توقع محللون عسكريون إسرائيليون، اليوم الثلاثاء، أن جولة التصعيد بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني في قطاع غزة، التي تبدو أنها انتهت عند منتصف الليلة الماضية، ستُستأنف بعد انتخابات الكنيست، التي ستجري يوم الإثنين المقبل. لكن أحد المحللين أكد أن سبب التصعيد الحالي هو همجية الاحتلال الإسرائيلي، رغم أنه لم يستخدم هذا الوصف بشكل صريح.
"لا إيران، لا سورية، لا التهدئة، وحتى ليست الانتخابات"، وفقا للمحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان. "جولة إطلاق النيران في اليومين الأخيرين، التي كان بالإمكان أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة، جاءت للرد على المس بالكرامة الوطنية الفلسطينية. والمسؤول في قيادة المنطقة الجنوبية (للجيش الإسرائيلي) الذي أصدر الأمر بالدخول في وضح النهار إلى القطاع وسحب جثة مخرب فيما هي معلقة على كفة الجرافة، مثل ذلك ’الرمز الإستراتيجي’ الذي يهاب الجميع منه، والذي يمكن أن يفجر الشرق الأوسط في أحد الأيام، بسبب الجهل وانعدام الحساسية".
وأشار فيشمان إلى أن مقطع الفيديو الذي وثق التنكيل بجثمان الشهيد محمد علي الناعم، صباح أول من أمس، "فجر الشبكات الاجتماعية غضبا في غزة. وكان واضحا للشاباك أن القصة لن تمر بهدوء. والجيش حاول أن يشرح أن إطلاق النار جرى بسبب تصفية المخربين الذين حاولوا وضع لغم عند السياج، لكن لا علاقة لذلك مع الواقع. فهؤلاء ليسوا المخربين الأوائل الذين يُقتلون عند السياج. فقبل شهر قُتل ثلاثة فلسطينيين في حدث مشابه وُصف في الجانب الفلسطيني بأنه ’إعدام’. لم تتطاير القذائف الصاروخية، وانتهى بمظاهرات".
وشدد على أن "الحالة الآن ليست مجرد حدث أمني آخر. لقد حدث مس بالكرامة الوطنية الفلسطينية. وإهانة الجثة، في جميع الثقافات، تُنتج غضبا شديدا. وهذه هي القصة الحقيقية. وأخذت الجهاد الإسلامي الانتقام على عاتقها، ولم تتمكن حماس من لجمها لأن الجمهور الفلسطيني لن يقف إلى جانبها".
وأضاف فيشمان أن "جهاز الأمن يروي لنفسه قصصا حول التأثير الإيراني على الفصائل التي لا سيطرة لحماس عليها وحول التوقيت السياسي. كل هذا صحيح، لكن لا توجد علاقة لذلك بالحدث الحالي. وإذا لم تتم الاستفادة من عبرة هذا الحدث، سنجد أنفسنا في قصة مشابهة في المرة المقبلة، إذ أن إسرائيل ستأخذ جثثا، لأنه ستكون هناك احتكاكات عند السياج طالما لا توجد تهدئة".
وحسب فيشمان، فإنن "التهدئة كما يفهمونها في إسرائيل ليست مشابهة للتهدئة التي تقصدها حماس. وقال قادة حماس، هذا الأسبوع، إن التهدئة بالنسبة لهم هي مسألة اقتصادية، ولا علاقة لها بالنضال القومي. وحماس ليست ملتزمة بلجم الجهاد، وإعادة الأسرى والمفقودين (الإسرائيليين) أو وقف الإرهاب في الضفة. وهي بالتأكيد ’ملتزمة’ بالحصول على منافع اقتصادية تسمح بترسيخ حكمها. وفي هذه الأثناء، المال الذي وصل إلى حماس هذا الشهر، والذي عمل على إدخاله رئيس الموساد وقائد المنطقة الجنوبية في قطر، استخدم، بين أمور أخرى، لتمويل مئات الأفراح لأزواج تريد حماس الإحسان إليهم. مبروك يا قائد المنطقة الجنوبية".
"تصعيد أكبر بعد الانتخابات"
أشار المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوءاف ليمور، إلى أن وقف القتال، الليلة الماضية، جاء في أعقاب وساطة مصر والمبعوث القطري، محمد العمادي، والأمم المتحدة، "كما أن حماس أوضحت أنها لا مصلحة لها باستمرار التصعيد. لكن في اليومين الماضيين اتبعت حماس سياسة معقدة: من جهة، امتنعت عن الانضمام إلى القتال كي لا تفتح جبهة مباشرة ضد إسرائيل، ولكن إلى جانب ذلك امتنعت عن منع الجهاد الإسلامي من العمل".
وأضاف ليمور أن "هذا خلق معضلة في إسرائيل حول ما ينبغي فعله مع حماس. ولم تكن لدى إسرائيل أيضا مصلحة بدخول الفصيل الكبير والقوي في القطاع إلى دائرة القتال، لكن امتناعها عن العمل ضد حماس تجاوزت السياسة الدائمة بضرب الجهة الحاكمة في الجبهة من أجل أن يفرض سيطرته على الفصائل الأصغر وتقود لتهدئة. وفي نهاية الأمر، البراغماتية انتصرت. ولأن ليس لدى أحد في الجانب الإسرائيلي مصلحة بالتصعيد، وخاصة عشية الانتخابات، تقرر تركيز الرد ضد الجهاد الإسلامي فقط".
