تشير نتائج بحث جديد إلى أن معظم المعادن الثقيلة في الأرض كانت ناتجة عن نوع من التفجير الذي تغاضى عنه العلماء إلى حد كبير، والذي يسمى بالانهيار.
ويتوقع الباحثون أن يطيح هذا الاكتشاف بالنظريات السائدة حول مصدر العناصر الثقيلة على الأرض مثل الذهب والبلاتين.
من أين جاءت كل هذه العناصر الثقيلة مثل الذهب والبلاتين؟ رغم وضع أكثر من نظرية للإجابة عن هذا السؤال، أشهرها تلك التي ترجع أصل هذه العناصر إلى تصادم نجم نيتروني بآخر من الفئة نفسها أو بثقب أسود، فإن هذه النظريات لا تبدو مقنعة بالنسبة لكثير من العلماء، لتفسير وفرة هذه العناصر على الأرض وفي أرجاء الكون، لذلك فهم يواصلون جهودهم لكشف الحقيقة كاملة.
مصدر جديد
آخر محاولات الإجابة عن هذا السؤال قدمها باحثون من جامعة كولومبيا الأميركية وجامعة جيلف الكندية في دراسة علمية جديدة قالوا فيها إنهم عثروا على المصدر الأهم لهذه العناصر، وهو نوع من الانفجارات النجمية أو المستعرات الأعظمية تجاهله العلماء في السابق، قد يكون مصدر جل العناصر الثقيلة في الكون.
يسمى هذا النوع من المستعرات "الانهيار الجاذبي" collapsar، وهو صنف من المستعرات فوق الأعظمية أو هيبرنوفا، وينتج عن نجوم عملاقة وهرمة تتجاوز كتلتها 30 مرة كتلة الشمس، وتدور حول نفسها بسرعة فائقة أثناء احتضارها وتحولها إلى ثقوب سوداء.
يقول أستاذ الفيزياء دانييل سيغل من جامعة جيلف الكندية والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في مجلة "نيتشر" بتاريخ 13 يونيو/حزيران 2019، "إن حوالي 80% من العناصر الثقيلة في الكون تتشكل على الأرجح خلال هذا النوع من الانهيارات النجمية.
ورغم ندرة وقوع هذا الحدث الفلكي فإنه أغنى بالعناصر الثقيلة من انفجار المستعر الأعظم الذي يحدث في نهاية حياة النجوم الهرمة التي لا تفوت كتلتها 30 مرة كتلة الشمس".
الباحثون رجحوا تشكُل 80% من العناصر الثقيلة في الكون خلال الانهيارات النجمية (رويترز)
ذرات تلتهم النيترونات
لدراسة ذلك أجرى الباحثون محاكاة باستخدام الحواسيب الفائقة لكيفية حدوث انهيار النجوم الهرمة بسبب الجاذبية وتشكيل ثقوب سوداء.
وتظهر نتائج عملية المحاكاة أن أطواق الانهيار الضخمة سريعة الدوران حول النجم المحتضر وتقذف كميات من العناصر الثقيلة تتماثل في توزيعها بشكل مذهل مع ما نلاحظه في نظامنا الشمسي.
كان العلماء قد توصلوا في السابق إلى أن اصطدام نجمين نيترونيين يمكن أن يطلق سلسلة من التفاعلات النووية الخاطفة تصطدم خلالها الأنوية الذرية مع النيترونات الحرة لتوليف عناصر أثقل من الحديد.
غير أن سيغل وزملاءه أدركوا أن هذه الظاهرة نفسها قد تحدث مع الانفجارات الكونية الأخرى مثل الانهيارات النجمية.
وتشمل قائمة العناصر الثقيلة الموجودة على الأرض وفي أي مكان آخر في الكون الذهب والبلاتين، إضافة إلى عنصري اليورانيوم والبلوتونيوم المستخدمين في المفاعلات النووية، وعناصر كيميائية أخرى مثل النيوديميوم وهو من الأتربة النادرة المستخدمة في الإلكترونيات.
في انتظار جيمس ويب
يأمل فريق الباحثين الآن التحقق من النموذج النظري الذي توصلت إليه عمليات الرصد الفلكي.
وقال سيغل إن أجهزة الأشعة تحت الحمراء مثل تلك التي ستكون موجودة على تلسكوب جيمس ويب الفضائي، المقرر إطلاقها عام 2021، ستكون قادرة على اكتشاف الإشعاعات المنبثقة من المجرات البعيدة حيث تحدث الانهيارات النجمية المنتجة للعناصر الثقيلة.
وقال سيغل إن "محاولة تحديد مكان العناصر الثقيلة قد تساعدنا على فهم كيفية تجميع المجرة كيميائيا وتشكلها".
ويضيف العالم الكندي أن ذلك "قد يساعد في الواقع على حل بعض الألغاز الكبيرة في علم الكونيات باعتبار أن العناصر الثقيلة تعتبر أدوات تتبع جيدة لهذا الغرض".