تغيب البهجة المعتادة سنويا لاستقبال شهر رمضان بين أزقة بلدة "اليامون" في جنين شمال الضفة الغربية مع ندرة الحركة العامة ضمن التدابير الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
ولم يجر تعليق الفوانيس كبيرة الحجم والأهلة المضيئة في طرقات البلدة كما كل عام، فيما اتسمت الحركة في المحال التجارية والأسواق بالاضطراب على غير ما اعتاد السكان سابقا.
ويقول علاء أبو الحسن من سكان البلدة لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن فيروس كورونا وحالة الطوارئ المتخذة لمنع انتشاره ألقت بظلال سلبية للغاية على استعدادات استقبال شهر رمضان.
ويضيف "اعتدنا على تزيين حارات البلدة بجمع مساهمات مالية من السكان لشراء الزينة والأضواء ونشرها في الشوارع، لكن حاليا الجميع يتجنب الخروج من المنازل والوضع مختلف".
ويستعد الفلسطينيون لاستقبال شهر رمضان لهذا العام في أجواء غير مسبوقة بفعل أزمة فيروس كورونا وما فرضه من تدابير احترازية واسعة النطاق أثرت على مجمل نواحي الحياة العامة.
وتتواصل حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية منذ الخامس من مارس الماضي والتي تم إعلانها فور تسجيل أول إصابات بفيروس كورونا في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية.
وحال بلدة اليامون عشية حلول شهر رمضان ليس استثناء، إذ بدت الأجواء العامة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية مماثلة بخلاف الطابع المميز للشهر الفضيل.
وتقول السيدة ريم عبوشي في الستينيات من عمرها، إن هذا "أغرب" شهر رمضان تشهده في حياتها، رغم أنه يعد المناسبة الأكثر تميزا على مدار العام.
واعتاد الفلسطينيون على التزاور العائلي والتجمع والصلاة في المساجد بشكل جماعي في شهر رمضان وهي أمور أصبحت ممنوعة بفعل أزمة فايروس كورونا والإجراءات الحكومية المتخذة لمكافحة تفشيه.
ويقول أحمد ضراغمة ويعمل محاميا من سكان رام الله، إن غياب الأجواء الروحانية والإيمانية في ظل إغلاق المساجد عامل حاسم في ضعف أجواء شهر رمضان.
ويضيف ضراغمة لـ ((شينخوا))، أن الشهر الفضيل هذا العام يحل في ظروف استثنائية سببها فيروس كورونا والمهم الالتزام بالتباعد الاجتماعي والتدابير الاحترازية لمنع تفشي الفيروس.
وتركت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها آلاف العائلات الفلسطينية أثرها على مستوى الانفاق والتسوق لحاجيات شهر رمضان، والتزمت بما هو ضروري فقط لشرائه.
وتوقع وزير التنمية الاجتماعية في الحكومة الفلسطينية أحمد مجدلاني ارتفاع معدلات خط الفقر لآلاف الأسر الفلسطينية خلال الأشهر القادمة بسبب فيروس كورونا المستجد في الأراضي الفلسطينية.
وأبلغ مجدلاني ((شينخوا)) قبل أيام، أن أكثر من 53 ألف أسرة فلسطينية دخلت الشهر الماضي ضمن قوائم الأسر المصنفة تحت خط الفقر بسبب توقف آلاف المنشآت الاقتصادية عن العمل، متوقعا أن يرتفع هذا العدد لنحو 100 ألف أسرة جديدة خلال الفترة القادمة.
ويقول التاجر محمد فراحتي من جنين إن معدلات البيع هذا العام منخفضة جدا مقارنة بالأعوام السابقة قبيل حلول شهر رمضان بفعل الركود الاقتصادي وحالة الطوارئ المعلنة.
ويوضح فراحتي أن منع التنقل بين المدن لعب دورا إضافيا في زيادة الركود في الحركة التجاري.
وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطاب له بمناسبة شهر رمضان، استمرار التدابير الاحترازية لمواجهة خطر تفشي فيروس كورونا بما في ذلك الاستمرار في إغلاق المساجد والكنائس.
وقال مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين لـ ((شينخوا))، إن تحري هلال شهر رمضان هذا العام سيكون مختلفا عن الأعوام السابقة.
ويوضح حسين أنه جرت العادة على أن يتم دعوة المواطنين لتحري الهلال "لكن منعا للاكتظاظ والتجمع اقتصر الأمر على دعوة المختصين لتجنب التجمعات الكبيرة".
ويضيف أن أداء صلاة التراويح سيكون شأنها شأن باقي الصلوات التي تم وقفها في المساجد وستقتصر على أدائها في المنازل.
وفي قطاع غزة يتجهز السكان لاستقبال شهر رمضان مع تغيير كبير للعادات.
ولن يتمكن أحمد العايدي من سكان مدينة غزة من الذهاب إلى السوق لشراء احتياجاته اللازمة لتحضير وجبات الإفطار خلال الشهر الفضيل في ظل أزمة فيروس كورونا.
ويقول العايدي الذي يعمل موظفا حكوميا لـ ((شينخوا))، إنه اعتاد على التجول يوميا في أسواق المدينة مع اثنين من أبنائه قبيل الإفطار خلال أيام رمضان من أجل الاستمتاع بالأجواء الرمضانية.
لكن هذا العام، لن يتمكن العايدي من اتباع طقوسه الرمضانية، بسبب الإجراءات الاحترازية والوقائية المفروضة على القطاع من السلطات الحكومية التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية في غزة إياد البزم للصحفيين في غزة، إن المساجد والفنادق والمطاعم والمقاهي والأسواق العامة ستبقي مغلقة خلال شهر رمضان.
وأضاف البزم أنه "سيتم اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية خلال شهر رمضان في جميع أنحاء قطاع غزة للمنع من التجمعات الرمضانية، وخاصة إقامة وجبات طعام جماعية".
ويتسم شهر رمضان المبارك بأجواء خاصة في غزة، حيث يستيقظ السكان على صوت المسحراتي لتناول الطعام قبل آذان الفجر وبدء الصيام.
وبعد انتهاء السحور، يذهب الرجال إلى المساجد لتأدية صلاة الفجر وتنفيذ بعض الطقوس الدينية مثل قراءة القرآن والدعاء.
ويصوم المسلمون حوالي 15 ساعة على الأقل يوميا في شهر رمضان، فيما تهتم ربات البيوت بتحضير وجبات الإفطار، بالإضافة إلى الحلويات والعصائر الرمضانية.
ويعرب الستيني محمد حلاوة، إمام أحد مساجد مخيم المغازي وسط قطاع غزة، عن حزنه لعدم تمكنه من تأدية صلوات التراويح في شهر رمضان لأول مرة في حياته.
لكن رغم ذلك فإن أجواء البهجة ظلت حاضرة لدى كثير من الأطفال في غزة مع استقبالهم الشهر الفضيل.
وقال زكريا حبوش الذي يبيع فوانيس رمضان إن الكثير من بضاعته نفدت من متجره "لأن الناس يشعرون بالملل من البقاء في المنزل وحاول الآباء إسعاد أبنائهم بهذه الهدايا".
أما رضوى شلدان وهي أم لأربعة أطفال في الثلاثينيات من عمرها فقالت لـ ((شينخوا))، إنها تأمل أن يكون شهر رمضان فرصة للابتهال والدعاء إلى الله من أجل أن ينهي فيروس كورونا من حياتنا.