بعد استقالة ليبرمان حمل نتنياهو حقيبة وزارة الدفاع إضافة الى حمله حقيبتي الخارجية والصحة ومسؤولية رئاسة الوزراء. لم يعد ممكنا ان يحمل أي حقيبة أخرى، فاستقالة أي وزير جديد تعني سقوط حكومته. لماذا هو مضطر لهذا الحمل؟ ولماذا سيكون مضطرا في الغالب الى تقديم تنازلات لشركائه الباقين؟ لماذا هو أولا وأساسا متمسك ببقاء الحكومة؟
بالتأكيد هناك عوامل وضرورات واحتياجات داخلية، انتخابية بالدرجة الأولى وراء ذلك.
لكن لا يمكن تجاهل ارتباط تمسكه باستمرار وزارته بعامل ذي ثقل وحضور مميزين هو ضرورات واحتياجات "صفقة قرن" الرئيس الأميركي وظروف وتوقيت إعلانها وشروط نجاحها.
الرئيس ترامب يريد إعلان صفقه القرن بوجود حكومة ورئيس حكومة في دولة الاحتلال على درجة عالية من القدرة، ومن التوافق والانسجام مع إدارته، يضمن الاعتماد عليها في التعامل المتجاوب مع متطلبات تمرير الصفقة. ولا يريد المجازفة بوصول حكومة جديدة قد لا تكون على نفس الدرجة من الانسجام والتوافق، والقدرة أيضا.
خصوصا وان الصفقة كما يسرب قد تتطلب من دولة الاحتلال تقديم تنازلات ستكون في الغالب مرفوضة من أغلبية مجتمعها وقواها السياسية مهما كانت ثانوية وشكلية. والرفض يتأتى من منطق وقانون وعادة من تعود على الأخذ دون تقديم أي مقابل، وممن يرون في قبول التنازلات، تفريطا وطنيا ودينيا أيديولوجيا وبداية الزوال لكيانهم.
استمرار حكومة نتنياهو ضروري لترامب وصفقة قرنه أيضا، لاستمرار، وربما تطوير، نهج التفاهم والتهدئة مع قطاع غزة والحكم القائم فيه.
ان استمرار نهج التفاهم والتهدئة بين دولة الاحتلال والحكم القائم في غزة وتطويره الى مستويات أعلى، اقتصادية/ إنمائية واجتماعية وإنسانية هو من ميسّرات تمرير صفقة القرن بالتصور والرغبة الأميركية، وقد يكون من ضروراتها. الهدف الأميركي الإسرائيلي الأساسي من وراء نهج التفاهم والتهدئة هو استمرار الحكم القائم في غزة، بالارتباط التام والمشروط مع استمرار الانقسام في الصف الوطني الفلسطيني وقيادته وكيانه السياسي. وهذا ما يمكّن بتصورهما ورغبتهما من استدراج الحكم في غزة الى مربع التعاطي المرن مع صفقة القرن، المرفوضة من الكل الوطني، ومع شروطها وإملاءاتها، او على الأقل تسهيل تمريرها.
حكومة نتنياهو الحالية ظلت في الأشهر الأخيرة تبدي تجاوبا ملموسا مع النهج المذكور عبر عن نفسه بأكثر من شكل، على الرغم ان هذا التجاوب وتعبيراته انعكس سلبا على أوضاعها الداخلية وعلى تماسك الحكومة القائمة نفسها.
هنا لا بد من الاستدراك السريع:
1- ان هذا النهج يجب ألا يقود بالضرورة الى النجاح في استدراج الحكم القائم في غزة كما هي الرغبة الأميركية الإسرائيلية. ولا يعني بالضرورة استعداده للتجاوب مع خطة الاستدراج.
لكن الأمور، وبغض النظر عن النوايا تبقى محكومة الى توازن القوى المحلية والإقليمية والدولية. وتبقى متأثرة أيضا، بتراكم الارتباطات والاتفاقات والمصالح المشتركة إذا ما حصل وتمت إقامتها. 2- لا يمكن تجاهل او التقليل من قيمة وتأثير ما أكدته الاشتباكات الأخيرة بين تنظيمات المقاومة وقوات دولة الاحتلال من حقائق فرضت نفسها ودفعت دولة الاحتلال للقبول بما لم تكن لتقبل به، وأوصلتها الى ما تواجهه من مشاكل داخلية والى التفكك في حكومتها.
في مقدمة هذه الحقائق: وحدة الموقف الوطني الفلسطيني العام والموقف السياسي، وحدة المواجهة العسكرية وقيادتها وتطور أسلحتها، ودرجة الندّية العالية في القدرة على توقيع الخسائر.
مع استقرار حكومة الاحتلال، ولو المؤقت، تحرر الرئيس ترامب من احتمال الاضطرار الى إعلان صفقة القرن قبيل او خلال فترة الدعاية لانتخابات مبكرة في دولة الاحتلال، وهو خيار لم يكن يحبذه، وإلا تحولت الانتخابات الى استفتاء على صفقة القرن.
لقد نجح نتنياهو في تجاوز سقوط الحكومة الآن، بل ان درجة تحكمه وسيطرته على أوضاع وخطط وقرارات الحكومة قد تعمقت.
وهو من هذا الموقع يعلن صراحة عن خطة عنوانها التصلب والتصعيد والتهديد: "...اننا في اكثر المراحل الأمنية تعقيدا، وفي فترة كهذه لا نسقط حكومة، وأثناء عملية عسكرية لا نهرب ولا نلعب بالسياسة..." ومع إعلانه عدم إمكانية الكشف عن تفاصيل خطته يؤكد ان الخطة تأتي "أثناء عملية عسكرية" ويؤكد التزامه بأمن سكان دولة الاحتلال، وسكان الجنوب منهم بشكل خاص، ويؤكد - في استجابة علنية لاحد شروط بينيت - "ان الخان الأحمر سيتم هدمه قريبا". فيعطي بتأكيداته الاتجاهات الرئيسية لخطته.
نتنياهو سيدفع بقوة ليؤجل الرئيس الأميركي إعلان صفقة القرن لأن التسرع بإعلانها سيضر بحكومته وبحملته الانتخابية. ونتنياهو، سيركب في حملته مركب التصلب والتصعيد والتهديد والمزايدة على منافسيه، وسيكون وقود حملته ونارها حقوق الشعب الفلسطيني وأراضيه وأبنيته ومقدساته وحرياته ووحدته.
وفي المقابل، فإنه وبالانسجام والتوافق مع متطلبات صفقة القرن الأميركية وخدمتها، فإنه سيستمر في التعاطي مع نهج التفاهم والتهدئة مع الحكم القائم في غزة، في مسعى للوصول الى الهدف الأميركي الإسرائيلي الأساسي لهذا النهج، كما تم ذكره سابقا. ولكنه سيقوم بذلك من على نفس مركب التصلب والتصعيد والتهديد و"أثناء العملية العسكرية".
وإذا كان من المرجح ان يحقق نتنياهو نجاحات على مستوى دولة الاحتلال والانتخابات القادمة وأيضا في تحسين وضعه مع البوليس في القضايا التي يتم التحقيق معه فيها، فإنه من غير المرجح ان يحقق اختراقا نوعيا على مستوى نهج التفاهم والتهدئة.