توقع تقرير إسرائيلي اليوم، الخميس، أن اتفاق المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين، الذي وقعه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني، ليو هي، أمس، يشكل بالنسبة لحليفات الولايات المتحدة، وبينها إسرائيل، اتفاق وقف إطلاق نار في الحرب التجارية بين الدولتين العظميين، ويسمح بحوار في أجواء هادئة أكثر، لكنه لن يخفف ضغوط واشنطن على حليفاتها من أجل كبح الاستثمارات الصينية.
وقال التقرير الصادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، إنه "من الناحية الفعلية، فإنه يتوقع استمرار الضغوط الأميركية في موضوع الاتصالات الخليوية من الجيل الخامس وضد التعاون التكنولوجي مع الصين، وكذلك الرقابة الأميركية المشددة على استثمارات ومقتنيات صينية في إسرائيل".
ورغم أن المعلومات التي رشحت عن الاتفاق قليلة، إلا أن التقرير أشار إلى أن الاتفاق تضمن عدة تفاهمات. التفاهم الأول هو موافقة الولايات المتحدة على خفض الجمارك إلى النصف، وستكون بنسبة 15%، على البضائع الصينية المستوردة، بقيمة 120 مليار دولار، كما وافقت على إلغاء فرض جمارك أخرى بمبلغ 160 مليار دولار. وتبقت حاليا جمارك سارية المفعول، بنسبة 25%، على بضائع صينية بمبلغ 250 مليار دولار، الأمر الذي سيمنح الولايات المتحدة بطاقة مساومة في المفاوضات حول المرحلة الثانية من الاتفاق. ومن الجهة الأخرى، وفقا لبيان البيت الأبيض، وافقت الصين على إلغاء فرض جمارك مضادة، بنسبة 25%، على السيارات الأميركية.
والتفاهم الثاني، هو أن الصين وافقت على زيادة استيراد البضائع والخدمات من الولايات المتحدة بحوالي 200 مليار دولار، في السنتين المقبلتين، والتزمت بشراء منتجات زراعية أميركية بمبلغ يصل إلى 50 مليار دولار، علما أن مشتريات بهذا الحجم تزيد عن حاجة الصين، كما أنه ليس واضحا إذا كان بمقدور المزارعين إنتاج كميات كهذه خلال الفترة القصيرة التي تم تحديدها.
إضافة إلى ذلك، تعهدت الصين، حسب البيت الأبيض، بالتوقف عن إلزام شركات أجنبية بنقل تكنولوجيات وخبرات كشرط للدخول إلى السوق الصينية، وتوفير حماية قانونية صينية أقوى لابتكارات وعلامات تجارية وحقوق إنتاج، من أجل محاربة خرق حقوق الإنترنت وتزوير وبيع منتجات بشكل غير قانوني، علما أن هذه التعهدات لا تشكل التزامات ولذلك فإن تطبيقها قد يكون محل شك.
وأفادت تقارير إعلامية بأن الولايات المتحدة أزالت الصين من قائمة الدول التي تنفذ خدعا في مجال العملات، ويرجح أن هذه كانت خطوة لبناء الثقة قبيل توقيع الاتفاق. وشمل الاتفاق تشكيل هيئة لتسوية خلافات لتشكل نظاما لتطبيق الاتفاق.
الاتفاق يخدم ترامب داخليا
اعتبر التقرير أن التوقيع على الاتفاق المرحلي يخدم بالأساس مصالح ترامب السياسية الداخلية، بعد أن كان قد تعهد لناخبيه بأن الحرب التجارية ستقود الصين إلى التراجع، وتحسين الشروط التجارية بين الدولتين. كما أن خفض الجمارك، في إطار الاتفاق، من شأنه التأثير على شركات كثيرة تصدر المنتجات الزراعية والتكنولوجية بالأساس، إلى الصين والولايات المتحدة، وكانت هدفا لرفع رسوم الجمارك من جانب كلتا الدولتين.
ورغم أن ترامب أعلن أن المداولات حول المرحلة الثانية ستبدأ على الفور، وتشمل قضايا أكثر تعقيدا في علاقات الدولتين، تتعلق بالتجارة الرقمية وتوطين المعلومات وانتقالها بين الدول وثغرات سايبر، إلا أن التقرير شكك في إمكانية انطلاق هذه المرحلة على ضوء انعدام الوضوح حيال النتائج المحتملة لانتخابات الرئاسة الأميركية.
