التهدئة وكشف المستور...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 13 نوفمبر 2018 11:07 ص / بتوقيت القدس +2GMT
التهدئة وكشف المستور...مهند عبد الحميد



خبر أول: نتنياهو يقول إن إدخال الأموال القطرية إلى غزة خطوة صحيحة وضرورية لإعادة الهدوء إلى الجنوب. خبر ثانٍ: مصدر إسرائيلي يقول إن الأموال القطرية أدخلت إلى غزة باتفاق جميع الأطراف لصرف رواتب حماس. خبر ثالث: السنوار يقول: لا علاقة للأموال القطرية بأي اتفاق تهدئة. خبر رابع: العمادي يتحدث عن منحة موظفي غزة ويكشف اتفاقه مع الإسرائيليين. خبر خامس: اللواء احتياط عاموس يادلين يقول: سيستمر التقدم نحو تسوية مع حماس لأن كلا الجانبين يملك القدرة على احتواء الحدث، المقصود هنا الاعتداء الذي حدث بالأمس داخل القطاع وأفضى إلى استشهاد 7 مقاومين فلسطينيين ومقتل ضابط إسرائيلي. خبر سادس: محادثات بين إسرائيل وقطر لفتح خط مائي اقتصادي بين قبرص وقطاع غزة بإشراف دولي وبناء على مصادقة أمنية إسرائيلية. خبر سابع: أكد وكيل وزارة التنمية الاجتماعية يوسف إبراهيم، أنّه سيتم بدءًا من صباح السبت صرف مبلغ 100 دولار لـ 50 ألف أسرة في قطاع غزّة - المساعدة القطرية - عبر بنوك البريد بدءًا من الساعة 12 ظهراً ولمدة ثلاثة أيام. خبر ثامن: كشفت قناة «كان العبرية» عن موافقة الكابينيت على الخطوة الثانية من خطوات الترتيبات مع حركة حماس في قطاع غزة، وتتمثل هذه الخطوة بإعادة تأهيل قطاع غزة». 
الأخبار السابقة متناسقة ومنسجمة مع بعضها البعض باستثناء الخبر الذي ورد على لسان السنوار، وهي تتحدث عن تفاهمات أبعد من تهدئة ولها مغزى سياسي كبير. 
تفاهمات سياسية تمس القضية الوطنية، تحت مسمى «السلام الاقتصادي» الذي تحدث عنه نتنياهو سابقا وكان يسعى إليه منذ وقت طويل. 
استجابة حركة حماس تعني أن أهداف الحصار والخنق الإسرائيلي لقطاع غزة بدأت تؤتي أكلها السياسي عبر التفاهمات التي يجري استكمالها بمفاوضات متواصلة غير مباشرة. 
مفاوضات تشارك فيها دول إقليمية ودولية، وتحظى بدعم إدارة ترامب. وهذا يعني أن التفاهمات الجارية ترتبط بما تسمى «صفقة القرن» التي تعمل حثيثا على تفكيك وتصفية القضية الوطنية، والتي ركزت في المرحلة الأخيرة على قطاع غزة كحلقة أضعف، مستفيدة ومستخدمة ضائقته الحياتية الخانقة، ومستغلة رغبة حركة حماس بالبقاء في الحكم بأي ثمن، كي يبقى قطاع غزة مركزاً لسلطتها كما قال أحد قادتها «إن قدر قطاع غزة أن يبقى تحت سيطرة حركة حماس إلى الأبد» وأن يبقى قطاع غزة مركزاً للإخوان المسلمين، حيث يعاد تصديرهم مرة أخرى للمشهد السياسي، هذه المرة من بوابة صفقة القرن، كما كانت كل المرات السابقة من بوابات الدول الاستعمارية أو الدول المرتبطة بها. 
والأهم تتضمن العملية فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وعن كل عناصر القضية الفلسطينية ومكونات الشعب الفلسطيني. 
إن فرض حل من طرف واحد وبالمواصفات الكاملة التي ترغب بها الدولة المحتلة هو الدرس الذي استخلصه المحتلون من مفاوضات كامب ديفيد 2000 برعاية الرئيس الأميركي بل كلينتون. 
