التزامات حقوق الانسان في اجراءات مكافحة كورونا.. بقلم: بهجت الحلو

الخميس 12 مارس 2020 09:18 م / بتوقيت القدس +2GMT
التزامات حقوق الانسان في اجراءات مكافحة كورونا.. بقلم: بهجت الحلو



غزة / سما /

ستكون جهود  مكافحة فيروس كورونا اكثر فاعية اذا تم  الاقتراب  منها بشكل كلي وشمولي، ما يعني الحرص الشديد  على حماية الأشخاص الأكثر ضعفاً وتهميشاً في المجتمع وذلك على المستويات الطبية والصحية والاقتصادية لتشمل  المواطنين ذوي الدخل المنخفض، وسكان المناطق الحدودية والنائية في قطاع غزة، وسكان المناطق خلف الجدار في الضفة الغربية ، والاشخاص ذوي الاعاقة وكبار السن الذين يعيشون مع من يرعاهم أو في مؤسسات الرعاية.

وفي الوقت الذي يتم فيه تنفيذ عمليات الحجر الطبي وغيرها من التدابير الضرورية والمناسبة لاحتواء انتشار كورونا، فان ذاك ينبغى ان يتم وفق معايير حقوق الانسان، وذلك لأن أية تدابير تتخذها الحكومة دون ان تكون قائمة على اساس حقوق الانسان، فهذا يعني ان اثاراً خطيرة على حياة الناس ستنتج عن هذه التدابير رغم ان ضرورية، ولكنها معيبةبغياب المنظور الحقوقي الناظم لها.

كيف ذلك؟

عندما تقرر الحكومة اغلاق المدارس والحضانات فهذا معناه ان يضطر الوالدين او احدهما للبقاء في المنزل، وعدم الذهاب للعمل، وهذا الاضطرار قد يكون له تأثير أكبر على النساء، وخصوصاً اذا كن يعملن في قطاع خاص، وهو اكبر  على العاملات من ذوات الاعاقة.

وقد يؤدي التوقف عن العمل  بسبب الحجر الصحي إلى فقدان الأجر او الراتب ، او انتقاصه  أو ربما  فقدان الوظيفة نفسها ، وما لذك من عواقب على حق  الانسا نفي مستوى معيشي لائق ومقبول، و كذلك على كرامته.  ان فقدان الاجر او انتقاصه له عواقب وخيمة على الحياه الاقتصادية للانسان، وسيكون الاكثر تضرراً هم ذوي الدخل المحدود او من يعيشون  على الكفاف او " على الحافة"  كم يقولون، وعليه فإن الحكومة يجب ان تكون عينها مفتوحة على الاستجابة للعواقب الناجمة عن اجراءاتها الضرورية،  فالضرورة لا تبرر انتهاكات حقوق الانسان غير المقصودة.

ويجب ان  يتم تقديم الرعاية الصحية في هذا الظرف الاستثناني لمن لهم دخل ولمن ليس لهم دخل، ولمن يحملون بطاقة التأمين الصحي ولمن لا يحملون دون تمييز، ولمن هم بموجب حكم قضائي في مركز احتجاز او غير ذلك،  ويجب احترام خصوصية المرضى والمصابين  او من هم تحت الحجز، وضمان تقديم الرعابة الصحية الفضلى لهم، و التيقن من ان تدابير الوقاية او الحجر او العلاج  لا تحمل اشارة  او مضمون أن  " وصمة " قد لحقت بالمريض او المحجور عليه او المصاب، او ان الحجر في ذاته ينطوي على عقوبة !  او قد ينتج عنه الم نفسي يجعله في مصاف التعذيب لا العلاج !! ويجب مراعاة صحتهم النفسية والعقلية وصمودهم الداخلي الذي يعتبر" المصطبة الصلبة"  لشفائهم.

ومن أهم الالتزامات التي يحب على الحكومة القيام به هو ان تتمسك باحترام الشفافية، و عليها نشر المعلومات الصحيحة حول حالة المريض والمصابين، بنفس القدر الذي تتمسك فيه بحقها في ملاحقة مروجي الاشاعات، حيث ان الحق في تلقي المعلومات الصحية وسهولة الوصول اليها بطريقة يفهما جميع الناس من الرجال والنساء والبسطاء وكبار السن والأميين ومواطني المناطق البعيدة، والاطفال، وضعاف السمع والبصر والاخرين، حقهم جميعا في ان يتلقوا هذه المعلومات  ويفهونها بنفس الوقت والوضوح هو في صلب معنى التدابير الصحية القائمة على حقوق الانسان،  لأن اي اخفاء او لوي لعنق الحقائق والمعلومات سوف يؤدي الى اهتزاز صورة اصحاب الواجب والمسؤولين،  والى تاكل الثقة  بالسلطات المختصة، وهذا اختبار جاد وحرج للحكومة.

 ويلخص  معنى حقوق الانسان في التدابيرالصحية ما اعلنت عنه المفوضة السامية لحقوق الانسان من أن " كرامة الإنسان وحقوقه يجب ان تكزن  في المقدمة والوسط في هذا الجهد ، وليس فكرة لاحقة ".

باختصار ...

يجب ان تكون التدابير الضرورية التي تتخذها الحكومة في مواجهة فيروس كورونا قائمة على نهج حقوق الانسان من حيث أولاً أن التدابير والاجراءات تستند الى نص القانون، وان اجراء الطوارئ منصوص عليه بالقانون، وهذا ما تم بالفعل، وثانياً ان السلطات واصحاب الواجب متمكنون من معرفة التزاماتهم وفق احكام القانون، و بأنهم يدركون ان حالة الطواري والتدابير ذت الصلة  ليست مطلقة، بل هي محدودة وذات هدف وخاضعة للرقابة، وثالثاً ان المواطنين واصحاب الحقوق ليسوا قطاعاً سلبياً، بل هم فاعلون من خلال مشاركتهم والاستماع لهم، ونصائحم وتوصياتهم ومقترحاتهم، من خلال منصات التواصل المتوافرة  بين المواطن والمسؤول،  ورابعاً ان تتم هذه الاجراءات والتدابير دون تمييز بسبب الجنس او السن او بسبب الاختلاف السياسي او حتى  الانقسام السياسي او لاي سب اخر، وان تخضع هذه الاجراءات والتدابير والقائمين علها للمساءلة والتقييم والمحاسبة.

ان هذا الظرف الاستثنائي يخول الحكومة أمراً، ويفرض عليها التزاماً بأمر اخر: يخولها باتخاذ التدابير والاجراءت بصفتها سلطة تتمتع بالشرعية وتمتلك القوة والموارد، ولكن يلزمها في ذات الوقت ان تكون اجراءاتها والمكنات التي بين يدها، اجراءات تتمتع بالمشروعية، أي انها قائمة على حقوق الانسان وعلى هدي من مبدأ سيادة القانون.