على متن طائرة متوجها إلى إسطنبول، عاش الصحافي محمد خيري من مدينة باقة الغربية مساء يوم الأحد، مشاعر مختلفة عن تلك التي كانت تسيطر عليه قبل ساعاتٍ، حينما تم عقدُ قرانه في المحكمة الشرعية في مدينة نابلس، على الصحافية، مجدولين حسونة، التي تسكن في قرية بيت إمرين بالضفة الغربية المُحتلّة، والتي كان مُقرّرًا أن يلتقي وإيّاها في مطار إسطنبول، بعد أن ودعها في نابلس صباحًا.
بعد عقد قرانهما، كان كل من محمد ومجدولين يشقّ طريق العودة إلى تركيا؛ طار محمد عبر مطار "بن غوريون" في اللد، فيما سافرت مجدولين إلى معبر الكرامة قاصدةً مطار عمّان الدولي، على أمل اللقاء في مدينة إسطنبول، حيث يعملان معا في قناة "TRT عربي" التركية، منذ أربع سنوات.
وخلال حفل الخطوبة مساء الجمعة، وبينما كانت عائلتا محمد ومجدولين في قمة السعادة والفرح، لم يرُق الأمر كما يبدو لسلطات الاحتلال الإسرائيلي التي استفزّت مجدولين، وحاولت تنغيص الفرحة، إذ تواصلت مع أهلها هاتفيًا، مهددة ومتوعدة لدرجة دفعت العائلة إلى الاعتقاد بأن الاتّصال، مجرّد مقلبٍ من أحد ما!
في صباح يوم السبت، تجوَّل خيري وخطيبته مجدولين في البلدة القديمة في نابلس. الكثير من الناس كانوا يستوقفون الصحافية مجدولين ويسألون عن أخبارها بعد غياب كونها تُقيم في تركيا نظرًا لأن عملها في القناة يقتضي ذلك، ولم يسمع خيري منهم سوى المديح، حتّى أن أحد الأشخاص قال له: "أحسِن إليها فقد ملكتَ فلسطين في يمينك، وبطلةً من أبطالها الذين لا يخشون قول الحقّ في يسارك"، وكان يزداد خيري فخرا مع كل خطوة وجولة في أسواق البلدة القديمة.
موعد مع الفرح
كان خيري كما مجدولين على موعد مع الفرح، فكّرا سويا كيف يقيمان العرس والفرح، وإشهار عقد القران، فقد سابَقَا الزمن إلى إسطنبول لرسم خطواتهم المستقبلية معًا، وتجهيز عش الزوجية والتحضيرات للاحتفال مع الأصدقاء.
لكن ما جرى هو أن الأمن الإسرائيلي احتجز مجدولين في معبر الكرامة الحدودي لمدة خمس أو ستِّ ساعات، وتم التعامل معها بصورة لا تليق بالتعامل مع صحافي، ثم أخبرها أحد عناصر المخابرات أنها ممنوعة من السفر.
الصحافيّة مجدولين في إحدى الندوات
وعندما استفسرت مجدولين لم يجيبوا على تساؤلاتها، ثم أخبروها أن عليها مراجعة المخابرات الإسرائيلية يوم الإثنين، وهو ما فعلته، إذ عادت إلى قريتها، كي تُراجِع في اليوم التالي المخابرات، وبعد أن ظلت هناك لساعتين أو أكثر، أخبروها بأن تعود صباح الثلاثاء، ثم أخبروها يوم الثلاثاء أن تعود صباح يوم الأربعاء.
ما تزال مجدولين رهينة لتحقيقات المخابرات الإسرائيلية، وكان آخر ما سمعه خيري منها بعد احتجازها خمس ساعات: "محمد هناك مجموعة تقترب مني، ابق معي، لا تغلق الهاتف"، ويضيف خيري: "بعد ذلك لم أسمع صوتها، بل سمعت صوت محتل كئيب يخبرها بأنها ممنوعة من السفر بموجب قرار احتلالي ظالم، ثم ساد الصمت".
وأنا في طريقي للمطار، يسرد خيري: "كنت أحدث أحدهم عما شاهدته منها خلال الأيام الماضية من حب الناس لها، وللقضايا التي تدافع عنها، ولا سيّما قضية الأسرى، قلت متسائلا إنها ’مُلَاحَقَة’، وهذا يحزنني، ولكن أنَّا لهذا الصوت أن يخرس؟، لا وربك سوف يعلو أكثر وأكثر، لسنا ممن يستكين".
"جريمتنا هي أننا فلسطينيّون"
يقول خيري لـ"عرب 48" إن "منع الصحافية مجدولين من السفر لاستئناف حياتها وإكمال واجبها المهني واحتجازها يتعارض مع حرية الرأي والتعبير، ولا علاقة له بالديمقراطية والحرية وهو مستهجن ومستنكر ونطالب بإبطاله".
ويُوضح أن الاحتلال الإسرائيلي لا يترك وسيلة من وسائل التضييق على الشعب الفلسطيني إلا ويستخدمها، قائلا: "ها هو اليوم، مُنع لقاؤُنا، ونتمنى ألا يطول الأمر، ذلك أنني ومجدولين لم نقترف ذنبا أو جرما كي يتم التعامل معنا بهذه الصورة"، مضيفًا: "إنني ومجدولين، نُصرُّ على مواصلة دربنا وعلى تأدية رسالتنا الإعلامية المهنية بيسر وسهولة، وأن نحتفظ بحقنا بالدفاع عن حقوقنا، وقضايانا العادلة، وحقوق شعبنا الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال".
ويُناشد خيري الجمعيات الحقوقية المحلية والدولية، التحرك فورا من أجل إيقاف الإجراءات الإسرائيلية، داعيًا جمعيات حقوق المرأة أن تتحرك لإدانة الاحتلال الذي يحتجز سيدة أثناء سفرها للاحتفال، ويلاحقها ويمنعها من السفر، قائلا: "لم نرتكب جرما نُحاسَب عليه، ونعلم أن كل جريمتنا هي أننا فلسطينيون".
الاحتلال لا يعرف الحب
ويُؤكد خيري يقينه التامّ بأن الاحتلال يسعى إلى التفرقة بين أبناء الشعب الواحد بطرق عنصرية مختلفة، من ضمنها جدار الفصل العنصريّ، واليوم عبر قانون طوارئ عدم لم الشمل، لافتا إلى أن هذه السياسة الظالمة يجب أن تتوقف كونها ضرب من ضروب العنصرية التي تكشف الوجه القبيح للدول غير الديمقراطية، مبينا أن الشعب الفلسطيني يعاني منذ سنوات وما يزال، جرّاء هذه السياسة.
ونحن كزوجين صحافييْن، يقول خيري: "نطالب بأن تكفّ الأجهزة الأمنية عن مساعي التخويف والملاحقة، ونرفض بشكل قاطع أي وصاية على حريتنا بالتعبير. ما تتعرض له الصحافية مجدولين وسام شرف أفتخر فيه، فهي صاحبة المقولة التي أحب... ’ثمة خطأ يرتكبه الصحافي عندما يخرج من نصوصه بريئا غير متهم بوطن’".
وكتب خيري إلى خطيبته التي ما تزال رهينة تحقيقات مخابرات الاحتلال: "غدا ملقانا أنا على يقين، لأن الظلم لن يطول، ستجمعنا إسطنبول من جديد كما جمعتنا حيفا، وتلك قصة سنحكيها معا. أحبك، كما أحب بلادي. الاحتلال لا يعرف الحب".