الإنتخابات وتسيد العائلية.. عمر الغول

الأربعاء 07 نوفمبر 2018 04:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإنتخابات وتسيد العائلية.. عمر الغول



تمت الجولة الأهم في إنتخابات المجالس القطرية العربية في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل في ال30 من إكتوبر الماضي (2018)، وما تبقى جزء يسير لا يؤثر على القراءة للتطورات، التي شهدتها المعارك الإنتخابية في المدن والبلدات والقرى الفلسطينية العربية، لا بل أن ذهاب المجالس الباقية لجولة ثانية يساعد في رصد الحدث بشكل أشمل، لإن ما شهدته كان جزءا من الأزمة، التي عاشتها، وتعيشها الجماهير الفلسطينية داخل دولة الإستعمار الإسرائيلية. لإن المساومات، التي تمت وجرت بين بعض الكتل والشخصيات المتنافسة في تبادل الأدوار والمسؤوليات على رئاسة المجالس، حمل في طياته مصادرة دور الناخب الفلسطيني، ومنح أقطاب الكتل فرضية أنها الحاكم بأمره، والمقرر في حياة السكان والمجالس البلدية والمحلية. 
من الطبيعي جدا كل عملية إنتخابية أي كان مستواها تقوم على التنافس بين القوى والشخصيات المتنافسة، وتشهد طرح رؤى وبرامج متباينة نسبيا أو جذريا إرتباطا بطبيعة العملية الإنتخابية إن كانت سياسية أو برلمانية أو إجتماعية خدماتية أو نقابية، وحسب خلفيات وإختلاف القوى المشاركة فيها. وإذا قصرنا الحديث عن الإنتخابات القطرية البلدية وفي المدن والبلدات الفلسطينية، المفترض ان تكون التباينات ضيقة، وترتكز على التناقضات غير التناحرية، لا سيما وأن الإجتهادات بين القوى المتنافسة تقوم على بعدين، هما: الأول تقديم أفضل خدمة بلدية للجماهير الفلسطينية، وتطوير المدن والبلدات ومخططاتها الهيكيلية، وزيادة الموازنات، والإرتقاء بالمسألة التربوية والصحية والبيئية، وخلق سكن لائق للأجيال الجديدة؛ الثاني التصدي المشترك لحكومة الأبرتهايد الإسرائيلية، ولكل أشكال التمييز، التي تعمقت بعد إقرار الكنيست قانون "القومية ألساس" في 19 تموز/ يوليو الماضي (2018)، وتعميق المساواة في ميادين الحياة المختلفة بين أبناء الشعب الفلسطيني العربي وبين الإسرائيليين اليهود الصهاينة، المسيطرون على كل مفاصل الحياة السياسية والأمنية والإقتصادية والتربوية والثقافية والدينية، لإن الخطر يتهدد الكل الفلسطيني داخل الخط الأخضر بشكل خاص والفلسطينيين بشكل عام في الوطن والشتات. 
لكن ما حدث في الإنتخابات الأخيرة عكس عمق الأزمة، التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في داخل الداخل، حيث شهدت العملية الإنتخابية تناقضات تناحرية غير مشروعة، وغير مبررة تحت أية حجة وذريعة، وأي كان حجم التباين بين الأقطاب والكتل والشخصيات المتنافسة على إستقطاب الجماهير لصالحها. ولوحظ ذلك في العديد من المدن والبلدات والقرى، كان أبرزها ما حصل في المدينة الأكثر كثافة سكانية، الناصرة وأم الفحم وحتى شفاعمرو، هذا بالإضافة للعديد من البلدات مثل: كفر كنا، وسخنين وعارة وعرعرة وبلدات النقب بشكل عام وغيرها من المجالس القطرية والمحلية. فما هي الأسباب الموضوعية والذاتية لهذا الخلل الكبير والعميق؟ 
دون الذهاب بعيدا في ربط المسألة بالتحولات الدراماتيكية، التي يشهدها العالم ككل نتاج صعود قوى اليمين والقومية الشوفينية في العديد من دول العالم، وهيمنة النظم الفاسدة والرجعية في دول العالم الثالث، والإنهيارات الملازمة لها في بنى ومركبات الإحزاب والقوى الديمقراطية، وبتسليط الضوء على العوامل الملاصقة والمتداخلة مع واقع الجماهير الفلسطينية، يمكن تحديدها بالتالي: أولا يقف على رأسها دور حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، وأجهزتها الأمنية، التي لم تترك فرصة سياسية أو إجتماعية أو إقتصادية أو قانونية أو دينية وإفرازاتها الطائفية إلآ وسعت للنفاذ منها إلى قلب المجتمع الفلسطيني بهدف تفتيته، وتمزيقه من خلال الإستخدام الأمثل لسياسة العصا والجزرة، والتحريض المتواصل على القوى الوطنية والديمقراطية، وعلى الهوية الفلسطينية الجامعة، ونزع الفلسطيني من أعماق هويته الأشمل، اي الهوية الوطنية، ودفعه نحو الهويات القزمية الدينية والطائفية والمناطقية والإجتماعية؛ ثانيا الحالة الفلسطينية العامة، التي تشهد تراجعا عاما نتاج الأزمة البنيوية المتجذرة منذ عقود ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وهجوم معسكر الأعداء الإسرائيلي الأميركي ومن لف لفهم من عرب وعجم، الذي يستهدف المشروع والهوية الوطنية الفلسطينية العربية، وإنعكاس ذلك سلبا على الروابط العميقة بين التجمعات الفلسطينية الرئيسية؛ ثالثا الواقع العربي الرسمي البائس والمهلهل، الذي شهد ويشهد مزيد من التشرذم والتفسخ والتبعية والتطبيع مع دولة الإستعمار الإسرائيلية على حساب قضية العرب المركزية؛ رابعا تسيد العائلية في أوساط الجماهير الفلسطينية على حساب الإنتماءات الفكرية والسياسية الوطنية والديمقراطية، وهذا يعود لإكثر من عامل أبرزها عدم تمكن القوى والأحزاب المركزية الديمقراطية من مواجهة التحديات الإسرائيلية والقوى المرتبطة معها في الوسط الفلسطيني، وإبتعادها عن نبض الشارع في المدن والبلدات الفلسطينية العربية، ونتيجة أزماتها الداخلية، التي أثرت على خياراتها في ترشيح شخصيات وقوائم وازنة ومؤهلة للمنافسة؛ خامسا سطوة الخطاب الديماغوجي والشعبوي على الحملات الإنتخابية، والمساومات الرخيصة بين بعض القوى الدينية والشخصيات والكتل المرتبطة مع مؤسسات الدولة الإسرائيلية، وعدم تمكن القوى الوطنية والقومية والديمقراطية من الإتفاق على قواسم مشتركة، وعدم الإستعداد فيما بينها لتقديم تنازلات متبادلة لخدمة المعركة الأهم، وهي مواجهة برامج ومخططات حكومة الإئتلاف اليميني المتطرف الحاكمة.... إلخ من الأسباب والعوامل الثانوية.
هل نتائج الإنتخابات للمجالس القطرية والمحلية تؤثر لاحقا في الإنتخابات البرلمانية للكنيست ال21 القادمة، التي باتت على الأبواب، وتنعكس سلبا على مكانة وحجم القائمة المشتركة (هذا إن لم تحدث مفاجآت لاحقا نتيجة تعمق التباينات والخلافات في صفوف القوى السياسية المختلفة المشكلة لها)؟ من الصعب التنبؤ بما يحمله المستقبل المنظور. والأيام القادمة وحدها تحمل الجواب.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com