قال خبير عسكري إسرائيلي إن "الهدوء الأمني في غزة لن يتحقق طالما تخرج القذائف الصاروخية من هناك، لأن الجولات التصعيدية مع المنظمات الفلسطينية تواصل استنزاف إسرائيل على مدار الساعة، وحماس تستمر في مسلسل ابتزازها لنا باستهداف مستوطني غلاف غزة، مما سيدفع الجيش وجهاز الأمن الشاباك للعمل داخل القطاع لاخراج الترسانة التسلحية منه، بما فيها القذائف الصاروخية والطائرات المسيرة".
وأضاف رون بن يشاي، وثيق الصلة بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بصحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أنه "حينها فقط يمكن التوصل لتسوية وتهدئة مع حماس، هذا لن يكون نزهة آخر الأسبوع، لكن ليس هناك طريق بديلة".
وأوضح أن "جولة التصعيد الأخيرة أثبتت أن صيغة التهدئة لتحقيق التسوية في الساحة الغزية فقدت مصداقيتها، قبل الانتخابات، وبعدها، وحين تشكيل الحكومة القادمة، لن يكتب لها النجاح، طالما بقي بغزة قذائف هاون، صواريخ كورنيت، طائرات مسيرة".
تبريرات العملية
وأشار أنه "لا يمكن للمستوطنين أن يعيشوا حياة طبيعية في الجنوب، ساعة التهدئة لابد أن يحين موعدها فقط بعد معركة كبيرة بموجبها يتم نزع سلاح القطاع الثقيل، من المهم التأكيد على ملاحظة هامة، وهي أن الإنجاز المطلوب من المعركة القادمة في القطاع لن يكون الردع، وإنما نزع السلاح بالمعنى الفيزيائي للكلمة، هذا إنجاز قد يتحقق دون حمام دماء، ويمكن القيام به عاجلا أم آجلا، لأنه ليس من خيار آخر".
وأكد أنه "بجانب الأضرار النفسية التي تتسبب للمستوطنين الاسرائيليين بغلاف غزة، فإن النظرية الأمنية الإسرائيلية أصابها الكثير من الانكسارات، فلا يعقل أن يجرون خلف أماكن أكثر أمنا بتل أبيب وغوش دان والشمال كي يبتعدوا عن مرمى صواريخ غزة، كل ذلك يضيف المزيد من التبريرات والمسوغات للذهاب لعملية تفكيك غزة من سلاحها القادر على استهداف الجبهة الداخلية الاسرائيلية".
وأوضح بن يشاي، الذي غطى معظم الحروب الإسرائيلية في لبنان والأراضي الفلسطينية، أن "إسرائيل لا تستطيع أن تخل بواجباتها تجاه أمن مواطنيها بهذه الطريقة، وفي حال استمرار الوضع على حاله، فإن المسلحين الفلسطينيين في غزة، وبمساعدة من أصدقائهم في إيران وتركيا وماليزيا وغيرها، سيعثرون على الطريقة المناسبة لإدخال المزيد من الترسانة الصاروخية للقطاع".
وأضاف أن "الواقع الناشئ عقب حرب الجرف الصامد بغزة 2014، أسفر عن إرجاء موعد المواجهة القادمة إلى زمن محدد، لكن الفرق الذي نشأ بعد تلك الحرب أنه بين جولة تصعيدية قصيرة وأخرى تزداد حدة العنف والقسوة بانتظار الجولة القادمة، مع العلم ان القضاء على سلطة حماس أمر غير مرغوب، لأنه لا يوجد طرف فلسطيني مستعد للتوصل لتسوية مع إسرائيل، بل إن حماس الأقل سوء من بين الأطراف في غزة".
السلاح النوعي والثقيل
وأشار إلى أن "السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن ليست مستعدة، ولا قادرة على فرض سلطتها على القطاع، ومنع جهات اخرى من منافستها في ذلك، وطالما أن مصر غير راغبة بالتدخل في هذا الملف بالذات المسمى السيطرة على غزة، فمن الأفضل إذن أن تبقى حماس هناك".
وأوضح أنه "لم يتبق أمام إسرائيل سوى السماح للجيش بدخول غزة عبر معركة عسكرية واسعة كبيرة من أجل تخليصه من السلاح الذي بحوزته، خاصة النوعي والثقيل، وحين يتم تحقيق هذا الهدف، يتم وضع صيغة التهدئة أو التسوية على الطاولة مجددا، بعد أن فرطنا في تحقيق هذا الانجاز بعد الجرف الصامد، اليوم لابد قبل الذهاب لتلك المعركة".
