قضية خاشقجي ونظرية المؤامرة،، سليم ماضي

الخميس 08 نوفمبر 2018 11:29 ص / بتوقيت القدس +2GMT
قضية خاشقجي ونظرية المؤامرة،، سليم ماضي



يرى الكثير من علماء السياسة بأن نظرية المؤامرة تعتبر من السمات السائدة عند العرب حيث تتجلى بوضوح في ثقافتهم وسياساتهم. كما ويستند بعض أبواق السلاطين في دفاعهم عن الأنظمة العربية الاستبدادية إلى هذه النظرية، موجهين جل غضبهم لكل من ينتقد النظام معتبرين ذلك الشخص أو الدولة المنتقدة متآمرة تهدف للنيل من بقاء الدولة واستمراريتها، وكلما ارتكبت هذه الأنظمة سلوك أو تصرف انتهكت فيه حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، ووجهت الدول الغربية لها انتقادات على هذا السلوك ظهرت هذه الأبواق وطفت هذه النظرية على السطح.

وعندما استنكر العالم مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بطريقة بشعة يندى لها الجبين سمعنا أبواقاً تتحدث عن المؤامرة، فهل هناك فعلاً مؤامرة تستهدف النيل من السعودية وتلك الأنظمة؟ بالتأكيد هناك نظرية المؤامرة، التي تعشعش في العقل السياسي الرجعي القمعي، وهي تتمثل في استبداد هذه الأنظمة القمعية واحتقارها لشعوبها والتعامل معهم كقطيع من الماشية. والحقيقة أن ما يحدث أن الأنظمة الليبرالية (الديمقراطية) التي تحترم شعوبها وتعتبرها مصدر السلطات تؤمن بنظرية المنفعة أو نظرية المصالح فهذه الأنظمة لا تفهم سوى لغة المنفعة والمصلحة لتحقيق حياة الرفاهية لشعوبها ولتكسب رضاها وثقتها في الانتخابات الديمقراطية القادمة، وحتى تحقق المنفعة المطلوبة فهي لا تتوانى لحظة واحدة في اغتنام الفرص لتحسين اقتصادها الوطني، وبالتأكيد سلوك هذه الانظمة المتخلفة التي تمتلك الثروات والخيرات وتعجز عن استثمارها واستغلالها الاستغلال الأمثل، هذا السلوك يعطي الذرائع لعالم المنفعة لابتزاز هذه الأنظمة والطمع في خيراتها وثرواتها كلما حانت الفرصة، خاصة وأن دولة مثل السعودية غنية بالثروات الطبيعية والنفط.

ولا يختلف اثنان من الأحرار بأن قضية خاشقجي هي عملية اغتيال استهدفت بالمقام الأول الكلمة وحرية الرأي والتعبير، ولم تستهدف تاريخه الأسود كما غرد بعض المطبلين، لأن خاشقجي كان قبل عام أو أكثر في السعودية ومن المقربين من النظام ولو كان كذلك لحاكمته على تاريخه. هذه القضية بالتأكيد أضعفت السعودية وأعطت الذريعة للعالم الحر لابتزازها وتحقيق مصالحة وأطماعه.

ان السلوكيات التي تمارسها السعودية في سياستها الخارجية سواء باغتيال خاشقجي أو توريطها في صراعات سواء في الصراع السوري أو اليمني أو حصار قطر وزيادة حدة التوتر مع إيران إلى الدرجة القصوى وتركها تخوض هذه الحروب والصراعات بالوكالة، كل ذلك جعلها عرضة للأخطاء والانتقادات واغتنام الفرص والابتزاز سواء كان هذا الانتقاد رفضاً لسلوك يتنافى مع القوانين الانسانية ومع قيم الديمقراطية التي تنادي بها الدول الغربية التي ليس لها مصلحة سوى نشر ثقافة الديمقراطية مثل دول الاتحاد الأوروبي. أو كان نقداً يهدف لابتزازها ويستهدف النيل من مقدراتها وخيراتها، وهو الاستغلال الأمثل الذي سمعناه ولاحظناه في خطابات الابتزاز للرئيس ترامب، أو كان الهدف اغتنام الفرص وهو ما يمكن رصده وملاحظته من خلال التهديد والوعيد الذي أطلقها أعضاء الكونغرس الأمريكي والمدعوم صهيونياً، وذلك بهدف الضغط على السعودية لتقبل بالتطبيع العلني مع اسرائيل وتجسيد العلاقات معها، وقد لاحظنا كيف استغلت اسرائيل الموقف للدخول للسعودية من هذه البوابة.

إن الدولة السعودية تتزعم اليوم العالم السني كما تتزعم العالم العربي، كونها أقوى قوة اقتصادية في الشرق الأوسط، ولما لها من مكانة وقداسة دينية، وهي تشكل مع مصر صمام الأمان وحاضنة وركيزة أساسية للأمة العربية، وانهيار السعودية كدولة يعني بلا شك اضعاف العرب وربما انهيار المنظومة العربية وهو ما يرفضه كل انسان عربي حر.  

لذلك يجب على السعودية إعادة النظر في سياستها الخارجية، وعدم التهور والانزلاق في صراعات خارجية بعيدة عن الاجماع الدولي، وعليها أن تستفيد من تجارب التاريخ، وأن تتعلم من الولايات المتحدة أقوى قوة في العالم التي لا تنفرد في خوض حروب وصراعات خارجية، فالولايات المتحدة خاضت كل حروبها مؤخراً سواء بإجماع دولي كما في الحرب على أفغانستان أو بتحالف دولي كما في الحرب على العراق. وعليها عدم الثقة المطلقة في الولايات المتحدة، كما عليها أن تميز جيدا من هم الأصدقاء ومن هم الأعداء، وعليها أن تدرك جيداً أن احترامها لشعبها وعودتها للحظيرة العربية والاسلامية وتسوية خلافاتها بالطرق الدبلوماسية أفضل لها من عمل تحالفات مع دول لها مآرب خاصة، فإسرائيل كل ما تريده من السعودية هو توريطها في حرب طائفية ضروس مع إيران تحرقها وتحرق إيران معاً، فالسعودية في نظر إسرائيل عدو وقد أكد ذلك لبيرمان عندما قال "أعداؤنا يشترون السلاح بمليارات الدولارات"، كما أن إسرائيل لا يروق لها أن تملك السعودية مفاعل نووي حتى لو كان سلمياً أو موجه ضد إيران. 

خلاصة القول: أن إذا هناك فعلاً مؤامرة فهي مؤامرة النظام على نفسه من خلال الرعونة والتهور في السياسات سواء الخارجية أو الداخلية وعدم التمييز بين العدو والصديق وعدم احترام الشعب والمعارضة.