تخيم أجواء الحزن والألم في منزل عائلة الأسير خليل مصباح خليل موسى في مخيم جنين، مع حلول شهر رمضان المبارك، إذ يدخل عامه السابع عشر خلف قضبان الاحتلال الذي لم يتوقف عن استهدافه منذ بداية انتفاضة الأقصى، فتعرض للمطاردة والإصابة ونجا من عدة محاولات اغتيال.
يقول ساري، شقيق الأسير: "منذ 20 عاماً، لم نجلس مع خليل على مائدة طعام أو إفطار واحدة، فقد كان مطارداً قبل اعتقاله، ونغّص الاحتلال علينا حياتنا وحرمنا منه إثر ملاحقته الدائمة له والتهديد بتصفيته، كل يوم ننتظر لحظة انتهاء محكوميته وعودته إلينا لنعيش الفرح".
ويضيف: "هذه الأيام تعتبر أشد وأصعب من اللحظات التي عشناها خلال حصار ومجزرة مخيم جنين في نيسان عام 2002، فالاحتلال لا يكتفي بسرقة أعمار أسرانا وزجهم خلف القضبان، بل يُعرض حياتهم للخطر المستمر مع تفشي وباء كورونا وحرمان الأسرى من المعقمات وكافة وسائل الحماية والوقاية".
تفاقم المعاناة في رمضان
خلال شهر رمضان، تتفاقم معاناة أهالي الأسرى لافتقادهم أحبتهم، ويقول ساري: "17 رمضاناً قضاها خليل في سجون الاحتلال، نفتقده بشكل خاص على مدار أيام الشهر ونحزن لأن مكانه ما زال خالياً، فيمر شريط الذكريات الحزينة التي تجدد أوجاعنا، وكل الناس تفرح بِلَمّ الشمل، ولكن ما زال القيد يسرق حرية خليل وشبابه".
ويضيف: "لو كان للحرية والفرح ثمنٌ لاشتريناها مهما غلا الثمن ليعود خليل بيننا بإطلالته الجميلة وروحه المرحه، كان نوارة المنزل، وكل شيء جميل في حياتنا التي تحولت إلى مسلسل مرير من المعاناة في كل لحظة".
ويُكمل ساري: "ما يزيد ألمنا في رمضان غياب والدي الذي توفي قبل أن تتحقق أُمنية حياته الوحيدة، رؤية خليل حراً والفرح بزفافه المؤجل منذ 18 عاماَ، فقد خطب وعقد قرانه خلال مطاردته، ولم تكتمل فرحتنا بسبب اعتقاله، فالاحتلال حرم علينا مشاعر السعادة والفرح التي ستبقى أسيرة معه".
من حياته..
أبصر خليل النور في مخيم جنين بتاريخ 11-7-1980، عاش ونشأ وتعلم بمدارس وكالة الغوث في المخيم، لكنه لم يُكمل تعليمه، فقد بدأ مسيرة النضال في ريعان الشباب، ويقول ساري: شارك خليل في المسيرات والمواجهات، والتحق بحركة "فتح"، ولدوره الفاعل تعرض للاعتقال وخاض تجربة التحقيق والأسر حتى تحرر، وأكمل حياته كمناضل وملتزم بتأدية واجبه النضالي".
ويضيف: "تمتع بروح وطنية عالية، وتميز بالأخلاق العالية، وأحبّ أُسرته ومخيمه وأبناء شعبه، معطاء ومخلص في مساعدة الآخرين ووفيّ، امتلك قلباً طيباً وشجاعاً".
انتفاضة الأقصى
بعد تأسيس كتائب شهداء الأقصى، انخرط خليل في صفوفها، حمل راية النضال والمقاومة، و"كان دوماً في مقدمة الصفوف بمقارعة الاحتلال، فشارك في كافة المعارك في جنين ومخيمها حتى أصبح مطلوباً، لكنه رفض الاستسلام" يقول شقيقه ساري.
ويضيف: "غاب خليل عن منزلنا فترات طويلة في ظل المداهمات والكمائن، وكلما اشتدت ملاحقته ازداد صلابة وشراسة، بالرغم من تعرضه لعدة محاولات اغتيال ولإصابة، لكنه أكمل المشوار وشارك في معركة مخيم جنين التي نجا منها".
ويُكمل ساري: "كنا نتوقع في كل لحظة اغتياله، فالاحتلال هددنا بتصفيته لجرأته وشجاعته التي قلّ نظيرها، وبعد المجزرة مضى على درب رفاقه الشهداء والأسرى".
الاعتقال والحكم
خلال مطاردته، تحدى خليل الاحتلال بعقد قرانه، لكنّ الفرحة لم تكتمل، وتأجلت مراسم فرحه بسبب اعتقاله بتاريخ 14-5-2003، ويقول ساري: "صمم خليل على إدخال الفرحة إلى حياتنا وتحقيق جزء من حلم والدي الذي كان يُخطط دوماً لعرسه الكبير، خطب ولم يخشَ الكمائن، وفي الوقت نفسه استمر بمقاومة الاحتلال حتى تمكن من اعتقاله في عملية خاصة للوحدات الخاصة".
ويضيف: "فور اعتقاله، اقتاده الاحتلال إلى أقبية التحقيق في زنازين سجن الجلمة التي احتُجز فيها أكثر من 3 أشهر، عانى خلالها من أساليب التعذيب والضغوط التي رافقها العزل ومنع الزيارات وحرمانه حتى من تغيير ملابسه والاستحمام".
ويُكمل: "على مدار عامين، عشنا محطات عصيبة بين المحاكم حتى قضت بسجنه 20 عاماً، لكنه صمد وتحدى، ولم ينل الحكم من معنوياته".
المرض والإهمال
عاقب الاحتلال خليل بالنقل بين السجون والعزل في ظروف غير إنسانية أثرت على صحته، وتعرض لانتكاسات متتالية تدهورت فيها حالته بسبب الإهمال المتعمد ورفض علاجه.
ويقول ساري: "عانى خليل من مشاكل في المعدة والقولون، حتى أصبح ينزف دماً وإدارة السجون تُهمل علاجه، وبعد تعرضه لحالة خطيرة خضع لعملية جراحية، لكنها فشلت، لأنهم لم يسمحوا له بإكمال علاجه".
ويُضيف: "تأقلم خليل مع وضعه الصحي، وأصبح يرفض التوجُّه إلى عيادات السجون، لأن الأطباء يمارسون سياسة الإهمال ويرفضون تزويده بالأدوية المناسبة، ومنذ فترة استقر في سجن النقب الصحراوي".
أُمنيات لا تنتهي
اختفت كافة مظاهر الاستعداد والتحضيرات لشهر رمضان في منزل عائلة خليل، ويقول شقيقه ساري: "كيف نفرح في ظل هذا الواقع الرهيب الذي يمر به الأسرى المحاصرون بقيد الاحتلال ووباء كورونا، فوجود السجانين واحتكاكهم اليومي بهم أكبر تهديد على حياتهم في وقت لا تحظى فيه قضيتهم باهتمام ومتابعة كما هو مطلوب".
ويضيف: "قد يستمر نزيف الدم وتطول عذابات التشرد ولا تتوقف ظلمة السجن، لكنها كلها محطات على طريق الحرية والاستقلال والعودة، سنبقى نقبض على الأمل بحريتهم القادمة، وشعبٌ يقدم قادته شهداء يستحق الانتصار ولن يُهزم أبداً، وبإرادة شعبنا سننتصر على كورونا والاحتلال وسجونه، ولن يعيش أسرانا خلف القضبان إلى الأبد".