، لم يرفق في رحلاته، القصيرة نسبيًا، من بيروت إلى دمشق (مدتّها ساعتان تقريبا)، سيارات مرافقة تضم حراسا. فضّل أن يسافر بشخصه مع سائقه، الذي هو أيضًا حارسه الشخصي"، وفقًا لميلمان، الذي يضيف أن مغنيّة شعر بأمان في دمشق أكثر من بيروت، "(لأن) استخبارات الأسد في كل مكان. وسمح مغنية لنفسه أن يكون هادئًا أكثر، وأقلّ شكًا".
دمشق بعد حرب تمّوز: أكثر ترددّا، أقلّ حيطة
ورغم ما يُزعم عن تردّد مغنية إلى دمشق الدائم، إلا أنه كثّف من وتيرة هذه الزيارات بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وتحوّل إلى أقل استشعارًا (للمخاطر). "ازدياد الرحلات، الذي تطلّب ارتفاع محادثات التنسيق في الهاتف، مكّن وحدة 8200 ونظيرتها الأميركيّة من اعتراض جزء من هذه المحادثات وفكّ الشفيرة التي استخدمها المتحدّثون"، بحسب ميلمان، الذي يكمل أنه من هذه المكالمات استنتج الإسرائيليّون أن مغنية اعتاد مقابلة سليماني وسليمان في شقّة بكفر سوسة في ريف دمشق.
ومع رسم هذه الصّورة، التي تزعم الاستخبارات الإسرائيليّة أن مغنية اعتاد على تكرارها، طار رئيس الموساد حينها، مئير دغان، إلى واشنطن للقاء نظيره الأميركي، مايكل هايدن، واتفقا على عمليّة مشتركة لاستهداف مغنية، وتشكّل بعدها طاقم مشترك للتخطيط للعمليّة.
ووفق الكتاب فالطريق المفضّلة لعملية الاغتيال هي "زرع قنبلة قرب الشقة التي يلتقي فيها مغنية وسليماني وسليمان" وأضاف أنه "تحت الشقة، كانت هنالك ساحة مرتفعة، فوق الرصيف، استخدمت مصفّا للسيارات".
الاغتيال
واشترط الأميركيّون أن تسفر العملية عن اغتيال مغنية فقط، دون أن يصاب الآخرون، وأن تُنفّذ العملية ليلا، لا نهارًا؛ "عندها استدعى أولمرت مسؤولين في الموساد ليسمع منهم كيف يمكن التغلّب على الشرطين الأميركيين"، فاقترح رئيس القسم التكنولوجي حينها في الموساد (اسمه مجهول حتى الآن) تركيب قنبلة يصل مدى انفجارها إلى أمتار محدودة فقط، لا تطال حتى المارّين في الشارع.
وبعد تنفيذ "عشرات التجارب" على القنبلة واقتناع الأميركيين أنها لن تؤدّي إلى وقع عدد كبير من القتلى، جاء دور نقلها إلى دمشق. ويكشف الكتاب أن دور الـ"سي آي إيه" كان نقل القنبلة من الأردن إلى دمشق، وعلّل ذلك "بأن الولايات المتحدة لديها سفارة كبيرة في العاصمة السورية، يزورها رجال أعمال أميركيون ويعملون منها، حتى أن عناصر ’سي آي إيه’ لم يستصعبوا إدخالها من الأردن إلى سورية".
وكشف الكتاب، أيضًا، أن وحدة "تسومت" التابعة للموساد، استأجروا لعملائهم في دمشق شقّة في العمارة التي يستأجر فيها مغنية شقّته، وأنهم زرعوا كاميرات بإمكانها كشف مدخل العمارة كله، نقل بثّها بشكل مباشر إلى غرفة العمليات في الجيش الإسرائيلي.
وفي مساء الثاني عشر من شباط/فبراير 2008، وصل مغنية إلى دمشق. "إحدى السيارات في مصفّ العمارة غادرت، وحلّت مكانها سيارة من نوع ميتسوبيشي باجيرو تقلّ القنبلة الإسرائيليّة".
"مرّت ساعات تلو ساعات ولا أنباء عن مغنية. وفقط عند الساعة 22:45 لوحظ تحرّك أشخاص... اتّضح أن مغنية لم يكن لوحده... كان برفقة رجلين هما سليماني وسليمان"، وفق ميلمان، الذي زعم، أن إسرائيل امتنعت عن اغتيالهما لأنها تعهّدت للولايات المتحدة باغتيال مغنية فقط.
"وبعد أن تحدّث الثلاثة إلى جانب السيارة التي تضمّ القنبلة الإسرائيليّة، ذهب سليمان وسليماني كل إلى سيارته، اللتين لم تكونا بعيدتين، وبقي مغنية لوحده"، بحسب الكتاب، الذي يضيف أن رئيس الحكومة الإسرائيليّة حينها، إيهود أولمرت، كان على متن طائرته عائدًا من ألمانيا إلى إسرائيل عند التنفيذ، وأنه أبلغ عبر الهاتف الفضائي بتنفيذ العمليّة.
ولم يتبنَّ أي من الموساد ولا الـ"سي آي إيه" عملية الاغتيال، ومن أجل تضليل ذلك، "حاولت وحدة في الموساد بثّ إشاعات تبعد عنه الشكوك. وفي وسائل إعلام عالمية، ظهرت فرضيّات أن اغتيال مغنية كان تصفية حسابات داخل ’حزب الله’، أو عملية لإيران داخل سورية".
وبعد سبع سنوات من العمليّة، أي في العام 2015، سرّب الـ"سي آي إيه" عن دوره في الاغتيال، عبر تصغير الدور الإسرائيلي، وعندها بدأت التسريبات الإسرائيليّة المضادة.
اغتيال العميد سليمان
يذكر أن إسرائيل اغتالت العميد سليمان لاحقًا، عبر إنزال قرب "شاليه" كان يملكه في طرطوس السوريّة، ونسبت له أدوار عديدة، منها الإشراف على "المفاعل النووي السوري"، الذي دمّرته إسرائيل في أيلول/سبتمبر عام 2007.
ويذكر ميلمان في كتابه أنّ فرقة كوماندوز إسرائيليّة أطلقت 6 رصاصات على سليمان، سقطت 5 منها في رأسه وصدره وواحدة في الطاولة التي كان يجلس عليها، أثناء عشاء ضمّ ستة أشخاص.