وخلافا لفيشمان، اعتبر ليمور أن الجهاد الإسلامي "مسؤولة مباشرة عن التصعيد. ورغم ذلك، حرصت إسرائيل على العمل بشكل محسوب". وادعى أن "الهجوم أول من أمس في دمشق لم يهدف إلى تصفية نشطاء، وإنما كان ضد بنية تحتية، كما أن الهجمات الكثيرة في قطاع غزة (في اليومين الماضيين)، حاولت إسرائيل الامتناع قدر الإمكان عن التسبب بقتلى كثيرين كي لا توسع دائرة التصعيد".
ولفت إلى أن "الجهاد أطلقت معظم الصواريخ التي كانت موقوتة من آبار، وبذلك لم يكن بالإمكان استهداف الناشطين المسؤولين عن إطلاقها. واختبأ قادة الجهاد، وكذلك الكثيرين من قادة حماس، لمنع استهدافهم، ولذلك ركزت إسرائيل هجماتها على مواقع إنتاج أسلحة ومنشآت أخرى للجهاد".
ورأى ليمور أن "الجهاد أيضا امتنعت عن توسيع القتال. وتم تركيز القذائف الصاروخية باتجاه غلاف غزة والمدن القريبة، وامتنعت الحركة عن إطلاق قذائف صاروخية باتجاه مدن أبعد، مثل بئر السبع وأشدود ووسط البلاد خصوصا، رغم أن بحوزتها قدرة مثبتة".
واعتبر ليمور أن اعتراض "القبة الحديدية" لـ90% من القذائف الصاروخية، "منح إسرائيل نفسا طويلا هاما وسمح لها بالعمل بتعقل وليس تحت ضغط وجود مصابين كثيرين في الجبهة الداخلية". وأشار ليمور إلى أن التنكيل بجثمان الشهيد الناعم وسرقته، "اعتبر في غزة كإذلال وأدى إلى الرد" من جانب الجهاد.
وأضاف ليمور أنه "حتى لو تم التوصل إلى تهدئة (وقف القتال)، فإنه يتوقع أن يكون مؤقتا وهشا. ورغم أن حماس تريد تهدئة أوسع، إلا أن الجهاد – الذي يتبع سياسة مستقلة، فوضوية، بتشجيع إيراني – ستواصل عرقلة الجهود. وثمة شك إذا كانت إسرائيل ستتمكن من ضبط النفس حيال ذلك لفترة طويلة، والسماح للجهاد بإدارة الحياة في غلاف غزة".
وتابع أن "إسرائيل ستكون ملزمة بعد الانتخابات بأن تبلور لنفسها سياسة أوضح. وأن توضح لحماس، وبواسطتها للفصائل الأخرى في القطاع، أن اللعب انتهت. وإذا لم يتم تحقيق تهدئة حقيقية، فإنها ستكون مستعدة للذهاب حتى النهاية من أجل تحقيقها بالقوة".
"تأثير إيراني عبر دمشق"
اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن الجهاد الإسلامي كانت سترد في جميع الأحوال على استشهاد الناعم، لكن "ما جعل الرد شديدا كانت على ما يبدو الصور التي انتشرت عن الحادث، وشوهدت فيها جرافة عسكرية تسحب جثة الفلسطيني، وأدت إلى الغضب في غزة. ونيران الرد كانت أشد من العادة، وأعادت طرح الأسئلة حول عقلانية السياسة الجديدة،، التي بموجبها يتم تجميع جثث فلسطينيين مسلحين كبطاقة مساومة محتملة في المفاوضات حول إعادة جثتي الجنديين الإسرائيليين". وقد وضع هذه السياسة وزير الأمن الإسرائيلي ورئيس كتلة أحزاب اليمين المتطرف، نفتالي بينيت، الذي رحب بالتنكيل بالجثمان وسرقته.
واعتبر هرئيل أن الجهاد الإسلامي تبذل جهودا لا تتوقف من أجل عرقلة التوصل إلى تفاهمات تهدئة بين إسرائيل وحماس، وأنه "ليس مستبعدا أنه يتم الشعور هنا بتأثير إيراني على غزة، عن طريق قيادة الحركة في دمشق. فاحتكاك دائم في القطاع يخدم طهران. وإذا عرقل ذلك (إمكانيات فوز) نتنياهو، عدوها اللدود، فإنه ستكون هنا قيمة إضافية بالنسبة لطهران".
وأضاف هرئيل أن "استمرار جولات القتال مع الجهاد يدل على أن الاستخبارات الإسرائيلية أولت على ما يبدو وزنا شخصيا أكبر مما ينبغي (للقيادي العسكري في الجهاد بهاء) أبو العطا. فحركته تواصل نشاطها العسكري بعد إزالة قائدها الرفيع من الطريق".