وهذا يعني تحصيل حاصل شطب الحقوق الوطنية وحق تقرير المصير وحقوق الإنسان، ومع هذا الشطب فإن الجانب الاقتصادي الذي يكثف السياسة لن يجلب السمن والعسل للسواد الأعظم من الناس، كما حدث في المرة الأولى بعد أوسلو ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمات المعيشية، فليس لدى المحتلين ودول البترو دولار ما يقدمونه للشعوب، غير الفتات. الحل الاقتصادي كان كذبة كبرى في اليمن ومصر والأردن وفلسطين. ولن يكون حلاً اقتصاديا وإنسانيا بمعزل عن حرية وتحرر وكرامة الشعب. ويمكن إضافة بعد آخر في التجربة مع الإسرائيليين وهو التفنن في التراجع وعدم الالتزام بأي اتفاق، وتحويل بنوده إلى بنود أخرى والعمل بانتقائية معززة بغطرسة القوة التي تعتمدها إسرائيل مرجعية وحيدة وناظما لكل مواقفها وعلاقتها مع الشعب الفلسطيني، إضافة إلى عدم احترام المواعيد انطلاقا من مقولة: «لا توجد مواعيد مقدسة».  
ما سيحدث هو إعادة بناء السيطرة على قطاع غزة ضمن تقاسم وظيفي جديد، تتحكم فيه دولة الاحتلال بالأمن وبالبنية الاقتصادية الجديدة وبالفصل السياسي، وتسيطر فيه حركة حماس على السكان وتضبط نشاطهم بما ينسجم مع استراتيجيتها في السيطرة على المجتمع. 
وهذا يعني إعادة إنتاج اتفاق أوسلو بما يتفق مع التحولات والمتغيرات الإسرائيلية نحو اليمين والعنصرية. 
سيكون الوعد بتأمين المياه والكهرباء والسلع والعمل مقابل الهدوء والأمن لغلاف غزة  في الجهة الإسرائيلية. 
وسيكون الحل الاقتصادي المزعوم عاجزاً عن تلبية احتياجات الناس الأساسية، فكل خطط التنمية وإعادة الإعمار التي أشرفت عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها في فلسطين وفي دول العالم الثالث عموما ولم تؤد إلا للأزمات والمزيد من المعاناة، وثمة ألف دليل ودليل على خضوع الاقتصاد ومسمياته من التنمية والاستثمار والمشاريع وغيره للسياسة القائمة على الهيمنة وتثبيت الاحتلال في الحالة الإسرائيلية. 
ما يجري من تفاوض وتفاهمات بين حركة حماس ودولة الاحتلال، يفسر لماذا بادرت الحركة إلى مسيرات العودة، التي لم يكن لها أي وظيفة بالعودة ولا بمناهضة صفقة القرن، ثم لماذا حولت المسيرات إلى اختراق للحدود ولمواجهات وبالونات وطائرات ترسل الحرائق للإسرائيليين.  وما ترتب على ذلك من سقوط ضحايا وخسائر بشرية من طرف واحد، وهي تعرف أن القتل هو اللعبة الأمنية المفضلة لدى جيش الاحتلال. 
انتقلت حماس إلى مستوى من العنف كبديل لصيغة حرب 2012 ولحرب 2014، أرادت عنفا مسيطراً عليه للتحريك تستطيع التفاوض عليه بأريحية لاسيما وأن إسرائيل في هذا النوع من المواجهة تكون في موقع من يرتكب جرائم حرب ضد محتجين سلميين، وتكون تحت ضغط جمهورها الذي تشوشت حياته بالحرائق.
فالعنف أو العمل العسكري هو امتداد للسياسة بأشكال عنيفة، وسياسة حماس معروفة، هي تثبيت سلطتها والسيطرة على أكثر من مليوني إنسان. وتجاوز أزمتها في الحكم حيث لم تعد قادرة على تأمين المال لموظفيها وأنصارها، مع أنها تؤمن المال لمقاتليها عبر مقايضة سلاح المقاومة مع إيران. 
معايير حماس محض فئوية، فهي لا يهمها خسائر ومعاناة شعبها ولا مصيره وحقوقه الوطنية، وقد مضت في لعبة اختطاف الشعب إلى النهاية المأساوية. 
وقد أبدعت في توظيف سلاح المقاومة لاكتساب شرعيتها الشعبية، وفي تثبيت سلطتها وصولاً إلى مقايضتها بصفقة القرن، غير أن التفاهمات التي تبرمها مقابل توفير الأمن الإسرائيلي وإزالة أي تهديد يعكر صفو ذلك الأمن. 
هذه التفاهمات ستزيل الاستخدام الذكي للمقاومة وسلاحها، وستظهر حماس بلا مساحيق أو رتوش. لتعود إلى أصولها في المنشأ.