الانتخابات والطبخة المسمومة..عماد عفانة

الجمعة 20 ديسمبر 2019 05:30 م / بتوقيت القدس +2GMT
الانتخابات والطبخة المسمومة..عماد عفانة



لا شك أن سلاح الاغتيال الذي استخدمه العدو في وجه الثورة الفلسطينية شكل أداة للتعامل مع الحركة الوطنية الفلسطينية، ليس فقط المقاومة وقادتها بالمفهوم التقليدي، أي اغتيال الجسد والقضاء على ما يحمله من خبرة وفكر وإدارة وحنكة سياسية وعسكرية مؤثرة، بل استهدف أيضاً التأثير على عمل الفصائل وتوجهاتها وبوصلتها السياسية، لجهة التأثير على رؤية وتوجه وسلوك حركات المقاومة عبر فتح خيارات سياسية أمامها في إطار مخططات طويلة المدى لحرف بوصلة البنادق بما يصب في صالح الأجندات الصهيونية.

 غيور آيلاند رئيس مجلس الأمن القومي السابق عبر عن هذا بوضوح عندما أكد أن “المضي نحو الحل السياسي لا يمكن أن ينجح دون المعالجات الأمنية ومواصلة الحرب على الإرهاب”، ما يدلل على أن للاغتيالات دورا في توجيه المرحلة الانتقالية بين الاغتيال والتصفية وبين خلق بيئة مناسبة ومهيئة لما يسميه العدو بالحل السياسي الذي يخدم المنظور الصهيوني.
إعادة تأهيل منظمة التحرير
نجح المشروع الصهيوني في إعادة تأهيل منظمة التحرير حيث حولها من منظمة نضال وتحرر وطني، إلى أداة لسلطة فلسطينية فاسدة وفاقدة للسيادة وتخدم الأمن الصهيوني وتحارب المقاومة.
فبعد انخراط المنظمة في مشروع التسوية بعد عام 1974 مهد العدو الطريق وخلق مسارب محددة لتدجين قيادة المنظمة وحرفها عن مسارها النضالي وهيئها للسير في تحت مزاريب مشروع التسوية.
 فكان لابد من القضاء على النواة الصلبة في حركة فتح التي تشكل العقبة الكبرى أمام الانخراط في وهم التسوية، والتي تمثلت في القيادة التاريخية، بدأها بتغييب خليل الوزير وصلاح خلف وأبو حسن سلامة وسعد صايل ياسر وشخصيات أخرى، وأنهاها بتغييب ياسر عرفات في نوفمبر 2004.
ثم أعاد العدو صياغة السلطة ودورها بعد عام 2005 بأذرعها الأمنية التي تحولت بعد سنوات إلى عبء على القضية الفلسطينية، عبر الدور لذي لعبه الجنرال الأميركي كيث دايتون مع عدد من المستشارين من جنسيات أوروبية وكندية وأميركية للإشراف على هذا المخطط، الذي أثمر بعد بضع سنيين فقط في تغيير عقيدة الأجهزة الأمنية باتجاه محاربة المقاومة، وتقديس التنسيق الأمني، والانقلاب على ثقافة المجتمع الوطنية، وضرب قيم الولاء من الوطن الى لأشخاص والمنافع، وتعزيز ثقافة الاستهلاك وتغليب المصالح الشخصية على الوطنية.
إعادة تأهيل حماس
لم يحتمل العدو الصهيوني تصاعد المقاومة المسلحة في انتفاضة الأقصى، خاصة “العمليات الاستشهادية” في العمق الصهيوني، والتي كان لحماس مركز الثقل فيها.
فأرسل العدو الصهيوني عبر الوسيط المصري رسالة إلى الشيخ أحمد ياسين وقادة حماس الآخرين عام 2003 مفادها أن العدو على وشك تصفية كل قيادة حماس إذا استمرت العمليات الاستشهادية، فردت حماس بأننا جميعا مشاريع شهادة.
ونفذ العدو تهديده، فبعد تغييب سلسلة القيادة في الحركة بدءا من الشيخ أحمد ياسين وليس انتهاءً بعبد العزيز الرنتيسي، ثم إعلان هدنة القاهرة في يناير 2005 ليسدل الستار على انتفاضة الأقصى، ثم حدث التحول السياسي المطلوب صهيونيا، حيث اتجهت حماس نحو التنافس الانتخابي في البلديات والمجلس التشريعي، ونجح الاحتلال في توجيه حركة حماس نحو الداخل الفلسطيني نسبياً لعام أو عامين.
لكن حماس سرعان ما أعادت ترتيب أوراقها وأعادت تركيب وتشكيل بنيتها العسكرية من جديد بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، ونفذت عملية أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط في حزيران/ يونيو 2006 والذي كان بمثابة اعلان فشل مخطط العدو في حرف بوصلة حماس عن نهج المقاومة المسلحة، فلم يعرف العدو من خدع من.
وها هو العدو الصهيوامريكي يحاول مرة أخرى حرف بوصلة بندقية حماس، عبر املاء الانتخابات على الفلسطينيين، لإعادة انتاج الانقسام الفلسطيني، والدخول في دوامة الحكم من جديد، ولتأكيد الامعان في الخديعة، يتمنع عباس عن اصدار مرسوم الانتخابات ليصبح اصدار المرسوم والاكل من الطبخة المسمومة مطلبا وطنيا وشعبيا.
إعادة تأهيل حركة الجهاد الإسلامي
وقد حاول العدو ممارسة نفس طقوس التأهيل مع حركة الجهاد الإسلامي، عبر محاصرة النشاط العسكري للحركة وإضعافه فاغتالت هاني عابد، ومحمود الخواجا وفتحي الشقاقي في مالطا 1995، وطالت الاغتيالات كل القيادة العسكرية تقريبا، وكان اغتيال القائد العسكري بهاء أبو العطا، آخر عمليات الاغتيال حتى الآن، لكن النتيجة تقول إن العدو سجل فشلا على طول الخط في تدجين حركة الجهاد.