يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان استمرار توظيف المحكمة العليا الإسرائيلية في خدمة المشاريع الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل عام، وفي مدينة القدس الشرقية بشكل خاص، وإصدارها قرارات مخالفة لقواعد القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وكان آخر تلك القرارات ردّ الالتماس الذي تقدّم به عشرات المواطنين الفلسطينيين من سكان حي (بطن الهوى) في بلدة سلوان، جنوب المدينة المحتلة، لإلغاء قرار (الوصي على أملاك الغائبين) القاضي بطردهم من منازلهم، وتسليمها لجمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية.
ووفق تحقيقات المركز، ففي ساعات مساء يوم الأربعاء الموافق 21/11/2018، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية الالتماس المقدم من أهالي حي بطن الهوى في بلدة سلوان، جنوب مدينة القدس الشرقية المحتلة، وسمحت لجمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية بالاستمرار في إجراءات طرد 700 فلسطيني، وإجبارهم على دفع مئات آلاف الشواكل، بادعاء تعويض المستوطنين عن الإجراءات القضائية، وأجرة البيوت للسنوات التي خلت. هذا وكان سكان حي بطن الهوى قد قدموا التماساً ضد قرار الوصي العام (الوصي على أملاك الغائبين)، الذي نصّ على تسليم ثلاثة من عناصر جمعية "عطيريت كوهانيم" الاستيطانية أرضا ًفي الحي المذكور، بادعاء أنها كانت بملكية يهودية قبل العام 1948، والتي يعيش عليها ما يقارب 700 مواطن فلسطيني اليوم. وكانت الجمعية المذكورة، التي تنشط في تهويد مدينة القدس المحتلة، قد قدمت طلبًا بطرد العائلات الفلسطينية بمساعدة المدير العام لوزارة قضاء الاحتلال، وذلك سعيًا منها للاستيلاء على المنطقة، وعلى البنايات المقامة عليها بادعاء ملكيتها لليهود، وقامت بتسليم أكثر من 70 عائلة فلسطينية بلاغات قضائية بذلك.
وفي مساء يوم الأربعاء المذكور، رفض قضاة المحكمة العليا (دفنة براك - إيرز، وبارون فالرون) الالتماس الذي تقدّم به 104 مواطنين فلسطينيين من سكّان حي بطن الهوى ضدّ قرار حارس الأملاك العامّ الصّادر عام 2002 بخصوص "تحرير الأرض التي يسكنون عليها منذ عشرات السنين". وعلى الرغم من أنّ القاضية إيرز رفضت في بداية الأمر طلب المستوطنين برفض الالتماس، لكنها لاحقا أتت بالتفصيل على مواطن الخلل، والمصاعب في الطريقة التي عملت فيها دولة الاحتلال. وكتبت أن الوصي العام نقل الأرض إلى جمعية "عطيريت كوهانيم" دون المبادرة إلى إبلاغ السكان الذين يعيشون عليها لعشرات السنوات. وأكدت أن الوصي العام لم يفحص بتاتاً ما إذا كان التصنيف القضائي للأرض بموجب القانون العثماني يسمح بنقلها. وأشارت إلى أن دولة الاحتلال غيرت موقفها خلال المداولات. وقررت أنها فطنت في المراحل المتأخرة من الإجراءات القضائية لفحص هذه المسألة المعقدة التي لا تزال دون حل. وأضافت بأنه، ورغم كل المشاكل والصعاب، قررت في نهاية المطاف أن المحكمة العليا ليست المكان المناسب لفحص هذه الادعاءات الوقائعية، وأن هذه المشاكل لا تتصل بطريقة عمل الوصي العام، وإنما بالتسوية القانونية، ولذلك فقد تم رفض الالتماس. وبالنتيجة، فمن المتوقع أن يتم، في الأسابيع القريبة، تجديد عشرات دعاوى الإخلاء من قبل جمعية "عطيريت كوهانيم" ضد أكثر من 70 عائلة فلسطينية.
هذا وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى جملة من القرارات التي صدرت في الأيام الأخيرة عن المحكمة العليا الإسرائيلية تدل على "تغيّر جذري في سياساتها"، وذلك برعاية وزيرة القضاء، "أييليت شاكيد"، والتي وصفتها تلك الوسائل بأنها "سيدة الانقلاب في المحكمة العليا، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان الفلسطيني". وكان من ضمن هذه القرارات الأخيرة، رفض قضاة المحكمة العليا استئناف فلسطينيين من حي الشيخ جراح ضد طردهم من منازلهم. يذكر أن الكنيست الإسرائيلي، كان قد صادق بالقراءتين الثانية والثالثة، مساء يوم الاثنين الموافق 19/11/2018، على مشروع قانون يسمح ببناء منازل ووحدات سكنية في مسطحات الحدائق العامة والوطنية، ما يعني السماح بتوسيع مستوطنة "عير دافيد" في بلدة سلوان التي تعتبر من أكثر المناطق استهدافًا من قبل جماعات المستوطنين، وحكومة الاحتلال.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وإذ يدين تلك القرارات، ويؤكد على مخالفتها لقواعد القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنه يدعو المركز المجتمع الدولي والهيئات الأممية للتدخل لوقف جرائم الاحتلال وانتهاكاته المتصاعدة، والعمل على توفير حماية دولية للفلسطينيين في الأرض المحتلة. ويجدد المركز مطالبته للأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة الوفاء بالتزاماتها الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية والتي تتعهد بموجبها بأن تحترم الاتفاقية وأن تكفل احترامها في جميع الأحوال، كذلك التزاماتها الواردة في المادة 146 من الاتفاقية بملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة للاتفاقية، علماً بأن هذه الانتهاكات تعد جرائم حرب وفقاً للمادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين وبموجب البروتوكول الإضافي الأول للاتفاقية في ضمان حق الحماية للمدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.