المصالحة: فاصل ونعود...رجب أبو سرية

الجمعة 23 نوفمبر 2018 12:27 م / بتوقيت القدس +2GMT
المصالحة: فاصل ونعود...رجب أبو سرية



ما أن تم ضبط التصعيد الأمني على جبهة غزة، حتى سارعت مصر إلى التحضير لجولة جديدة من لقاءات المصالحة في القاهرة، وذلك لأنها تدرك أن ممر المصالحة إنما هو ممر إجباري لكسر الحصار عن غزة، وأن تبدد الأمل في تحقيقها، يدفع "حماس" بالتحديد إلى الخيار الآخر المتمثل في مناطحة إسرائيل، لتحقيق ذلك الهدف، ولأن مصر أيضاً، في حقيقة الأمر، في سباق مع الخط القطري المفتوح على "حماس"، والذي يزيّن لها إمكانية التخفيف عنها دون الولوج في ذلك الممر الذي نعتبره نحن إجبارياً، ونقصد به ممر المصالحة الوطنية.
لذلك لن يغلق ملف المصالحة بتقديرنا أياً تكن النتائج، لأن مصر وراءه، رغم أن شقة الخلاف ما زالت قائمة، ورغم أن أطرافاً أخرى إقليمية تسعى لإخراجه من ذلك السياق، أي من مجرى الرعاية المصرية بالتحديد، لذا لم يكن فاصل التصعيد الأخير في غزة، إلا أشبه بفاصل ونعود، وها هو وفد "حماس" يصل القاهرة، في انتظار ما هو جديد ليتم إبلاغ رام الله به حتى ترسل بدروها وفدها إلى العاصمة المصرية.
الجديد المثير في وفد "حماس" هذه المرة، هو أنه كان ضخماً كما لو كانت "حماس" ترسل وفداً لمؤتمر وليس لاجتماع، فقد تجاوز عدد أفراد الوفد الثلاثين عضواً، هذا قبل أن ينضم للوفد أعضاؤه من الخارج ومن الضفة الغربية، وفي تفسيرها لهذا الأمر قالت أوساط "حماس": إن أعضاء الوفد من النواب برئاسة محمود الزهار، ذاهبون في جولة خارجية، أي خارج مصر العربية للالتقاء بنظرائهم في عدد من الدول العربية والإسلامية.
كذلك أشارت أوساط "حماس" إلى نية الشيخ إسماعيل هنية نفسه السفر قريباً من أجل زيارة عدد من الدول العربية والإسلامية والدولية، وهذا يعتبر بتقديرنا أمراً لم يحدث من قبل إلا نادراً، وكأن القاهرة في سماحها لوفد "حماس" البرلماني، بالسفر للخارج، تقدم ما يغري "حماس" للاستمرار في إظهار الاعتدال والتعقل، وفي مواصلة الاستجابة للسياسة المصرية القائمة على التوازن بين ملفي التهدئة والمصالحة، وفي احتواء الإغراء القطري المضاد، والمتمثل في تقديم خدمات السولار والدولار.
وربما أن الموافقة المصرية على خروج هنية في جولة خارجية ستعتمد على نتائج لقاء وفد المصالحة في القاهرة من جهة، وعلى برنامج الوفد النيابي في الخارج من جهة أخرى، ذلك أن موعد خروج هنية في جولته الخارجية لم يحدد بعد، كذلك فإن برنامج الزيارة لم يحدد بعد أيضاً. ويقيناً إن زيارة كل من الوفد البرلماني وإسماعيل هنية لاحقاً، إن كانت ستشمل قطر أو تركيا أو كلتيهما، فإن مصر ستبدي امتعاضها من "حماس".
