النخب الفلسطينية من تراجع الدور إلى التآكل.. محمد حجازي

الأربعاء 21 نوفمبر 2018 03:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
النخب الفلسطينية من تراجع الدور إلى التآكل.. محمد حجازي



بدون أدنى شك أن تراجعا هائلا حدث للنخب السياسية الفلسطينية طيلة الفترة الماضية، وتحديدا منذ عهد أوسلو و انتقال منظمة التحرير من صيغتها الثورية الكفاحية إلى صيغتها الدولانية أي " الانتقال إلى بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية "، رغم أنه مع نهاية السبعينيات و بداية الثمانيات بدأت النخب السياسية بالتفكير الجدي البرامجي عن الدولة الفلسطينية في إطار التسوية السياسية ، ووصل الأمر لتحديد وظيفة الدولة وشكل البنية السياسية التي تحكم، أي النظام العام للدولة و التي عبرت عنه وثيقة الاستقلال التي صدرت في 15 نوفمبر 1988 في دورة المجلس الوطني التي عقدت في الجزائر آنذاك.

بلغ تراجع دور النخب السياسية ذروته مع تشكل السلطة الفلسطينية متأثرة بالفوضى العارمة التي رافقت بناء المؤسسات وأساليب التوظيف العشوائية التي تمت ، وظن البعض أن الدولة الفلسطينية قد تشكلت بمجرد أن شاهدوا الرئيس الراحل ياسر عرفات يستعرض حرس الشرف ،استوعبت السلطة الفلسطينية معظم النخب السياسية التي قدمت إلى أرض الوطن وقد كان هذا تحولاً كبيراً حيث أن وجود هذه النخب في بنية السلطة الفلسطينية أفقدها استقلاليتها و قدرتها على النقد أمام مظاهر الفساد وضعف الأداء، إلى جانب التغير الذي أصاب بنية السلطة التي، بدلاً من أن تكون جسرا أو بنية إدارية سياسية جاهزة للتحول إلى دولة كاملة السيادة ، أصبحت حلا نهائيا مجتزءا ومعيقا لطموح الفلسطينيين ، اندماج النخب السياسية في السلطة ساهم أيضا في إنتاج نخب يائسة يتم ابتزازها بلقمة العيش، وانتشر النفاق السياسي بدرجات كبيرة وتمجيد كل اشكال القيادة من خلال البحث عن انتصارات وهمية وممارسة الدجل السياسي و الشعوذة الفكرية .

جاء الانقسام الفلسطيني ليحدث تراجعا كبيرا ايضا في دور النخب السياسية ، التي انقسمت فيما بينها متأثرة بحالة الانقسام ، و الانقسام ليس بالمعنى البنيوي بل بالمعنى السياسي و الفكري بين وجهات نظر مختلفة في توصيف حالة الانقسام الفلسطيني، وتحديدا الموقف من الإسلام السياسي الفلسطيني ودوره وتأثيره على القضية الفلسطينية ، لم تعي معظم النخب السياسية وخاصة التي تنتمي للفصائل الفلسطينية وبالأخص اليسارية منها، مدلولات بروز الإسلام السياسي الذي بلغ ذروته بالسيطرة على قطاع غزة في 14 حزيران 2007 من قبل حركة حماس التي تمتد جذورها إلى حركة الإخوان المسلمين ، و المسألة هنا ليس مجرد صندوق اقتراع بل بمفهوم حركة حماس لطبيعة المجتمع الذي تسعى لبنائه، وبالموقف من الوطنية الفلسطينية، حيث برز التساؤل عن كيف يمكن لحزب سياسي مثل حركة حماس ينادي بالخلافة الإسلامية وذو بنية حزبية دولية أن يوفق بين ذلك وبين أن يكون جزءاً من مرحلة التحرر الوطني التي تقتضي التوافق على برنامج وطني يشكل حدا مقبولا للجميع وهو شرط أساسي لهزيمة المشروع الاستعماري الكولونيالي الذي استوطن أرض فلسطين .

عدم قدرة النخب السياسية الفلسطينية من أن تشكل رأيا فلسطينيا عاما لمواجهة الانقسام و التطرف المجتمعي وتأمين الحماية المجتمعية للفلسطينيين وصون الحريات العامة ، في ظل الانقسام الذي شهد اعتداء على الحريات العامة بشكل غير مسبوق تحت تأثير الصراع على السلطة و هي تحت الاحتلال ، و في ذروة الصراع بين حركتي حماس وفتح برز دور المثقف المزيف و المتملق الذي يدافع عن مصالحه بشكل رديء .

من الواضح أن النخب السياسية علقت لفترة ليست بقليلة بالانقسام الذي أخذ جهدا ووقتا كبيرا على حساب تصويب وضع الحكم وبناء المؤسسات ونقاش حالة السلطة والدولة ومواجهة المتغيرات التي تحدث في بنية المجتمع الإسرائيلي الذي ينزاح بمعظمة نحو اليمين واليمين المتطرف ، إلى جانب مخططات العدو الاسرائيلي سواء في تهويد القدس وفرض حل على الضفة الغربية ، لم تشتغل النخب السياسية كفاية بالقضايا الوطنية الكبرى في مواجهة التطرف و الاستيطان الاسرائيلي وطبيعة التحولات الكبرى في البنية السياسية للدولة العبرية .

فجأة وبدون مقدمات وجدت النخب السياسية نفسها أمام معضلة فشل حل الدولتين، وسيناريوهات حل السلطة أو التحول نحو دولة تحت الاحتلال ، الذي يقتضي من النخب السياسية تقديم حلول و ودراسات معمقة حول كيفية إعادة تعريف العلاقة مع الاحتلال بعد ما أوصلنا الاحتلال لما نحن عليه ، وأيضا قضية سحب الاعتراف بإسرائيل و الخروج من عباءة أوسلو ومن اتفاقية باريس الاقتصادية التي جعلت الاقتصاد الفلسطيني حبيسا وتابعا للاقتصاد الإسرائيلي، كل هذه الأسئلة و المعضلات لم نجد الاجوبة عليها ولم نقدم حلولا وأجزم أننا لم نبدأ بعد ، حتى الفصائل الفلسطينية وخاصة اليسارية التي تطالب قيادة السلطة بتنفيذ ما سبق، لم تكلف نفسها بالبحث وتقديم دراسات عن كيفية تنفيذ معظم الأسئلة المطروحة .

محاولات بعض النخب السياسية من تشكيل إطارات أو تجمعات غير حزبية للتصدي لحالة الفوضى التي نعيشها ما هي إلا قفز بالهواء بدون نتائج مرضية رغم بعض النجاحات هنا وهناك، وهذه الخطوات تبقى ناقصة إذا لم تبدأ القوى اليسارية في حل خلافاتها الصغيرة وتبدأ بتشكل التيار الوطني الديمقراطي العريض، و إذا لم تبدأ القوى اليسارية في الخطوة الأولى ، لن يخرج البديل الثوري الديمقراطي الذي من الممكن أن يتشكل من مختلف النخب السياسية التي تؤمن بالخيار الديمقراطي و بالوطنية الفلسطينية يشكل رئيسي.

وعن البديل الثوري الديمقراطي لنا حديث

هامش : النخب السياسية التي نقصدها التي لا تحكم وبعيدة عن مركز صناعة القرار سواء في السلطة الفلسطينية أو لدى سلطة حماس في غزة