اعتبر خبراء إسرائيليون، في تقرير جرى استعراضه خلال مؤتمر في جامعة حيفا، الأسبوع الماضي، أن قوة الأسطولين البحريين العسكريين التركي والمصري تعاظمت بشكل غير مسبوق في الشرق الأوسط، في سياق منافسة "التفوق التكنولوجي النوعي" لسلاح البحرية الإسرائيلية.
ويأتي هذا التقرير في أعقاب طرد سفينة حربية تركية، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، لسفينة أبحاث إسرائيلية، تدعي إسرائيل أنها كانت في المياه الاقتصادية القبرصية وبالتنسيق مع الحكومة القبرصية، وذلك في أعقاب توقيع تركيا والحكومة الليبية المعترف بها دوليا، على اتفاق يجعل هذه المنطقة البحرية خاضعة لتركيا.
ونقلت صحيفة "ماكور ريشون"، أول من أمس الجمعة، عن قائد أسطول الغواصات الإسرائيلية السابق، البروفيسور شاؤول حوريف، قوله إن "على قائد سلاح البحرية أن يغير اتجاه التفكير في كل ما اعتدنا عليه في أعقاب هذا الحدث".
وتطرق حوريف، وهو رئيس "مركز حيفا لأبحاث السياسة والإستراتيجية البحرية"، والذي تولى في السابق منصب رئيس لجنة الطاقة الذرية أيضا، إلى طرد السفينة الإسرائيلية، قائلا إنه "علينا أن نفكر، بعد حادثة سفينة الأبحاث، بماذا سيحدث في المرة القادمة عندما يتم تحدي دولة إسرائيل بسفن أكبر ويقرر الأتراك أنه يحظر مرورها في المياه الاقتصادية التي ضموها إلى أنفسهم على حساب قبرص. وفجأة يوجد أمامنا أسطول تركي، كان أكبر أصدقائنا في الماضي، ولكن الوضع تغير اليوم بشكل بالغ".
وأشار حوريف إلى أن "معظم تجارة إسرائيل تتم عن طريق البحر، بنسبة 99%. وعندما تدرك أن الغالبية الساحقة من التصدير والاستيراد الإسرائيلي يعتمد على البحر، لأننا، عمليا، ’دولة جزيرة’ بين الدول العربية المحيطة بنا، فإنه لا يمكن فهم كيف تتجاهل إسرائيل التغييرات الحاصلة في المنطقة ولماذا هذا الموضوع ليس موجودا في صلب سيرورة الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل".
وأضاف أن المجال البحري يكتسب أهمية أكبر بسبب حقول الغاز البحرية ومعامل تحلية المياه والدفاع عن السكان الذين يقطنون باكتظاظ قريبا من البحر ومراكز منشآت البنى التحتية الواقعة على طول الشاطئ الإسرائيلي. "وإذا قرر الفلسطينيون، لا قدر الله، أن يلقوا إلى البحر وقودا وأمورا أخرى، فإن أغشية محطات تحلية المياه ستُشلّ ولن نتمكن من إنتاج ماء لأنفسنا. هذا تهديد كبير جدا. وجميع خطوط الاتصالات من هنا إلى خارج البلاد تمر عن طريق البحر، وهناك جوانب كثيرة تشكل خطرا على إسرائيل. ونعود إلى السؤال: لماذا التفوق الجوي والبري فقط يهم إسرائيل؟".
وتطرق حوريف إلى خطة "صفقة القرن"، والضجة التي اثارها المستوطنون حول إرجاء ضم المستوطنات وغور الأردن، لكنه أضاف أنه "عندما يقدم الفلسطينيون طلبا إلى الأمم المتحدة للاعتراف بمياه إقليمية بطول 200 ميل عن شواطئ غزة، مثلما فعلوا قبل أربعة أشهر، لم نسمع الصرخة المطلوبة في إسرائيل. وقد استغرقنا ثلاثة أشهر حتى لاحظنا ذلك أصلا، وعندها فقط تذكرت وزارة الخارجية أن تقدم احتجاجا إلى الأمم المتحدة. وهذه خطوة أخرى في جهودهم من أجل الاعتراف بميناء غزة كميناء سفن فلسطيني. ويوجد في إسرائيل انعدام وعي للحيز البحري كله وأهميته كعنصر مناعة للدولة".
