بين أحضان والدته يجلس ضاحكا، فرحا، هادئا، في مستشفى سانت جون للعيون بالقدس؛ بعد شهور عدة من المعاناة والألم والبكاء المستمر، إنه الطفل الرضيع " محمد " الذي لا يتجاوز السبعة أشهر من عمره والذي جاء من قطاع غزة للعلاج جراء معاناته من نزيف في العين والتصاق شديد في الشبكية ومياه بيضاء؛ كان يعاني منها منذ ولادته والتي منعته من القدرة على النظر في عينه اليسرى.
طبيب من مستشفى العيون بالقدس يعيد البصر لرضيع من غزة
"إيناس" والدة الرضيع محمد وهي أم لثلاثة أطفال من محافظة خانيوس شرق قطاع غزة تسرد لنا ذكريات قاسية عاشتها بعد ولادة محمد حيث قالت وقد اغرورقت عينيها بالدموع حزنا وألما: "كنت كأي أم في العالم، أنتظر ولادة رضيعي على أحر من الجمر وكانت كل الأمور طبيعية أثناء الحمل وأتابع فحوصاتي بشكل دوري؛ لكن وبعد الولادة بخمسة عشر يوما انقلبت حياتنا رأسا على عقب، حيث بدأ محمد يبكي بكاء هستيريا، ولا يهدأ ليلا ولا نهارا، وضعنا كل الاحتمالات أمامنا وظننا أنه يعاني من المغص بسبب الحليب، أو أنه جائع ولا يشبع لكنه كان يرفض الرضاعة من شدة الألم، حتى رأينا عينه اليسرى شديدة الاحمرار فركضنا به إلى الطبيب، ووصف لنا قطرة ظنا منه أنه فيروس لعين أصاب عينه وسيشفى منه خلال أسبوع أو أسبوعين".
وتضيف: "لكن عين محمد ازدادت سوءا، وبكاءه كان لا يوصف، فقمنا بأخذه لمستشفى سانت جون للعيون في غزة ليبين الفحص الدقيق أنه يعاني من نزيف بالعين والتصاقات شديدة ومياه بيضاء وأكد الطبيب على ضرورة خضوعه لعملية جراحية عاجلة حتى لا يفقد عينه كليا".
تصريح للعلاج
أصيبت والدة محمد بانهيار عصبي خوفا على مصير عين طفلها الصغير الذي لا حول ولا قوة له، وتتابع: "بذل زوجي جهدا كبيرا للحصول على تصريح لعلاج محمد في الداخل؛ لكن كل المحاولات باءت بالفشل، وبعد 3 شهور من المعاناة والألم، حصلنا أخيرا على تصريح لعلاج محمد في القدس نظرا لصعوبة حالته، على أن أكون المرافقة الوحيدة لطفلي، فلم أتوان لحظة وتركت كل شيء خلفي حتى اطمئن على مصير عين ابني وتهدأ أوجاعه".
نجاح العمليات
حُوِل الرضيع محمد للعلاج في مستشفى سانت جون للعيون في القدس تحت إشراف الدكتور حابس البطة المتخصص في جراحة العيون للأطفال، الذي عمل كما تقول إيناس: "كل جهده لإنقاذ عين محمد ، فأجرى له 3 عمليات لوقف النزيف، ومعالجة الالتصاق، وسحب المياه البيضاء، وبعد 4 شهور عاد الرضيع هو والدته إلى المستشفى في القدس للمراجعة ليعلن الدكتور حابس نجاح العمليات وأن محمد أصبح يرى النور من جديد بعدما كان على حافة خسارة الرؤية إلى الأبد.
فرحت الأم فرحا شديدا، وحمدت الله حمدا كثيرا وبتلك اللحظة كأنها نسيت كل الأيام الصعبة التي عاشتها حين رأت ابتسامة رضيعها وتفاعله وتوقف بكاءه وانتهاء آلامه التي كان يعاني منها..
شكر وامتنان
واختتمت إيناس حديثها بتقديم الشكر لإدارة وأطباء وموظفي مستشفى العيون، الذين قدموا لطفلها الرعاية الطبية المتكاملة، هذا عدا عن الخدمات غير العلاجية التي قدموها من مسكن وطعام وكل ما تحتاجه هي وطفلها.