من ساحة مسجد النصر التاريخي في قلب نابلس القديمة والمغلق منذ أسابيع كإجراء احترازي، وقَف رجال دين من اتباع الديانات الثلاث (الاسلام، والمسيحية، والسامرية) يبتهلون إلى الله الواحد، للخلاص من وباء كورونا الخطير الذي يفتك بالبشرية، ويحثون المواطنين على الاستجابة لتعليمات الجهات المختصة بالبقاء في منازلهم حفاظاً على النفس البشرية التي حثت كل الكتب السماوية على المحافظة عليها.
جاءت هذه الصرخة المشتركة بصوت الديانات الثلاث، بعد ساعات قليلة من إعلان وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم الاربعاء، عن إصابة مسعف في مدينة نابلس بفايروس الكورونا، وارتفاع حصيلة الإصابات في المحافظة إلى 6 إصابات، وهو ما يدق ناقوس الخطر ويفرض ضرورة استجابة أكبر من المواطنين للبقاء في منازلهم.
الدعوة لإطلاق هذه الصرخة جاءت بمبادرة عاجلة من مبادرة "جسور" لتعزيز العيش المشترك في نابلس، والتي تضم كلاً من (جمعية الكتاب المقدس الفلسطينية، وجمعية بذور للتنمية الثقافة، وجمعية الأسطورة السامرية، ومجموعة كشافة ومرشدات العربي المسيحي).
وشكلت مدينة نابلس على مر التاريخ، نموذجاً فريداً للعيش المشترك بين أتباع الديانات الثلاث، ويعيش الجميع في محبة ووئام ويتشاركون في السرّاء والضراء، ويتمتعون بنفس الحقوق والواجبات.
وخلال وقفتهم أمام مسجد النصر، قال ممثل المواطنين السامريين، الكاهن خضر السامري، بأننا اليوم نواجه هذا الوباء الذي لا يفرق بين عرق أو لون أو دين ولا بين ذكر أو انثى، أو غني وفقير.
وأضاف بأنه يتوجب علينا اليوم كمواطنين الإستجابة لتعليمات الحكومة ووزارة الصحة ومحافظ نابلس والكاهن الأكبر للطائفة السامرية ورجال الدين، للبقاء في منازلنا، وعدم الاستهتار بهذه التعليمات، لأن الإستهتار بهذا الشأن من شأنه ان يؤدي إلى كارثة. واستعرض الكاهن خضر نصوصاً من التوراة السامرية التي تحث على الحفاظ على النفس ومنها النص: "احفظ نفسك بقدر ما استطعت". وتضرع الكاهن السامري الى الله كي يخلصنا من هذا الوباء، ويمكن المسلمين من الاحتفال بشهر رمضان القادم، والمسيحيين بعيد الفصح، والسامريين بعيد القرابين وهي اعياد قريبة.
وقال ممثل المواطنين المسيحيين في المدينة، القس جميل خضر، بأننا نواجه اليوم رسالة من مدينة العيش المشترك (نابلس) التي نتوحد فيها على الخير والبركة والسلام وفي السرّاء والضراء بانه علينا جميعاً تطبيق تعليمات النظام الصحي وأن نكون مثالاً يحتذى في الحفاظ على النفس والروح.
وأضاف بأننا ومن أمام مسجد النصر في نابلس القديمة، وأمام تزايد انتشار الكورونا في العالم نطالب الجميع بالبقاء في منازلهم، معتبراً ذلك واجباً وطنياً وعائلياً، وهو واجب الجميع كي ننجوا من هذا الوباء الذي يفتك بالنفس البشرية.
وأعرب القس خضر عن شكره لمن يعملون ليلاً نهاراً ويضحون بوقتهم وعلى حساب عائلاتهم لكي يحمونا ويساعدونا في الخروج من هذه المحنة بخير وسلام، وفي مقدمتهم الكوادر الطبية ورجال الأمن.
بدوره، قال مدير أوقاف نابلس الشيخ محمد جهاد الكيلاني، بأننا نبعث رسالتنا اليوم من قلب مدينة نابلس التي ظلت على الدوام مدينة العيش المشترك بين الديانات الثلاث (الاسلام والمسحية والسامرية)، والتي حثت على حفظ النفس البشرية، بأن ابقوا في منازلكم، مضيفاً بأن من مقاصد الشريعة حفظ الدين وحماية النفس والعقل والمال.
وأضاف الكيلاني بأننا كجهات تمثل الدين الذي يحمل في طياته السلام والأمان للبشرية نطالب المواطنين بأن يلتزموا منازلهم، مؤكداً أن البقاء في البيوت ليس عقوبة لهم، وانما من أجل حماية أرواحهم إذ أن الروح أمانة.
وثمن الكيلاني جهود القيادة الفلسطينية التي بذلتها لمواجهة هذا الوباء وحماية أرواح أبناء شعبنا.
وقال مدير مكتب وزارة الإعلام في نابلس، ناصر جوابرة، بأن الحكومة الفلسطينة قد سبقت المحيط العربي والاقليمي والدولي في اجراءات مواجهة وباء الكورونا. وأضاف بأننا بدأنا نلحظ تهاوناً في التزام المواطنين بالتعليمات والارشادات الهادفة لمواجهة هذا الوباء، وحماية النفس البشرية التي دعت كل الأديان والشرائع السماوية للحفاظ عليها.
وأضاف بأن قهر هذا الوباء يتطلب منا الالتزام بالتعليمات والارشادات، وأن العاقل هو من يتعظ بغيره.
بدوره، أشار منسق جمعية الكتاب المقدس في نابلس، جابي سعاده، والتي قامت بتوزيع المعقمات على المتواجدين في الوقفة من رجال دين واعلاميين، بأن اطلاق هذه الصرخة ينسجم واهداف مبادرة "جسور" والتي تُعتبر جمعية الكتاب المقدس إحدى مكوناتها الرامية لتعزيز العيش المشترك وتكاتف الاديان لما فيه مصلحة الجميع. وأضاف سعاده بأننا اليوم في أمسّ الحاجة للتكاتف والتكافل والتعاضد من اجل التصدي لهذا الوباء الذي يهددنا جميعاً ولا يفرق بين مسلم أو مسيحي أو سامري.