أما بالعودة إلى ملف المصالحة، فإن "حماس" بعد فاصل التصعيد الأخير قد شعرت بقوة "تفاوضية" أكبر، كذلك كان من شأن دخول الأموال القطرية لغزة، وضخ "الدم الشحيح" في عروق موظفيها بغزة، قد أنشعها قليلاً، لدرجة باتت معها رام الله، مطالبة بتقديم شيء ما تجاه ملف المصالحة، حتى تستمر عجلاتها في الدوران، وأقله، كما حدث الشهر الماضي، هو وقف أو تأجيل اتخاذ أي إجراءات عقابية إضافية، ليس بحق غزة فقط، ولكن أيضاً بحق "حماس"، فقد تم احتواء، إلى اللحظة، ما يمكن أن ينتج عن اجتماع اللجنة المكلفة من قبل المجلس المركزي باتخاذ مثل تلك الإجراءات.
موقف "حماس" الذي نشير إليه يتلخص الآن، قبل بدء الجولة التفاوضية في القاهرة، ويتمحور حول أن الخلاف بات محصوراً، في تشكيل حكومة وحدة وطنية، ومن ثم إجراء الانتخابات، مقابل موقف السلطة المركزية المتمثل في تمكين حكومة التوافق الحالية من حكم غزة.
لكن الإشارة الإيجابية بهذا الخصوص جاءت من قبل الرئيس محمود عباس، الذي قال قبل أيام: إن هناك أجواء إيجابية لتحقيق المصالحة، وربما كان مبعث ذلك هو ما حدث في كل من واشنطن وتل أبيب من متغيرات، لها علاقة بنتيجة انتخابات الكونغرس النصفية قبل أسبوعين، وما تلاها من انسحاب حزب إسرائيل بيتنا برئاسة أفيغدور ليبرمان من حكومة بنيامين نتنياهو، وبالتالي إضعافها، لدرجة الحديث عن احتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في إسرائيل، بما يشوش على صفقة ترامب، لدرجة أن يتم تأجيل طرحها، أو حتى طرح خطة بديلة، ربما هي الخطة الفرنسية.
لكن الترتيب الفلسطيني الداخلي مطلوب في كل الأحوال، حتى لو ظن أو اعتقد هذا الطرف أو ذاك أنه قدم التنازل، فقد أظهرت معركة الخان الأحمر، كذلك التصعيد الأخير في غزة، أن هناك ما يمكن أن تخسره إسرائيل من التصعيد على الجبهة الفلسطينية، وأمامها جبهتان، أولهما الجبهة الشمالية حيث إيران و"حزب الله" وسورية، وهناك الاختراق للمحيط العربي في جبهة التطبيع، وحيث أن جبهة الشمال توجد بها أصابع روسيا، فإن يد إسرائيل تكاد تكون مكبلة، وفي التطبيع ما يغري إسرائيل بتحقيق أحلام عريضة لها علاقة بالشرق الأوسط الجديد الذي كان يبشر به شمعون بيريز منذ ربع قرن من الآن، لذا فإن فتح الجبهة الفلسطينية على مصراعيها يمكنه أن يخلط الأوراق في وجه إسرائيل.
من مصلحة إسرائيل إذاً، أن تبقى الأمور كما هي دون أي مستجد خاص على الجبهة الفلسطينية، حتى يتم طرح خطة ترامب على أقل تقدير، ذلك لأن طرح الخطة يمكنه أيضاً أن يثير لغطاً إسرائيلياً داخلياً، قد يدفع الأمور إلى حد إسقاط الحكومة، وحيث أن المشاكل لم تتوقف عند هذا الحد، فإن ترامب أيضاً يواجه مشكلة احتواء ما نجم عن مصرع الصحافي السعودي جمال خاشقجي من تهديد لرأس النظام السعودي الحليف ومن قدرته على التحشيد مع إسرائيل لمواجهة إيران ولترتيب معادلة الإقليم كما يريد من خلال صفقته المشبوهة.
أي أن هناك أفقاً لتحقيق المصالحة أخيراً وإنهاء الانقسام، شرط أن يحسم طرفاه أمرهما، فيما يخص بعض علاقاتهما الإقليمية، وشرط أن يلقيا بنفسيهما في حضن الشعب الفلسطيني القادر على حماية أفراده وفصائله من كل بطش وتهديد خارجي.
Rajab22@hotmail.com