أيهما أشد.. وجع اللجوء أم وجع الفقد؟

الجمعة 15 مايو 2020 03:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
أيهما أشد.. وجع اللجوء أم وجع الفقد؟



رام الله / سما /

 يحيي الفلسطينيون في الداخل والشتات، الذكرى الثانية والسبعين للنكبة التي حلت بهم عام 1948، وشرد على إثرها مئات الآلاف، وقتل آلاف آخرون، لتقوم على معاناتهم وأنقاض قراهم وبلداتهم ومدنهم دولة تسمى "إسرائيل"، وكلهم أمل بالعودة إلى ديارهم، التي هجروا منها بفعل مجازر العصابات الصهيونية.

أم الشهيدين ربحي وعرفات، الحاجة وضحة عبد العزيز البايض (90 عاما) تقطن برفقة عائلتها شارع الشهداء وسط مدينة الخليل، المغلق أمام حركة المواطنين الفلسطينيين منذ مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، قالت لــ"وفا" بصوت خافت يملأه الألم والحسرة، "استشهد ابني ربحي وهو يتوضأ على باب دكانه في باب الزاوية وسط مدينة الخليل في انتفاضة الاقصى، واستشهد ولدي عرفات يوم مجزرة الحرم الابراهيمي، الحقيقة إنني أعاني جراء فقدهما، لكن تهجيرنا عام 1948 من قريتنا الفالوجة، أشد وجعا وأكثر مراره.

واستذكرت المسنة البايض آلام اللجوء قائلة: الفالوجة التي عشت بها طفولتي وترعرعت في بساتينها ومزارعها، أرغمت عائلتي بالقوة على مغادرتها، تركنا أراضينا وبيوتنا التي دمرها الاحتلال، ومئات الدونمات التي كنا نملكها بأوراقنا الثبوتية التي نحتفظ بها، بمنطقة الشومرة في القرية، كل هذا سرقه الاحتلال بالقوة وبفعل المؤامرات الدولية على شعبنا.

وتابعت البايض للوكالة الرسمية، موضحة مسيرة لجوء عائلتها "خرجنا من الفالوجة، قريتنا ذات الينابيع والأراضي الخصبة، التي تقع بين الخليل وغزة، كنت برفقة أمي وأبي وأخواني السبعة وعدد من أقاربنا وأهالي القرية، توجهنا جميعا صوب الخليل مشياً على الأقدام رغم بعد المسافة، واقمنا بقرية أم الشغف، ومن ثم استقر بنا الحال عدة أيام في قرية الدوايمة التي تقع على بعد حوالي 25 كم غربي مدينة الخليل" وتحدها القرى المهجرة، من الشمال بيت جبرين، ومن الغرب القبيبة، ومن الجنوب قريتا أم الشغف والوبيدة، أذكر بيارتين، وينابيع مياه، بيارة الأيوبي كانت بجانب مقام الولي أحمد الفالوجي وأظنها موجودة حتى الآن، والبيارة الثانية بيارة الفالوجة".

وبمرارة، نوهت أم الشهيدين، وهي الحافظة لكتاب الله، ان عصابات الاحتلال ارتكبت بحق المدنيين العزل في قرية الدوايمة عام 1948، مذبحة استشهد خلالها حوالي 170 شخصا من أهالي القرية، وخرج من تبقى منهم قسرا، وتابعت "هرب أهلها بقوة السلاح، حيث دمرها الاحتلال ونسف بيوتها، وإثر ذلك توجهت عائلتي واستقرت لعدة شهور بمنطقة لوزا في مدينة الخليل، ومن ثم رحلنا واستقر بنا الحال في شارع الشهداء وسط المدينة".

واسهبت الحاجة أم ربحي قائلة لــ"وفا" والدي كان من أشهر جزاري الفالوجة، وزوجي سار على نفس النهج واليوم أبنائي وأحفادي واصلوا مسيرتهم ولا زالوا يعملون في ذات المهنة وفي التجارة، غرست في نفوسهم حب والدهم وأجدادهم كما زرعت فيهم حب الفالوجة والوطن.

وبتنهيده عميقة وألم كبير ظهر جلياً على محياها قالت "يا بني ما بضيع حق وراه مطالب، لن ننسى حق اللاجئين، ولا معاناتنا، لابد أن نحصل على حقنا مهما طال الزمن، وسيأتي يوم العودة، ويعود أبنائي وأحفادي إلى الفالوجة قريتنا التي هجرنا منها قسرا، وتعود الحقوق إلى أصحابها، لن يبقى فلسطيني خارج وطننا، وستبقى القدس عاصمتنا الأبدية".

