مبادئ غاندي طي النسيان ويلومها القوميين في الهند الحديثة

الأربعاء 02 أكتوبر 2019 12:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
مبادئ غاندي طي النسيان ويلومها القوميين في الهند الحديثة



وكالات / سما /

يصطف الزوار في خشوع أمام متحف وضريح غاندي الكائن بالعاصمة الهندية نيودلهي، وهو يمثل نصبا تذكاريا يبعث مشاعر الشجن في القلوب، حيث تم في هذا المكان اغتيال الزعيم الهندي المهاتما غاندي المدافع عن الحرية والذي يحظى بالتقدير والاحترام، غير أنه يلاحظ أن معظم الزوار الذين جاءوا ليعبروا عن مشاعر الإجلال من الأجانب والقليل منهم من أبناء الهند.

ويقول مرشد سياحي متطوع يقف أمام المدخل "دخل غاندي في طي النسيان من جانب شعبه، وخلال الأعوام الأخيرة كانت أعداد قليلة من الهنود تأتي لزيارة الضريح والمتحف، ويبدو أن الزوار الأجانب أكثر اهتماما بحياته ومبادئه".

ويضيف المرشد السياحي الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته "ربما أصبحنا في الهند مجتمعا يحبذ بشكل أكبرالنمط الاستهلاكي في الحياة، وصرنا مجتمعا أكثر أنقساما على نفسه، أي ابتعدنا عن تعاليم غاندي التي كانت تنادي بغير ذلك، لدرجة أن مثل هذا الزعيم الذي يمثل أيقونة عالمية تعرض للإهمال في مسقط رأسه".

ويتفق مع هذا الرأي أناند جوجارو وهو مهندس يعمل بقطاع تكنولوجيا المعلومات من مدينة بنجالور عاصمة ولاية كارناتاكا الهندية، والذي جاء لزيارة المتحف مع ابنه شينمايا البالغ من العمر عشرة أعوام، وذلك بمناسبة ذكرى مرور 150 عاما على مولد المهاتما غاندي والذي يوافق غداً الأربعاء.

ويقول جوجارو وهو يشير إلى ابنه "الطريقة الوحيدة التي صرنا نتعرف بها نحن الهنود على غاندي هي صورته المطبوعة على أوراق النقد، أو الطرق التي أطلق عليها اسمه، وأشعر بصدق إننا أصبحنا نتسم بالأنانية، فلا أحد يتذكر ما فعله أو التضحيات التي قام بها، ويزداد الانفصال هذا مع إرث غاندي بين أجيال الشباب والأطفال، وهذا هو السبب الذي دفعني لاصطحاب ابني إلى هذا المكان".

وجاء استقلال الهند عن بريطانيا عام 1947 إلى حد كبير عن طريق انتهاج غاندي أسلوب ما يعرف باسم "ساتياجراها" أي العصيان المدني والمقاومة السلمية، وتعني هذه الكلمة حرفيا "القتال من أجل الحقيقة".

وهذه الأستراتيجية التي انتهجها غاندي باتت محل تساؤلات في الهند حاليا، حيث يرفضها عدد متزايد من السياسيين باعتبارها متسامية وغير عملية، ولكنه خارج العمل السياسي لا يزال مصدرا للإلهام.

وينال كثير من القائمين بالحملات الإعلامية الاجتماعية مثل إيلا بهات وراني بانج - المعروفتين بالدفاع عن تمكين المرأة وإعطاء دفعة كبيرة للرعاية الصحية - شهرة كبيرة في أنحاء الهند، غير أن المئات من الأفراد والمجموعات الذين يستمدون الإلهام من غاندي يعملون في هدوء بعيدا عن التألق وسط الجمهور.

وإذا رحلنا عن العاصمة بمسافة مئات الكيلومترات باتجاه وسط الهند، نرى السيدة ميدها باتكار التي نذرت حياتها للاحتجاج على إقامة سد "ساردار ساروفار" على نهر نارمادا، ويعد أحد أكبر مشروعات توليد الكهرباء من القوى المائية وأكثرها ل-اثارة للجدل في العالم.

وتعد حركة "انقذوا نارمادا" التي تتزعمها باتكار منذ 35 عاما، أطول حركة مستلهمة من تعاليم غاندي في العصر الحالي.

وهذه الحملة تتضمن إلى جانب الدعاوى القضائية، مسيرات طويلة واعتصامات وإضرابات عن الطعام على غرار أسلوب غاندي، وأيضا احتجاجات "جال ساتياجراها" غير المعتادة حيث يقف المحتجون داخل المياه التي تصل إلى وسطهم، ويرددون الهتافات والأغاني ويستمعون إلى الخطب.