مصالح مصر وتركيا
قال حوريف إن قلقه منصب على تعاظم قوة تركيا ومصر في البحر، وأن تفقد إسرائيل تفوقها التكنولوجي. "المصريون بحاجة إلى قوة حراسة النشاط الدائم لقناة السويس وحماية مخزونات الغاز التي اكتشفوها، وهم يخططون لتطوير ’لجنة مهمات حراسة الإبحار’ في جنوب البحر الأحمر، والتي تصبّ في النهاية في قناة السويس وتنطلق منها. وتهديدات الحوثيين على الإبحار تلزم المصريين بقوة بحرية يمكن أن تُستخدم في هذه المنطقة".
وأشار حوريف إلى الضجة التي أثيرت بعد صفقة الغواصات بين إسرائيل وألمانيا، التي وافق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في إطارها بأن تزود ألمانيا غواصات لمصر. "لا أفهم الانتقادات ضد نتنياهو، لأنه لم يطلع قادة أجهزة الأمن. ولنفترض أنهم رفضوا، فإنه بإمكان المصريين التوجه إلى الفرنسيين، الذين اشتروا منهم قطعا بحرية، وإذا لم يتوجهوا للفرنسيين فسيذهبون إلى الروس".
وأضاف أن الأسطول التركي اقتنى صواريخ وأسلحة متطورة، إلى جانب صنع ذاتي لقطع بحرية متطورة، في السنوات الأخيرة. "حاول التفكير بما سيحدث إذا صادف قائد سفينة عسكرية إسرائيلية سفينة تركية تمنعه من المرور في المياه الاقتصادية التي أعلنوا عنها. وينبغي العمل منذ الآن بقنوات مختلفة وغير مباشرة كي لا نصل إلى نزاع كهذا، لأن لقاء كهذا قد يتدهور إلى مواجهة في قلب البحر. وعلينا أن نبذل كل ما بوسعنا من أجل ضمان حريتنا في البحر".
واعتبر حوريف أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، "يصور نفسه كمن يحمي حماس ويدعي أن المصريين تخلوا عن حماس في غزة. وبإمكانه أن يقول إن الحصار الإسرائيلي على القطاع من البحر ليس مقبولا عليه، وطالما إسرائيل لا تسمح بعبور سفن إلى غزة فإنه لن يسمح بعبور سفن إسرائيلية في المياه الإقليمية التي أعلن عنها. وكل ما يأتي من أوروبا عن طريق البحر يمر من هناك".
وفيما يتعلق بمصر، قال حوريف إنه "بنظرة جيو – إستراتيجية، فإن أحد الأمور المقلقة هي انعدام الاستقرار السلطوي. ولا يمكن تجاهل الإخوان المسلمين الذي نفذوا انقلاب العام 2011، وأنزلوا حسني مبارك عن الحكم. وقد يصل إلى الحكم رئيس يلغي اتفاقية السلام، لتتحول مصر فجأة إلى دولة مواجهة. وليس واضحا مدى استقرار حكم السيسي في مصر، وإذا تغيرت العلاقات بين إسرائيل ومصر فإنه ستنشأ مشكلة. فعدد السكان هناك يزيد عن 100 مليون، والسلطة ليس لديها المال لإطعامهم، وهذا يزيد من انعدام الاستقرار".
وحسب حوريف، فإن "الأتراك والمصريين يعلمون أن أسطولا قويا في البحر يخدم مصالحهما الآخذة بالاتساع. وإردوغان وقع مع النظام المتهلهل في ليبيا اتفاقيات حصرية حول المياه الاقتصادية، من دون أن يأخذ بالحسبان الدول المجاورة والأكثر ضعفا. وإذا أرادت تركيا أن تقرر لقبرص أن مياهها الاقتصادية لها، عليها أن تطرد شركات الطاقة التي جاءت للتنقيب، لأن ’هذه مياهنا وليست للقبارصة’".