وأشارت الحاجة وضحة، إلى أن غالبية سكان الفالوجة كانوا يعملون في الزراعة، فيزرعون الحبوب والخضروات والفواكه، وكانت التجارة تمثل القطاع الثاني لهم من حيث الأهمية الاقتصادية، فكانت سوق أسبوعية تقام في الفالوجة يؤمها التجار والمشترون من جميع قرى المنطقة وبلداتها، وذلك من ظهر كل يوم أربعاء حتى ظهر الخميس، وبالإضافة إلى الزراعة والتجارة كان سكان القرية يعملون في تربية المواشي والدجاج وفي طحن الحبوب، والتطريز والحياكة، وفي صناعة الفخار وغير ذلك.

وبينت أم ربحي، أن عصابات الاحتلال بذلت جهوداً كبيرة من أجل الاستيلاء على الفالوجة، حيث حاولت احتلالها والهجوم عليها عدة مرات منذ مطلع عام 1948، ولكن حماتها من المناضلين الفلسطينيين استطاعوا حمايتها والذود عنها ورد المعتدين.

وتابعت "بقيت الفالوجة رغم تعرضها لهجمات الأسلحة الاوتوماتيكية ومدافع الصهاينة المتلاحقة في مأمن، إلى أن حوصرت وتعرضت هي وعراق سويدان وعراق المنشية وبيت عفا إلى هجمات ثقيلة، واكتمل حصارها عندما سقطت بيت جبرين وعراق سويدان في نوفمبر 1948، وبذلك ضاق نطاق المنطقة المحاصرة واشتد الضغط على من فيها، وأثناء حصارها، أصبحت سيطرة الاحتلال من خلال طائراته على الجو واضحة، ورغم هذه الظروف الصعبة جداً صمد أبطال الفالوجة ورجالها صموداً بطولياً، واستمرت الهجمات عليها، وكان بعضها يستمر أسبوعاً، والمحاصرون صامدون ومصممون على القتال، رافضين عروض الاستسلام المتكررة من قبل القوات الإسرائيلية، وهكذا ظلت الفالوجة صامدة إلى أن سلمت تسليما وفق اتفاقيات دولية، وبهذا أحكم الاحتلال سيطرته عليها.

وفي السياق، استذكر الباحث الفلسطيني عضو الأمانه العامة للتجمع الوطني لأسر الشهداء، الأستاذ المسن محمد عبد الحميد مناصرة (85 عاما) لــ"وفا" عددا من أسماء القرى المحيطة بمحافظة الخليل التي هجر أهلها ودمرت من قبل العصابات الصهيونية عام 1948، وبدلت اسماءها، وهي بيت جبرين "كيبوتس بيت جبرين"، وعجور "كيبوتس عجور"، الدوايمة "همسيا"، القبيبة "لاخيش"، عراق المنشية "كريات جات"، دير نحاس "أم القطن"، كدنه "بيت نير"، ديربان "الحسير" عرتوف "بيت شيمش"، أم الشغف وأم الحيران وبنايه وبيت نتيف وعراق سويدان وزكريا والفالوجة.

وفي إطار حديثه لـ"وفا" عن ذكرى النكبة، قال مناصرة: هرب الأهالي من بيوتهم عام 1948 جراء ارتكاب الاحتلال وعصاباته عددا من المجازر، أبرزها مجزرة دير ياسين بتاريخ 9-4-1948 ومجزرة اللد بتاريخ 11-7-1948، ومجزرة الدوايمة غرب الخليل بتاريخ 28-10-1948، ومذابح لواء القدس ولواء الخليل، التي خلفت مئات الشهداء من الأطفال والنساء والرجال، والقيت جثثهم على الطرقات وفي الآبار.

وبقوة صوته الجهوري اختتم المناصرة قائلا لــ"وفا": يؤمن الفلسطينيون بأن العدل إذا ساد عمر، وأن الظلم اذا ساد دمر، فالنفوس المظلومة تبقى متحفزة، ثائرة، متمردة، ومقاومة لكل أشكال الظلم، والشعب الفلسطيني الرازح تحت نير الاحتلال يرى أبناءه يقتلون ويسجنون ويعذبون ويذلون ويهانون بشكل يومي، فيبقى ثائرا ومقاوما حتى ينال حريته المسلوبة ويبني دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

ومن الجدير بالذكر، أنه لم يبق من قرية الفالوجة سوى أسس مسجدها وبعض البقايا من حيطانه، وتغطي الأنقاض المتراكمة والمبعثرة موقع المسجد ويمكن مشاهدة بئر مهجورة وبركة، كما ينمو فيها صف من شجر الكينا ونبات الصبار وشوك وزيتون، وقد أنشأت سلطات الاحتلال عدة أبنية حكومية إسرائيلية وأقامت بلدة كريات غات الإسرائيلية على الأراضي التابعة لعراق المنشية وتوسعت الآن لتبلغ أراضي الفالوجة أيضا، وكانت قد أنشئت مستعمرات شاحر ونير حين في سنة 1955 على أراضي القرية.