ولفت التقرير إلى أن ترامب يتطلع، حاليا، إلى منع انخفاض الأسواق الذي يمكن أن يقود إلى تباطؤ اقتصادي، "ولذلك لا يمكنه العمل ضد الصين، حتى لو خرقت تعهداتها". وأشار التقرير إلى التوتر بين الجانبين إثر الانتقادات الأميركية للصين بما يتعلق بقمع الاحتجاجات في هونغ كونغ، والسياسة الصينية تجاه الأقلية الأويغورية.
وتوقع التقرير أن "هذا التوتر سيصعّب على الصين الاستمرار في التعاون مع الولايات المتحدة طالما أن هذه المواضيع ما زالت مطروحة. وفي جميع الأحوال، وحتى لو بدأت المحادثات، فإن ثمة شكا إذا ما تمكنت الدولتان من مواصلة المفاوضات حول المرحلة الثانية قبل انتخابات الرئاسة الأميركية"، في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
وألحقت الرسوم الجمركية التي تم فرصها خلال الحرب التجارية أضرارا كبيرة بالمصدّرين الأميركيين، وخاصة في قطاع الزراعة. "ويبدو أن هذا الاتفاق يشكل بالأساس مرحلة أولى في إعادة العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة إلى الوضع الذي كان قائما قبل بداية الحرب التجارية".
لا بديل لإسرائيل عن الدعم الأميركي
استبعد التقرير أن يقود تطبيق المرحلة الأولى من الاتفاق إلى حل المنافسة الإستراتيجية بين الدولتين العظميين، لأن المواضيع الأساسية، وتشمل التجسس الصناعي ونقل التقنيات والخبرات والدعم الحكومي "غير النزيه" للصناعات المحلية، أرجِئت إلى المرحلة الثانية، التي ليس واضحا متى سيصل الجانبان إليها. والمطالب الأميركية من الصين في هذا السياق "ليست واقعية، وتعني ركود تطلعات الصين بأن تتحول إلى دولة عظمى تكنولوجية، يفترض أن تشق طريقها إلى الثراء والتأثير الدولي" وفقا للتقرير.
ورغم أن توقيع اتفاق المرحلة الأولى يشكل "وقف إطلاق نار" في الحرب التجارية بالنسبة لحليفات الولايات المتحدة، إلا أن التقرير توقع زيادة الضغوط على إسرائيل بكل ما يتعلق بالاستثمارات الصينية فيها. "ولذلك يتعين على إسرائيل أن تلائم علاقاتها مع الولايات المتحدة لعهد المنافسة بين الأخيرة والصين. والقرار بتشكيل هيئة لمراقبة الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل كان خطوة أولى وهامة في هذا السياق".
وأضاف التقرير أن "على إسرائيل دراسة تفاصيل الاتفاق، وأن تستنتج منه مجالات التعاون التي تريد الولايات المتحدة دفعها مقابل الصين، والخطوط الحمراء الأميركية في مجالات التجارة والاستثمار ونقل التقنيات والخبرات، ورصد المجالات التي نظرة الولايات المتحدة إليها ليست واضحة".
وأكد التقرير على مدى تبعية إسرائيل للولايات المتحدة. "سيكون من الصواب أن تبلور إسرائيل سياسة مشابهة لتلك الأميركية، إذ أن الولايات المتحدة هي الحليف الإستراتيجي الأهم لإسرائيل. ولا يوجد اليوم لإسرائيل بديل للدعم الأميركي في المحافل الدولية المختلفة، وأولها الأمم المتحدة؛ وللمساعدات الأمنية؛ والمصاعب الاقتصادية".
وأضاف التقرير أن "الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، رغم أن علاقاتها التجارية مع الصين في اتساع متواصل في السنوات الأخيرة. كما أن على إسرائيل إسناد اعتباراتها بما يتعلق بالعلاقات مع الصين على ضوء مسألة الحفاظ على قدرتها التنافسية الاقتصادية للأمد البعيد، وإثر صعود الصين إلى مكانة دولة عظمى اقتصادية وتكنولوجية، وخاصة في المجالات التي تعتبر إسرائيل فيها دولة رائدة عالميا".
وأوصى التقرير بأن "على إسرائيل بلورة سياسة توازن بين مصالحها الاقتصادية القصيرة الأمد، وبين أهمية حماية اقتصاد إسرائيل وأمنها في المدى المتوسط والبعيد، سواء لأن الصين هي منافسة تكنولوجية ولاعبة تسعى إلى تحويل برامج مدنية إلى عسكرية، وأيضا تحسبا من المس بالعلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة. ولدى الانتقال إلى المرحلة الثانية من المفاوضات الأميركية – الصينية، التي ستركز على المواضيع التكنولوجية، يجدر بإسرائيل أن تعرّف بشكل واضح سياستها الاقتصادية مقابل الصين على ضوء المنافسة المتصاعدة، وذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة".