منذ بدء الحراك السياسي حول الانتخابات الفلسطينية، شرعت شخصيات من «اللجنة المركزية لحركة فتح» وأخرى خارجها في عقد لقاءات مع مسؤولين مصريين، بهدف الطلب إليهم الضغط على الاحتلال الإسرائيلي حتى يقبل إدراج القيادي «الفتحاوي» البارز، مروان البرغوثي، في أيّ صفقة تبادل مقبلة بينه وبين المقاومة.
وجاءت هذه المطالبات بالتزامن مع إعلان البرغوثي نيّته الترشح للانتخابات الرئاسية، على رغم لقاء الرئيس محمود عباس، زوجته نهاية الشهر الماضي، وإيصاله رسائل في اتجاه معاكس.
وهو ما يؤكده القيادي في «فتح»، حاتم عبد القادر، في حديث إلى «الأخبار»، بقوله إن «لدى البرغوثي توجّهاً ونية للترشح». وكان ممثلون عن جمعيات «المجتمع المدني» وبعض الفصائل قد طالبوا وفداً من الأمم المتحدة، خلال زيارته لغزة قبل أسابيع، بالحديث مع الإسرائيليين كي يسمحوا للأسرى عامة بالمشاركة في الانتخابات ترشحاً وانتخاباً، وهو ما تلقّفته المخابرات المصرية التي تبنّت مطلب إدراج البرغوثي ضمن القوائم، كما تقول مصادر من «فتح». توجّه يخالف ما كان عليه المسؤول السابق للمخابرات المصرية، الراحل عمر سليمان، من تشدّد في ألّا يكون اسم البرغوثي ضمن «صفقة شاليط» (2011) بحجة الرفض الإسرائيلي المتوقع، الأمر الذي تعزوه المصادر إلى جهود بذلها القيادي المفصول من «فتح»، محمد دحلان، في هذا الاتجاه.
وبينما كان الصراع (ولا يزال) على أشدّه بين دحلان و«أبو مازن»، تأثرت العلاقة بين البرغوثي وعباس منذ إعلان الأول «إضراب الكرامة» في 2017؛ إذ حمّلت أوساط مقربة منه الرئيس عباس مسؤولية إحباط الإضراب، قبل أن يتمّ تعيين الأسير كريم يونس عضواً في «مركزية فتح» لتُختطف الأضواء من البرغوثي.
ووفقاً للمصادر المذكورة آنفاً، فإن «دحلان تواصل مع البرغوثي مرات عدة، وحاول أن يرسم معه ملامح لعلاقة مشتركة».
كذلك، علمت «الأخبار» أن «مركزية فتح» أرسلت عرضاً عبر محامي البرغوثي إليه، تساومه فيه على التخلّي عن المشاركة في الانتخابات مقابل ترؤسه القائمة «الفتحاوية» في الانتخابات التشريعية، وهو العرض نفسه الذي سبق أن قدّمته قيادة الحركة إليه عام 2006، وقَبِله البرغوثي آنذاك نظير وساطات تجريها السلطة للإفراج عنه. لكن القيادي يلفت إلى أن المساعي لإخراجه في ذلك الوقت لم تلقَ اهتماماً كافياً، «بل تعرّض لإهمال الجهات الرسمية».
تتمسّك «حماس» بإدراج البرغوثي في أيّ صفقة تبادل مقبلة
ولم يعد خافياً وجود خلافات بين شخصيات في «المركزية»، ظهر بعضها أخيراً على السطح في تغريدات متداولة لوزير الشؤون المدنية حسين الشيخ من جهة، ورئيس «الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم» جبريل الرجوب من جهة أخرى، ليصير البرغوثي بيضة القبان في التحالفات الجديدة.
هنا، تكشف المصادر نفسها أن الرجوب، الذي تصالح مع القاهرة منذ مدّة، التقى في الأسبوع الماضي (على هامش مشاركته في فعاليات خاصة بالكشافة) مسؤولين مصريين، وأبلغهم تأييده وترحيبه بترشّح البرغوثي كشخصية متوافق عليها في الحركة، خلافاً لموقفه السابق. فالرجوب يشتكي الآن من تحالف يجمع الشيخ ورئيس المخابرات ماجد فرج ورئيس الحكومة محمد اشتية، الذين يريدون اشتية خلفاً لأبي مازن، ولذلك قرر تعديل موقفه، كما أنه بادر إلى الاتصال بالبرغوثي في السجن وزيارته أكثر من مرة. وكان لافتاً أن تعثّر التفاهمات عبر الوسيط المصري تزامن مع لقاءات بين مسؤولين في السلطة وممثلين عن «جهاز الأمن العام الإسرائيلي» (الشاباك)، نتج منها إصرار إسرائيلي على رفض إدراج اسم البرغوثي، ما يوحي بضغوط أوقفت الصفقة.
أما عن موقف «حماس»، فيقول عبد القادر إن هناك تمسّكاً من الحركة بإدراج البرغوثي في أيّ صفقة مقبلة، وهو ما يتقاطع مع الرؤية المصرية الجديدة. كما قلّل من أهمية تدخل رام الله للحيلولة دون الإفراج عن الرجل، «لأن الموضوع لدى حماس، وهي التي ستقدّم الأسماء إلى الوسيط المصري». لكن مصادر متعددة في الحركة تنفي وجود حراك حالي في ملف التبادل بسبب التعنت الإسرائيلي، مؤكدة رفض تل أبيب إدراج البرغوثي والأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، أحمد سعدات، في القوائم.
وتشدد المصادر على أن ما يدور في شأن صفقات بين دحلان والبرغوثي أو أيّ صراعات «فتحاوية» داخلية ليس له علاقة بقرار إدراج اسمه، «لأنه شخص يخصّ المقاومة». ومهما يكن، فإن ثمة تشاؤماً عاماً إزاء نجاح مساعي الإفراج عن البرغوثي، إذ إن تحقيق ذلك ضمن صفقة تديرها «حماس»، ثم منافسته عباس في الانتخابات، مسألة تحظى بتقدير إسرائيلي خاص للموقف، غالباً ما سينتهي برفض اللعب على هكذا أوراق، إلا إذا كانت لدى صاحب القرار في تل أبيب قراءة مختلفة.
ويستدرك عبد القادر: «البرغوثي لديه خطّ سياسي ونضالي من جهة، ويتمتع بموقف متّزن مع جميع القوى والفصائل خلافاً للآخرين في مركزية فتح». أما عائلة البرغوثي، فرفضت التعليق على المواقف المرتبطة بمروان، سواء في ما يتصل بالترشح أو التبادل.