قال الدكتور حنا عيسى، الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، "أن التطرف ظاهرة عامة وإنسانية موجودة منذ القدم، وهي ترتبط دائماً بالتعصب الأعمى والإنغلاق الفكري وعدم قبول الرأي الآخر، وتمثل نوعاً من الوعي المزيف وحالة من الهروب إلى الأمام بالإستناد إلى نظرة غير واقعية، وهي تؤدي إلى سلسلة لا متناهية من العنف المضاد الذي يؤدي في النهاية إلى صراعات مدمرة داخل المجتمع، غالبا ما تكون رد فعل على تطرف آخر أو إحتجاجاً على الإعتدال".
وأضاف، "مواجهة ظاهرة التطرف يتطلب وضع استراتيجية طويلة المدى ترتكز على ضرورة نشر الثقافة وتشجيع النقاش والحوار، بحيث يعتبر الحوار حاجة ملحة لا رفاهية فكرية". منوها، "أن مستوى التطرف وتعبيراته تعتمد على العلاقة بمجموعة من العوامل أهمها مدى تخلف المجتمع أو تقدمه، ومدى إنتشار المعرفة والعلاقة بين التحدي والمعني بالتحدي لذلك كانت مظاهر التطرف تنتشر في ظل أوضاع التخلف والجهل والأزمات، وتقترن عادة بالتعصب والتزمت وتختلط فيها ثقافة الأساطير بالأحكام القطعية وبالعدائية".
وأشار عيسى "تعيش الأمة العربية اليوم أسوأ أيامها بسب الاضطرابات والعنف الذي تعيش فيه المنطقة وحالة الانسداد المعرفي، إذ لا يوجد بلد عربي لم تمسه حالة العنف الفكري الذي تمارسه تنظيمات الهوس الديني، وقد سادت حالة من الفوضى والحروب عدد من الدول العربية مما يهدد كيان المجتمعات العربية والاسلامية بمستقبل غامض وحاضر سماته العنف والقتل".
ونوه "بلغت حالة الإنسداد مرحلة تنذر بتفكك الدول العربية إلى كيانات ومجموعات ذات إنتماء طائفي ومذهبي وأحياناً مناطقي، واذا لم يتم تدارك هذا الانزلاق بوعي ومناقشة الأسباب الحقيقية التي قادتنا إلى هذا الدرك من الانحطاط القيمي والأخلاقي سوف تتفكك المنطقة الى دويلات وكانتونات، واذا تتبعنا هذه الاحداث نجد ان تنظيمات الاسلام السياسي هي الحاضن الشرعي لكل كيانات الارهاب بمختلف مسمياته فالمرجعية الفكرية واحدة، والاحداث التي تمت في العراق والتي تمددت حتى سوريا وحالات العنف الدامي الذي شهدته نيجيريا ومالي له مدلولات وقواسم مشتركة وهو الاسلام السياسي الذي يغذي العقول بالكراهية تجاه الاخر المختلف في الاعتقاد".
وبين عيسى ، "تعد مشكلة التطرف، من أكثر القضايا إثارة للجدل والاهتمام من قبل النخب الفكرية فنمو الظاهرة وانتقالها إلى أطوار وأشكال جديدة، ربما لم تكن موجودة من قبل، يدعونا إلى قراءة أكثر عمقا، والتطرف لغة مشتق من الطـرف أي الناحية، أو منتهى كل شيء، وتطرف بمعنى أتى الطرف، وجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط. وكلمة (التطرف) تستدعي للخاطر كلمة الغلو التي تعني تجاوز الحد، وهو من غلا أي زاد وارتفع وجاوز الحد".
ولفت، "التطرف، تعبير يستعمل لوصف أفكار أو أعمال ينظر إليها من قبل مطلقي هذا التعبير بأنها غير مبررة، من ناحية الأفكار، يستعمل هذا التعبير لوصم الأيديولوجية السياسية التي تعتبر بعيدة عن التوجه السياسي للمجتمع، من ناحية الأعمال، يستعمل هذا التعبير في أغلب الأحيان لوصم المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولة تغير سياسية أو اجتماعية، وقد يعني التعبير استعمال وسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف للترويج لجدول أعمال معين".
