قالت موقع "ميديل إيست آي"، البريطاني، إن الجيش الإسرائيلي تحول بعد القرارات الأخيرة ضد شعبه في أزمة "كورونا".
وأوضح الموقع في مقال للكاتب الإسرائيلي يوسي ميلمان، أن الجيش منح صلاحيات جديدة شاملة لانتشار الجنود في الشوارع، ما أعطى مظهرا للعسكرة تحت ذريعة المساعدة في جائحة "كورونا".
وأضاف ميلمان أنه بعد بضعة أيام من التردد والتأخير، قررت الحكومة الإسرائيلية يوم الثلاثاء الماضي، نشر ألف جندي ليجوبوا الشوارع، ويديروا الحواجز، وليستخدموا كفرق عسكرية مساعدة لإسناد الشرطة الوطنية وشرطة الحدود.
وعلق ميلمان أنه "في الأصل، كان الجيش الإسرائيلي يرغب في أن تحمل الفرق العسكرية المساعدة أسلحتها ومعداتها الشخصية، إلا أن المدعي العام تدخل وعدل من صيغة القرار، بحيث بات يُسمح فقط للقادة والضباط حمل السلاح".
وتابع بأن "نشر الجنود في الشوارع ما هو إلا مظهر آخر من مظاهر العسكرة في المجتمع الإسرائيلي في ظل انتشار الوباء. وهناك أمثلة أخرى للدلالة على هذا التوجه".
وكانت تل أبيب جنّدت ألف جندي من القيادة العسكرية، لإدارة الفنادق التي تم تحويلها إلى مراكز حجر صحي في تل أبيب والقدس المحتلة.
كما تم تعيين يوسي كوهين، رئيس الموساد – جهاز المخابرات الإسرائيلي، من قبل رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو، ليكون مدير مشروع ضمن الجهود التي تبذل لشراء المواد والمعدات الطبية، والتي تعاني البلاد من نقص فيها.
وأما جهاز الأمن الداخلي "شين بيت"، فقد تم تخويله باستخدام أساليب الرقابة المتقدمة لديه لرصد الناس الذين يماسون أو يقتربون من أشخاص أصيبوا بعدوى كوفيد 19.
وعلق ميلمان: "كشف هذا القرار عن إجراءات تكنولوجية سرية تقوم على أجهزة الهواتف النقالة والهوائيات التي تربط بعضها ببعض".
وتابع: "هذه الإجراءات المثيرة للجدل، والتي إنما وجدت للتجسس على أعداء إسرائيل وعلى الجواسيس ومن يشتبه بوجود علاقة لهم بالإرهاب، باتت الآن تستخدم للتجسس على المواطنين الإسرائيليين. وحتى الشرطة تريد أن يُسمح لها باستخدام نفس التقنيات، الأمر الذي من شأنه أن يكشف المواطنين الإسرائيليين ويعرضهم إلى انتهاك لحقوقهم، وتقييد لحرياتهم المدنية".
والمثال الآخر لهذه الظاهرة، بحسب ميلمان، هو ترشيح الجنرال روني نوما، الذي تقاعد مؤخرا من الخدمة الفعلية، ليقود مساعي فرض العزلة ومنع التجول على مجتمعات اليهود المتدينين.
ويذكر أن المتدينين اليهود يرفضون الخدمة في الجيش، رغم أنها خدمة إجبارية بالنسبة لمعظم الناس، كما يرفضون المشاركة في أي مهام أخرى ذات علاقة بالخدمة الوطنية.
ويشكل هؤلاء المتدينون ما نسبته 12 بالمئة من تعداد السكان في إسرائيل، والذي يقدر بحوال 8.6 مليون نسمة، لكن حصتهم من بين 5000 إسرائيلي أصيبوا حتى الآن بالفيروس كبيرة جدا، إذ يشكلون ما نسبته حوالي 40 بالمئة من المصابين.
ويأتي ذلك نتيجة لأن الكثيرين منهم داخل مجتمعهم يرفضون الالتزام بالتعليمات الصادرة، ومن بينها الحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي، وإغلاق المدارس والمعابد، وحظر حفلات الزفاف، وغير ذلك من التجمعات الكبيرة.
ميلمان، قال إنه في الظاهر لا مشكلة في أوقات الأزمات المهولة -سواء كانت حربا أو وباء أو كارثة وطنية- أن تحشد البلدان كل مواردها البشرية والمادية، بما في ذلك قواتها المسلحة. فكثير من البلدان التي تجد مشقة في مواجهة الفيروس وجهت أفراد قواتها المسلحة للمساعدة في إسناد أنظمة الرعاية الصحية وغير ذلك من الخدمات المدنية، إلا أن "إسرائيل ذهبت في ذلك إلى أبعد بكثير مما ذهبت إليه أي دولة أخرى. فرغم أن البلد لم تشهد حتى الآن سوى عشرين وفاة من الفيروس، يمكن القول إنها نسبيا أقل تأثرا به، ومع ذلك فهي البلد الوحيد الذي يتبع نمطا من الديمقراطية الغربية، ويسمح لأجهزته الأمنية ووكالات المخابرات فيه بأن تشارك في المعركة ضد وباء انتشر في أرجاء المعمورة".
وأضاف: "وعلى النقيض من البلدان الغربية الأخرى، إسرائيل هي البلد الوحيد الذي يستخدم أساليب ووسائل الرقابة والتجسس ضد شعبها، والبلد الوحيد الذي يؤسس لقراراته في مواجهة الأزمة على قوانين الطوارئ، وهي قوانين عتيقة عفا عليها الزمن وتعود إلى زمن الانتداب البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية".
وتابع ميلمان بأن "الوضع الحالي غير مدهش. بل يمكن بشكل أو بآخر اعتباره تحقيقا لرؤية قديمة للمفكر البارز ييساهاياو لايبوفيتس وتصوراته العميقة للمجتمع الإسرائيلي وتوجهاته، فبعد أيام من حالة النشوة التي عمت إسرائيل بعد حرب 1967، التي احتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وسيناء – وهذه الأخيرة أعيدت إلى مصر في الثمانينيات، كانت تحذيرات لايبوفيتس أشبه بالكلمات التي كان ينطق بها الأنبياء العبرانيون، فقد حذر لايبوفيتس من أن الاحتلال سوف يحول إسرائيل إلى دولة الشين بيت".
ميلمان قال إن لايبوفيتس كان يقصد القول إن الإجراءات والتكتيكات والمنطق المستخدم من قبل الحكومة لتبرير قهر الفلسطينيين سوف يأتي يوم يستخدم فيه ضد الإسرائيليين.
وأضاف أنه "لطالما لعب الجيش دورا رئيسيا في المجتمع الإسرائيلي. بل لقد عبد الناس الشخصيات العسكرية وحولوها إلى نماذج وأيقونات يحتذى بها. وكان الجنرالات المتقاعدون والمسؤولون في الأجهزة الأمنية يحوزون دوما على الأولوية في الوظائف في مختلف نواحي الحياة: السياسة، الاقتصاد وحتى التعليم.
والآن، وبينما تُحكم أزمة فيروس كورونا قبضتها على المجتمع، يزيد الجيش من تدخله، ويعظم من نفوذه".