حدود وملامح الصفقة: الأمريكية –الروسية- التركية حول سوريا..عمر الرداد

الإثنين 14 أكتوبر 2019 02:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
حدود وملامح الصفقة: الأمريكية –الروسية- التركية حول سوريا..عمر الرداد



لعل من غير الممكن قراءة عملية “نبع السلام” التي ينفذها الجيش التركي في شمال سوريا، بمعزل عن الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية المكلفة بوضع دستور جديد للدولة السورية، الذي تم الإعلان عنه في قمة أنقرة في منتصف أيلول الماضي بين أقطاب إستانا ،وما أعقبه من مباركة تم الإعلان عنها من قبل المبعوث الاممي لسوريا ،بعد لقائه وزير الخارجية السوري “وليد المعلم”ثم الإعلان من قبل الأمين العام للأمم المتحدة عم هذا الانجاز.
تشكيل اللجنة الدستورية، بما يتضمنه من تنازل تركي، جاء في أعقاب تطورات معارك محافظة ادلب، حيث انتصارات الجيش السوري مع روسيا، والتي أسفرت عن استعادة خانشيخون ومحاصرة إحدى نقاط المراقبة التركية “نقطة المورك”،واللقاء العاجل بين الرئيسين “بوتين واردوغان” الذي أكدت مخرجاته أن “صفقة” قد أبرمت بين الجانبين، عنوانها تنازلات تركية، من ابرز ترجماتها الضربة النوعية التي نفذتها أمريكا ضد اجتماع لقيادات فصائل جهادية”جبهة النصرة،أنصار الدين وحراس الدين”،مؤكد أنها كان نتاج تعاون مع الاستخبارات التركية، التي تملك معلومات تفصيلية ومتكاملة عن كافة الفصائل الجهادية في ادلب، وخاصة تسليحها وأسماء قياداتها وكوادرها وتحركاتهم، في إطار علاقة تحالفيه مع تلك الفصائل بدأت مع بداية الأزمة السورية،وأظهرتها اتفاقيات مناطق خفض التوتر.
وإذا كانت القيادة التركية قدمت تنازلات في تشكيل اللجنة الدستورية،بعد عرقلة تشكيلها من خلال حلفائها في المعارضة السورية، وقبلها ما وصف بتنازلات في ادلب شملت رفع الغطاء التركي عن فصائل جهادية، كان التساؤل عن الثمن الذي قبضته تركيا،مقابل تلك التنازلات، خاصة في ظل الإستراتيجية التركية بالتعامل مع الملف السوري،وجوهرها الحيلولة دون إقامة كيانية كردية في شمال سوريا،لما لها من تأثير على الأمن القومي التركي.
ورغم أن لا وجود عسكري لروسيا في مناطق شرق الفرات، إلا ان رفع الغطاء الأمريكي عن الأكراد، وشروع تركيا في الهجوم على الأكراد في شمال سوريا، يرجح أن الرئيس بوتين قام بإقناع الرئيس الأمريكي بالسماح لتركيا بتنفيذ عملية”نبع السلام” الجارية حاليا،بعد اطلاعه على الاتفاق مع الرئيس اردوغان،بخصوص حدود العملية ومدتها الزمنية،ونتائجها المحتملة،بإجبار الأكراد على العودة للدولة السورية،وهو ما يحقق الالتزام بوحدة سوريا، وهو ما يجري بعد الهجوم التركي ،حيث بدأت روسيا جهود وساطة بين الحكومة السورية والأكراد السوريين،وبما يمهد الطريق أمام اللجنة الدستورية، التي وافقت روسيا على ان تكون تحت مظلة الأمم المتحدة،وليس مظلتي استانا او سوتشي.
ولعل السؤال المطروح اليوم انه إذا قدم الرئيس الأمريكي “ترامب” تنازلا للرئيسين”بوتين واردوغان” بالتخلي عن شرق الفرات بما في ذلك دعم الأكراد، فما هي الضمانات التي تم تقديمها ،خاصة من قبل الرئيس بوتين للرئيس “ترامب”، في إطار الصفقة؟ إن جوهر الإستراتيجية الأمريكية في سوريا هو “فعل كل ما يمكن ان يخدم إسرائيل”،والخروج من سوريا،خاصة في ظل الاستعداد للانتخابات الأمريكية،فهل تعهد الرئيس بوتين بإنهاء التواجد الإيراني في سوريا،؟خاصة وان روسيا أقدمت على العديد من الخطوات ضد التواجد الإيراني في سوريا، من بينها إجراء تغييرات ،أفضت لإبعاد قيادات موالية لإيران في الجيش السوري والأجهزة الأمنية السورية،فيما تنسق مع إسرائيل ضرباتها المتكررة والمتواصلة للحرس الثوري الإيراني والمليشيات الإيرانية في سوريا،وهل تعهد الرئيس “بوتين” بإقناع الرئيس الأسد باستئناف المفاوضات السورية- الإسرائيلية،والتوصل لاتفاقية سلام بين الجانبين، كادت أن توقع بين الراحلين”حافظ الأسد ورابين” وتم الاتفاق على حفظها تحت مسمى “وديعة رابين”؟ وهل تعهد بوتين بمعالجة قضايا الإرهاب الذي تمثله “داعش” في مناطق شرق الفرات، بما في ذلك قضايا معتقلي الدول الأوروبية لدى قوات سوريا الديمقراطية،والذين هدد “ترامب” غير مرة بإعادتهم إلى بلادهم التي يحملون جنسياتها ،رغما عن سلطات بلادهم؟
مؤكد أن عمليات”نبع السلام” ستنتهي قريبا،وليس بالضرورة ان تحقق كافة أهدافها،كما تم التخطيط لها من قبل الرئيس اردوغان، بما في ذلك إنشاء المنطقة الآمنة، وإعادة اللاجئين السوريين إليها من تركيا،ووقف خطوط التواصل بين أكراد سوريا وأكراد تركيا، ومؤكد أيضا ان تحديات جديدة ستبرز حول إدارة المنطقة الآمنة التي تخطط تركيا لتسليمها لما يسمى “الجيش الوطني السوري”،ومدى قبول اللاجئين السوريين الإقامة في المنطقة الآمنة الجديدة،إضافة لقضايا التعامل مع تنظيم داعش، وهو الموضوع الذي يقلق الدول الأوروبية،واحتمالات تحول ملف داعش، لورقة ابتزاز بيد الرئيس اردوغان ،لا تقل أهمية عن ورقة اللاجئين السوريين ،التي يهدد اردوغان بإرسالهم الى أوروبا.
معطيات ما بعد “نبع السلام” تشير الى أن بوصلة الحرب في سوريا ستكون باتجاهين، وفقا للصفقة المفترضة المبرمة بين الرئيسين “بوتين وترامب” وهما،الأول: مواصلة الجهود الروسية لإخراج إيران من سوريا، بما يشمل ذلك صدامات مباشرة بين القطاعات العسكرية للجانبين،وزيادة حجم الضربات التي تشنها إسرائيل ضد الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الإيرانية، والثاني: إطلاق يد روسيا والجيش السوري، ودون مشاركة إيرانية، وب”تواطؤ” تركي في حسم ملف ادلب باتجاه استعادة سيطرة الدولة السورية على كافة أراضيها، تمهيدا لانجاز الدستور الجديد وبدء المصالحة والحل السلمي.
كاتب أردني.
oaalraddad@gmail.com