وتابع عيسى ، "التشدد أو التطرف موجود داخل كل مجتمع وحزب وجماعة فالتعصب للرأي والقناعات، وعلى إلغاء الآخر ونفيه، والتعامل معه بتشدد وحدّة فكرية أو سلوكية، ليس بالنهج الجديد، ولا يختص بفترة زمنية دون أخرى، ولا بمجموعة بشرية معينة، بل هو ظاهرة بشرية طبيعية موجودة منذ وجد الإنسان، وستظل موجودة ما دامت الحياة البشرية؛ لأنه يتعلق بطبائع البشر وميولهم ونفسياتهم".
ونوه، "هذا ما يفسر التصنيفات الشائعة سياسياً داخل كل جماعة أو حزب، من متشددين ومعتدلين، صقور وحمائم، محافظين وإصلاحيين. وإذا فشل أي حزب أو جماعة في احتواء وجهات النظر الداخلية المتباينة، ولم تستطع هذه الأطراف التعايش مع بعضها البعض، فإن ذلك يفضي في كثير من الأحيان إلى انشقاقات وانقسامات".
وقال عيسى ، "التطرف لا ينحصر فى الجانب الديني فحسب، فهناك أشكال مختلفة من التطرف السياسي والثقافي والاجتماعي، وإذا كان التطرف الديني في الوقت الراهن هو الأبرز في المجتمعات العربية والإسلامية كما في المجتمعات الغربية، فإن تطرفاً يسارياً قد ساد المنطقة العربية في فترة الستينيات وبداية السبعينيات، ولم يكن التطرف القومي أحسن حالاً، وغالباً ما كان أصحاب التوجهات الدينية في تلك الفترات يقعون ضحية ذلك التطرف اليساري أو القومي حين وصل اليساريون والقوميون إلى السلطة، فتعرضت الجماعات الدينية للقمع ومصادرة الحريات والاعتقال، وفي بعض الأحيان إلى التصفية والإعدام، بعد أن صودر حقها في التعبير، بل في الوجود، ووجهت لها الاتهامات بالرجعية والعمالة للاستعمار".
وتابع،"يحفظ التاريخ من مختلف المجتمعات في العالم أمثلة كثيرة للتطرف الفردي والجمعي كفرض التشيع في ايران السنية أصلا وبالقوة من قبل الشاه اسماعيل الصفوي قبل ما يقرب من خمسة قرون، وتلك الحادثة مثال واضح للتطرف الفكري والعقائدي والمذهبي، إلا أن هذا التغيير لم يكن ليكتمل الا بالعنف والقمع، أما التمييز العنصري بين السود والبيض فكان أسوأ مثال شهدته أمريكا وجنوب أفريقيا في العصر الحديث".
واستطرد عيسى ،"يأتي القرن العشرون بمثالين غاية في السوء هما فاشية موسوليني في ايطاليا ونازية هتلر في المانيا حيث فرضت عقيدة العرق الأفضل بالعنف والتقتيل ولا ننسى تطرف جوزيف ستالين في تطبيقه القاسي للإشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وكما أن بروز حركات سلفية تكفيرية متطرفة كالحركة الوهابية والاخوان المسلمين في العصر الحديث تعتبر مثالا حيا للتطرف الفكري وفرض العقائد، وهذا يثبت أن التطرف موجود في كل المجتمعات على اختلاف أديانها تقريبا إلا ان الإعلام الغربي ونتيجة لضعف الإعلام في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية يركز الضوء أكثر على التطرف لدى المسلمين، وهناك الكثير من أشكال التطرف كالتطرف السياسي والاجتماعي والثقافي إلا ان التطرف الديني أو المذهبي أو العرقي يعتبر الأخطر على المجتمعات".