أثبتت انتخابات الكونغرس الأميركي التي جرت الأربعاء المنصرم أن الغالبية الساحقة من الشعب الأميركي تشعر بالخجل من وجود ترامب على رأس هرم السلطة فيها.
الجمهوريون توجهوا للانتخابات التي شملت انتخاب جميع مقاعد مجلس النواب وثلث مقاعد مجلس الشيوخ وهم يشعرون بأن الوضع الاقتصادي الأميركي في أفضل حالاته منذ سنين طويلة. لا يشهد فقط الاقتصاد الأميركي نسبة نمو مرتفعة لم تتحقق منذ سنين طويلة، ولكن نسبة البطالة أيضاً وصلت الى أقل من 3 في المائة، وهي نسبة لم تصل لها أميركا منذ خمسة عقود، وفق معلومات أوردتها نيويورك تايمز.
التصويت إذاً لم يكن على سياسات ترامب الاقتصادية ولكن على شخصه: على سياساته العنصرية التي تحرض على المهاجرين بتوصيفهم على أنهم مجموعات من القتلة المجرمين، وعلى توصيفه للأميركيين الأفارقة بأنهم أقل ذكاء من نظرائهم الأميركيين البيض.
والتصويت كان على تعامله المهين مع المرأة الأميركية وعلى تحريضه على حرية الإعلام وعلى مؤسسات الدولة الأميركية نفسها.
ويمكن أيضاً القول بأن التصويت كان على إرث الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما حيث جعل الديمقراطيون من مسألة الرعاية الصحية قضيتهم الأولى في هذه الانتخابات.
الإعلام الأميركي يقول إن أعداد المشاركين في الانتخابات الأميركية لم يسبق لها مثيل في انتخابات نصفية غالبية المشاركين فيها كانت من المهاجرين ومن الأميركيين الأفارقة وسكان المدن الذين يشعرون بالإهانة من تمثيل ترامب لهم أمام العالم.
صحيح بأن الجمهوريين احتفظوا بأغلبيتهم في مجلس الشيوخ، لكن هذا يعود فقط الى أن الانتخابات شملت فقط ثلث مقاعد مجلس الشيوخ وليس جميعها كما حال مجلس النواب، كما أن المصادفة ساعدتهم، حيث إن الثلث الذي جرت عليهم الانتخابات كانت في ولايات تصوت تاريخياً للحزب الجمهوري وهي ولايات غالبيتها تعتمد على الزراعة كمصدر أساسي لدخلها. بمعنى آخر، فإن فئات المهاجرين وفئة العمال الصناعيين فيها قليلة.
هزيمة ترامب لها أسباب أخرى؛ منها محاولات ترامب تحويل الحزب الجمهوري الى حزب يميني متطرف من خلال تبنيه مرشحين متطرفين في بعض الولايات ومهاجمته آخرين من حزبه لا يتفقون مع سياساته. بالمحصلة، يقول الاعلام الأميركي، إن الجمهوريين خاضوا الانتخابات وهم منقسمون على أنفسهم، يضاف لذلك بالتأكيد هيمنة خطاب الكراهية على رسائل ترامب والتي جردت الجمهوريين من القدرة على التغني بنجاحاتهم الاقتصادية.
هزيمة ترامب سيكون لها تداعيات أميركية محلية ودولية بالتأكيد.
أميركياً، لم يعد ترامب محصناً بأغلبية في الكونغرس تحميه من المساءلة. الحزب الديمقراطي سيستغل غالبيته في مجلس النواب لفتح ملفات ترامب المالية التي كشفت عنها الصحافة ومنها تهربه من دفع الضرائب، ومحاولة استغلال زوج ابنته، جاريد كوشنار، لموقعه للحصول على قروض وتسهيلات من دول خليجية. والديمقراطيون سيحاولون أيضاً تسهيل وربما توسيع نطاق عمل المحقق الخاص، روبرت مولر، الذي تمكن الى اليوم من الإيقاع بالعديد من رجال ترامب، بمن فيهم محاميه الخاص، ديفيد كوهين. وكلما تمكن الديمقراطيون من تجميع أدلة تدين ترامب، سيكون من الصعب على الجمهوريين الدفاع عنه في مجلس الشيوخ، وهذا قد يفتح الطريق لطرده من البيت الأبيض.
دولياً، ستشكل هزيمة ترامب في الانتخابات النصفية للكونغرس، باعتقادي، بدايةً لانحسار اليمين المتطرف عالمياً. سينظر الأوروبيون ومعهم الأميركيون اللاتينيون الى ما جرى في أميركا، وسيتعلمون منها أن مثالهم الأعلى، دونالد ترامب، غير مقبول لدى شعبه، فلماذا عليهم القبول بأشباهه في دولهم؟
هزيمة ترامب أيضاً ستساعد الأحزاب الحاكمة في فرنسا والمانيا وكندا والعديد من الدول الأوروبية على رفض سياسات ترامب الخارجية بجرأة أكبر. الى اليوم يتعامل الأوروبيون مع ترامب بحذر شديد خوفاً على خسارتهم لحليف إستراتيجي لهم منذ الحرب العالمية الثانية. اليوم بعد هزيمته، سيشعر الأوروبيون بأن هذا الرجل لا يمثل أميركا وأن مجابهته لا تعني خسارة أميركا كحليف، ولكن تحصين هذا التحالف من رجل وصل الى مقعد الرئاسة الأميركية في لحظة يأس مشروعة للشعب الأميركي من المؤسسة التي أدارت واشنطن منذ عقود.
كل ذلك بالطبع جميل وفيه مصلحة كبيرة للبشرية عموماً، لكن هذه الفائدة قد تتوقف عندما تصل القضية "للعرب"، لماذا؟
لأن العرب الرسميين لا يزالون يتعاطون مع ترامب "بحب" واحترام" شديدين، وكأن الرجل مهتم بمصالح دولهم وشعوبهم.
ترامب تعامل مع العرب باستهانة وقلة احترام، لقد أعلن أكثر من مرة بأنه لا يكترث بدول الخليج ولكن بأموالها فقط. وأعلن اكثر من مرة بأنه لن يقوم بمساعدتها إلا إذا دفعت الأموال مقابل تلك المساعدة. وأساء لها بشكل كبير عبر تصريحاته.
ترامب أعلن بأن المسلمين وسكان الشرق الأوسط عموماً إرهابيون. في الحملة الانتخابية الأخيرة أعلن بأن قافلة المهاجرين التي تتجه حالياً باتجاه أميركا قادمة من هندوراس فيها "شرقُ أوسطيين". بهذه الكلمات، حول ترامب، كل شخص في الشرق الأوسط الى إرهابي يخيف بهم الأميركيين.
ترامب أيضاً أهان العرب بتحالفه مع اليمين الإسرائيلي المتطرف. لم يساعد اليمين الإسرائيلي فقط في محاولاته لحسم ملفات القضية الفلسطينية المتعلقة بالقدس واللاجئين والحدود، ولكنه ورجاله يشرعنون الاستيطان علناً في الضفة الغربية.
ترامب الكاره للعرب وللمسلمين أجاب عليه شعبه باختيار ثلاثة نواب من أصول عربية في مجلس النواب الجديد. فهل يجيب عليه العرب الرسميون بالامتناع عن مقابلته في البيت الأبيض والامتناع عن استقباله في بلادهم ورفض سياساته علناً تجاه شعوبهم وقضاياهم؟!