وأكد أن "هذه المعركة لابد أن يسبقها تهيئة الرأي العام المحلي والدولي لتصميم خطة لإعادة اعمار القطاع، وإنعاشه اقتصاديا، بمشاركة المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ومشاركة السعودية وقطر وأوروبا والأمم المتحدة، وقوة دولية قادرة على مساعدة حماس على إعادة سيطرتها على القطاع بعد خروج الجيش والشاباك منه".
وأضاف أن "العملية المزمعة لا تتعلق بإخراج كل مسدس من غزة أو كلاشينكوف أو قذيفة آر بي جي، ولا تنشغل كثيرا بالبالونات الحارقة والطائرات الورقية، ليس هذا المقصود، مشكلة إسرائيل المزمنة، وستبقى كذلك في غزة، هي الوسائل القتالية الثقيلة وبعيدة المدى، القادرة على ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية في مديات 4-70 كيلومترا من حدود قطاع غزة".
وأشار أنه من "أجل تحقيق تهدئة طويلة الأمد وتأمين الجبهة الداخلية يجب على إسرائيل أن تخرج على الأقل 80% من الترسانة الصاروخية في القطاع، وقذائف الهاون بقطر 120 مللم وزيادة، وصواريخ الكورنيت، والطائرات المسيرة، وكذلك الأدوات والوسائل التصنيعية التي تستخدمها حماس وباقي الفصائل بإنتاج المزيد من المواد المتفجرة في المصانع المحلية في غزة، هذا العملية ليست واجبة، بل ممكنة وواقعية".
نموذج السور الواقي
وأوضح أنه "سبق لإسرائيل أن قامت بنزع السلاح من مناطق أكثر تعقيدا وازدحاما من قطاع غزة، وبعدد أقل من الخسائر البشرية، وهنا أستذكر عملية السور الواقي في الضفة الغربية عام 2002، حين نجح الجيش خلال عدة أشهر بوضع حد لظاهرة العمليات الانتحارية، مرة واحدة وإلى الأبد، مع العلم ان الشاباك والجيش لم يكن لديه آنذاك قدرات تكنولوجية واستخبارية وقدرات عملياتية كما هو الحال اليوم".
وأكد أن "الجيش دخل في حينه للقرى والبلدات الفلسطينية، اعتقلوا مشبوهين، حققوا معهم، وصلوا للمطلوبين، صادروا أسلحتهم، ومعامل إنتاج المتفجرات والعبوات الناسفة، اليوم في غزة لدينا شبكة أنفاق غير مسبوقة، ومناطق تخفي كبيرة، مما يجعل الجيش واثقا أنه لن يقضي في غزة نزهة نهاية الأسبوع، لكنه في الوقت ذاته لن تكون هناك حمامات دماء، كما يخشى الكثيرون".
شروط المعركة
وأوضح أنه "ربما تستمر العملية المطلوبة بين عشرة أيام إلى أسبوعين، حينها سيتم الحسم، وسيدخل الشاباك عناصره ومحققيه لميدان غزة، وسيبدأون العمل سريعا مع قليل من الخسائر البشرية لكلا الجانبين، هذا يتطلب من الجيش تحقيق جملة من الشروط والمعايير العملياتية".
وشرح قائلا إن "أول هذه الشروط أن يدخل الجيش لكافة مناطق القطاع دفعة واحدة، وبقوات كبيرة ومعززة، وثانيها تحضيرات استخبارية دقيقة، وثالثها يكون الاجتياح البري في القطاع بتوقيت حددته إسرائيل بصورة مسبقة، لاعتبارات تخدم هدف نزع السلاح، وليس لتحقيق الردع، ولا أن يستدرجنا الفلسطينيون لجولة تصعيد كبيرة، ورابعها أن يسبق هذه العملية تحضيرات سياسية موجهة ومباشرة، وخامسها عمل دعائي يرافقها توظيف الرأي العام العالمي والعربي".
وختم بالقول أن "هدف نزع سلاح غزة سيسهل كثيرا على إسرائيل توفير دعم عالمي ومحلي لهذه العملية، ويجعل أمامها الطريق معبدة لتفعيل المزيد من الكثافة النارية غير المسبوقة".