– شهدت الشهور الماضية زيادة كبيرة في عدد الشركات الناشئة التي اختارت العاصمة السعودية الرياض مقرا لها، بما يشير إلى اشتداد حدة المنافسة بين مدن دول الخليج العربي وبخاصة السعودية والإمارات على جذب الشركات والاستثمارات الأجنبية، مع السعي المحموم لهذه الدول من أجل تقليص اعتماد اقتصاداتها على عائدات النفط.
وفي حين جذبت سياسات الانفتاح التي يتبناها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الكثير من الشركات ورواد الأعمال للعمل في المملكة، تحاول إمارة دبي المجاورة المحافظة على جاذبيتها الاستثمارية مع صعود نجم المملكة العربية السعودية، حيث تراهن دبي على معرض إكسبو 2020 الذي تنطلق فعالياته في 20 تشرين أول/أكتوبر المقبل وتستمر ستة أشهر.
وتأمل دبي أن يجذب المعرض حوالي 25 مليون زائر من مختلف دول العالم، والذي تعتزم أن تستعرض فيه أحدث ما وصل إليه الإبداع والابتكار في مختلف مجالات الحياة. في الوقت نفسه فإن العام الحالي يعتبر عاما مهما بالنسبة للسعودية التي تتولى فيه الرئاسة الدورية لمجموعة الدول العشرين، وتعتزم إطلاق سلسلة من الأحداث الكبرى للترويج لإصلاحاتها.
وحتى وقت قريب، كانت دبي الوجهة المفضلة وشبه الوحيدة للشركات الناشئة في الشرق الأوسط أو الراغبة في العمل في هذه السوق. وأقامت دبي شهرتها على أساس أنها مركز حر للأعمال في منطقة تعج بالبيروقراطية والقيود الحكومية، بحسب وكالة بلومبرج للأنباء.
وكانت الشركات التي تستهدف السوق السعودية باعتبارها السوق الأكبر في منطقة الخليج، كانت تتخذ من دبي مقرا لها، بسبب القيود الصارمة المفروضة على الحياة في المملكة في تلك الأيام ولكن الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة أطلق موجة التغيير والانفتاح.
وخلال سنوات قليلة فتحت السعودية أبوابها أمام السائحين لأول مرة، وخففت بشدة القيود على النساء وسمحت بوجود دور السنيما والحفلات الموسيقية واستضافة الأحداث الرياضية الدولية الكبرى.
منذ خمس سنوات كان رائد الأعمال السعودي عبد الله التمامي الذي يرأس مجلس إدارة شركة خدمات الدفع الإلكتروني هايبر باي، يكافح من اجل إنشاء شركة في بلده. واليوم يرى أن السعودية “عملاق نائم بدأ يستقيظ”، مضيفا “أنا لا استثمر حاليا في أي شركة لا تركز نشاطها الإقليمي على السعودية”.
وذكرت بلومبرج أنه لا أحد ينكر أنه مازال أمام السعودية طريق طويل عليها قطعه لتحقيق التحول الاقتصادي المأمول. ورغم تخفيف الكثير من القيود على الأنشطة الترفيهية في السعودية، فإنه لا وجه للمقارنة مع دبي التي تتيح المجال واسعا أمام مثل هذه الأنشطة.
ومع ذلك بدأت السعودية تجذب المستثمرين ورواد الأعمال، ليس فقط السعوديين وإنما الأجانب ايضا. ففي العام الماضي، كانت شركة نرويجية تعتزم إقامة مرزعة لسمك السلمون في الإمارات العربية المتحدة باستثمارات تبلغ 90 مليون دولار. لكنها قررت إقامة المزرعة في السعودية بهدف الاستفادة من السوق السعودية الأكبر حجما.
وبحسب وكالة التوظيف الدولية “ميشيل بيدج” فإن هناك عددا متزايدا من المسؤولين وبخاصة في القطاع العقاري يدرسون الانتقال إلى السعودية التي أعلنت عن مشروعات ضخمة تشمل مدن بالكامل.
ونقلت بلومبرج عن تيم واتسن أحد المشاركين في الفرع الإقليمي لوكالة التوظيف بالشرق الأوسط القول “على مدى أخر 18 شهرا، رأينا العديد من كبار العاملين في مجال العقارات في مختلف أنحاء العالم، يبحثون الانتقال إلى السعودية للمشاركة في المشروعات العملاقة”.
وقد أصبحت السعودية واحدة من أكثر 10 دول حققت تقدما على مؤشر ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي للعام الحالي، حيث سهلت شروط إنشاء الشركة والحصول على التراخيص وتوافر الطاقة والحصول على القروض وتنفيذ العقود. وقد تقدمت السعودية 30 مركزا على المؤشر لتحتل المركز .62 وما زالت الإمارات التي تحتل المركز السادس عشر على المؤشر تتصدر المنطقة لكن الفارق بدأ يضيق.
ويقول ستيفن هيرتوج الاستاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد والمتخصص في شؤون الخليج “هناك بالتأكيد عدم ارتياح في دبي إزاء الانفتاح السعودي… لكنني لا اعتقد أن دبي ستفقد مكانتها كمركز اقتصادي إقليمي أساسي في وقت قريب”، مضيفا أن “هذا يعني أن الشركات التي تركز على السعودية من المرجح على الأقل أن تنتقل إلى السعودية مع تخفيف القيود الاجتماعية والبيروقراطية”.
وتشير بلومبرج إلى حالة مالك شهاب الشريك السعودي المؤسس لشركة جولدن سينت للتجارة الإلكترونية. فقد حاول في عام 2014 هو وشريكه الألماني روني فورهيلش تأسيس شركتهما في السعودية ، التي كانت بها قيود مشددة على الاستثمار الأجنبي ، لذلك كان من الصعب عليهما إيجاد مستثمرين سعوديين. فأسسا شركتهما في دبي رغم أن سوقها الرئيسية هو السعودية . وقال شهاب أن تلك القواعد تغيرت الآن، وأصبح من المنطقي الاستثمار فى السعودية.
وتضيف بلومبرج أن فورهيلش وشريكه مالك الشهاب افتتحا الآن في السعودية مقرا للشركة التي تعمل في تجارة العطور والسلع الفاخرة في المملكة تمهيدا للانتقال الكامل إليها وتوظيف المزيد من السعوديين فيها، في ظل الإصلاحات التي ينفذها ولي عهد المملكة.
و لا يرى الأمير محمد بن سلمان أن هناك أي تنافس بين دبي والمشروعات السعودية، وقال في مقابلة مع وكالة بلومبرج في 2017 إن “هونج كونج لم تضر سنغافورة وسنغافورة لم تضر هونج كونج … ولكنهما خلقتا طلبا قويا على كل منهما” في إشارة إلى نجاح المدينتين في التحول إلى مركز اقتصادي دولي وإقليمي دون أن تتضررا من المنافسة بينهما.
كما أن العديد من مسؤولي الشركات يرون أن صعود السعودية وفتح أسواق جديدة يمكن أن يمثل فرصة جيدة لباقي دول الخليج، وهو ما يراه أيضا المسؤولون في دبي الذين يرون في الانفتاح السعودي مصلحة اقتصادية للجميع.
يقول فادي غندور الرئيس التنفيذي لشركة ومضة كابيتال للاستثثمار ومقرها دبي إن العلاقة بين الاستثمار في دبي والسعودية علاقة امتزاج… الإمارات العربية المتحدة والسعودية متكاملتان”.