وتقول باتكار زعيمة الحملات والتي لا تكل "يجب أن يلجأ المرء إلى المقاومة السلمية عندما لا تبالي الدولة بمعاناة المواطنين، ونهدف من خلال هذه الاحتجاجات إلى إثارة ضمير المجتمع لإجبار الحكومة على الاستجابة للمطالب".

ويرجع الفضل لباتكار في صعود حركات المجتمع المدني في الهند، حيث جمعت 200 حركة معا بتأسيس "التحالف الوطني لحركات الشعب".

وهزت حركات الاحتجاج التي تنتهج أسلوب غاندي الهند خلال الأعوام الأخيرة، مثل الحملة ضد الفساد عام 2011 التي أدت إلى استقالة حكومة مانموهان سينج، ولا تزال هذه الحركات تستخدم أسلوبه في الإضراب عن الطعام لفترات طويلة.

كما ألهمت مبادئ غاندي الأفراد والحركات في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك زعيم حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة مارتن لوثر كينج، وبطل مقاومة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا، والثائر التشيكي فاتسلاف هافيل، وزعيمة ميانمار أون سان سو تشي.

ويؤكد علماء الاجتماع وأصحاب الحملات الاحتجاجية أيضا أهمية القيم التي روجها غاندي باعتبارها علاجا للتوترات والصراعات العالمية.

غير أن هذه القيم تواجه مستقبلا حافلا بالاضطراب، مع بزوغ الاتجاهات القومية الهندوسية، وتزايد جرائم الكراهية والاستقطاب الماثل بين الهندوس والمسلمين.

وفي قلب ضريح غاندي يوجد عمود الشهيد الذي يشير إلى الموقع الذي أطلق عليه فيه الرصاص متعصب هندوسي يدعى ناتورام جودسي فأرداه قتيلا.

وتم ربط جودسي - الذي حمل غاندي مسؤولية إضعاف البلاد بالسماح بتقسيمها إلى دولتين الهند وباكستان - بمنظمة "راشتريا سوايامسواك سانج" اليمينية الهندوسية والتي تعد الراعي الإيديولوجي لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.

وفي تصريحات علنية للمتشددين الهندوس وزعماء الحزب الحاكم تم صياغة حديث يلقي اللوم على غاندي باعتباره المتسبب في حدوث انقسام في البلاد، إلى غير ذلك من المساوئ.

ويقول عالم الاجتماع شيف فيسفاناتان إن "نظام الحكم وضع غاندي داخل كرات النفتالين المقاومة للعثة، وهذا العام كان عام العنف والصراع في الهند، بما في ذلك القمع الأمني في كشمير".

ويضيف إنه تم استخدام اسم غاندي وصورته في شعارات وبرامج رسمية مثل حملة "تنظيف الهند"، ولكن لم يتم تطبيق أفكاره، وبالتالي "تم تحويله إلى شيء تافه لا يمكن الاحتفاظ به في الذاكرة".

ويشير فيسفاناتان إلى أنه يتم وصف الحركات المدافعة عن البيئة المعارضة لمحطات الطاقة النووية أو للسدود، وكذلك المقاومة السلمية التي قام بها الانفصاليون في كشمير بأنها " معادية للوطنية" ويحظرها الحكام.

بينما تقول باتكار إن الهنود اليوم أكثر من أية فترة سابقة يحتاجون أفكار غاندي لترشدهم، وتضيف إن "رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أصبح في مواجهة غاندي الآن، وعلى المرء أن يتخذ موقفا مهما كانت التكلفة".

ويوضح المؤرخ راماتشاندرا جوها أن الجوانب الرئيسية من إرث غاندي تتضمن المقاومة السلمية، والترويج للتسامح الديني وإقامة نموذج اقتصادي لا يلحق الضرر بالطبيعة.

ويمثل المهاتما غاندي أهمية بعديد من الجوانب، كما يشير بذلك حفيده والباحث راجموهان غاندي في مقال له نشرته مجلة "إنديا توداي".

ويقول الحفيد في مقاله "في مرحلة ما بعد الحقيقة في عالمنا حيث يحتل دونالد ترامب عناوين الصحف، وتلقى الأقليات المهددة بالإبعاد معاملة سيئة، ويتم تجاهل التهديدات التي يواجهها كوكب الأرض، فإن غاندي الذي مرت على وفاته أكثر من 70 عاما يطل علينا مرارا كرمز يعيد إلينا الثقة باعتباره رمزا مناصرا للحقيقة ومدافعا عن حقوق الأقليات وعن كوكبنا".