* هل كان طرح تقسيم فلسطين ، فرصة أضاعها الفلسطينيون ، و من أثـّر ، أو أشار عليهم من العرب بالرفض ؟
* هل كان طرح كلينتون ، فرصة أضاعها الفلسطينيون ، ومن أثر ، أو أشار عليهم مت العرب بالرفض ؟
* هل كان الدخول في مفاوضات ، و إتفاق أوسلو ، فرصة في صالح القضية ، أم أنها كانت المسمار الأول في نعش منظمة التحرير و الحركة الوطنية ؟
- كل هذه التساؤلات و غيرها ، مشروعة و منطقية ، و أعتقد جازماً ، أننا أشبعناها تحليلا و إجابات .. بعضها متشابه و بعضها فيه طعم و نكهة مختلفة ، و رؤى من زوايا متعددة ، و تبارى المحللون و المفسرون و المبصرون و المستبصرون و السحرة و المنجمون و العلماء و المخرفون في تقديم وجبات من الإجابات و الندوات و المؤتمرات و المؤلفات للإجابة عنها ..
نقطتي التي لا أريد أن أطيل على نفسي و لا عليكم المشوار للوصول إليها : ألم نكن نحن ، العرب المسلمون ..نعرف أن اليهود سيدخلون فلسطين ، و يقيموا فيها و يشيدوا دولة عالية القدرة و الإزدهار بالمقاييس المادية ؟ ألم يكن هذا واضحاً جلياً في نصوص آيات القرآن ؟ و مقترناً بآيات زوال كيان اليهود ، و كيفية هذا الزوال ؟؟
ففي سورة المائدة :
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)
وسواء المقصود هنا بالأرض المقدسة ، أرض الطور في سيناء ، أم أرض كنعان فلسطين ، التي يملكها أصلاً ، و يعيش فيها الكنعانيون الفلسطينيون العماليق العامونيون المعرفون بالشدة و القوة ، و التطور و الحضارة و المدنية التي أخافت ، و زعزعت المجموعة من بني إسرائيل التي تسللت لإستكشاف الموقف و عادت لتخبر رسول الله موسى عليه الصلاة و السلام ، رغم أيمانهم به ، و توحيدهم لربهم ، إلا أن ما رأوه زلزل إيمانهم ، و خلع قلوبهم رعباً ، و قالوا إن أهل تلك المناطق جبارين ، و لن ندخلها حتى يخرجوا هم منها ..
وهنا كانت الغلطة التاريخية ، و الإيمانية ، التي إرتكبها أتباع موسى ، و أصبحوا تماماُ كالجبارين . بمعنى أنهم تأثروا بالقوة الظاهرة ، و شكل و نمط البأس الذي كان عليه القوم الجبارين من العماليق .. و لكنهم نسوا أن العماليق في ذلك الوقت كانوا في علو كبير ، مادياً ، و لكنهم في خواء أيماني ، فكان من السهل تدميرهم و الإنتصار عليهم ..
و هو أيضاً خطأ العماليق الذين غرتهم قوتهم المادية ، فانقلبوا على فطرتهم ، و أصبحوا قوماً جبارين .. فوهنوا.
وهنا تبدأ الكارثة ، في قراءة النصوص ، و فهمها .. الكارثة في الإستدلال على المعاني إرتكازاً على روايات و أثر و أحاناً كثيرة على ترهات و تخاريف من إبتكار السلف ، ربما كانت تقبل القسمة على منطق أزمانهم ، و محدودية علومهم .. ولكنها بحال من الأحوال لا تقبل القسمة على عقول تطورت ، و إستقت من المعرفة القليل الأكثر من معارف السابقين .. حتى هذا القليل ينبئ بأن الوعد بدخول الأرض المقدسة ، للمؤمنين برسالة الله ، و ليس لعرق أو جنس أو سلالة قومية محددة .. إنها ليست أي أرض ، إنها الأرض الأقدس ، إنها الأرض المباركة ، ولا يمكن لجبار أن يعمر فيها مهما طالت سنين حكمه وقهره لها ، و مهما تطاول بنيانه و تشييده .. و إلا لما كان الإشتراط على قوم موسى بالدخول مسبحين و ذاكرين .. و إلا لما كانت توهة المفرطين بالشرط الإيماني ، و الإسلام لله ، في الصحراء هائمين لأربعين سنة دون هدى ..
جرب العرب ، و الفلسطينيون في مقدمتهم ، على مدى قرن مضى ، الإشتراكية ، و التحالف الثوري العالمي مع قوى اليسار و اليمين ، و آمنوا بقوميتهم العربية على أسس عرقية قبلية ، و جربوا التفاوض و الهدنة و التهادن ، و جربوا التطرف و الإعتدال ، دينياً و قوميا ووطنياً .. وما وصلوا إلى شئ ، لسبب بسيط ، أن الطرف الآخر ( الصهيونية ) ترتكز أساساً على ذات المبادئ ( القومية العنصرية النخبوية الدينية ) ..
إن العرب ، وبينهم الفلسطينيين ، يجب أن يعيدوا صياغة إيمانهم القومي ، ببساطة إعادة قراءة و فهم شعارهم ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) .. هكذا يمكن أن تصحح القاعدة ، و تأتي المعادلة بنتاج .. أن نؤمن بقوميتنا إرتكازاً على عقيدتنا .. و ثقافتنا .. حتى غير المسلمين فينا ، ثقافتهم عربية إسلامية ، هذه هي الحقيقة ..
فشل الإسرائيليون الأوائل ، في دخول فلسطين ، لأنهم تساووا في ضعف الإيمان مع الجبارين من أهلها ، و صدقوا أكاذيبهم التي رددوها و قرأوا معنى ( الإستخلاف و الإختيار ) على أنه تمييز عرقي ، و ليس منحة إلهيه ، و إصطفاء و تميز بالإيمان ، و أن الأفضل هو الأكثر تقوى ، و ليس الأنقى سلالة، و لأن أرض فلسطين ، بوعد الله ، أرض مقدسة ، لا يستخلف فيها إلا عباده المؤمنين ..
لذلك لم ينجع من بني إسرائيل إلا من آمن منهم وهادوا بالإسلام لله .. و ما لبثت ممالكهم و دولهم أن سقطت مرة تلو المرة ( أطول مدة حكم لهم في فلسطين كانت سبعين عاما في منطقة السامرة ، الضفة الغربية لنهر الأردن)، و تنازعوا و ذهبت ريحهم ، حين تساووا مع أعدائهم أخلاقيا و غرتهم المادة .. لذلك لم يستطع يهود العالم ، دخول فلسطين في عصرنا الحالي إلا بوعد بلفور ، و ليس بوعد الله ..
و ما فشل الفلسطينيون و العرب في الدخول مرة أخرى لبلادهم ، إلا لأنهم وقعوا في ذات الحفرة ، و بهرتهم قوة و بأس المادة ، و نسوا الله .. بينما عدوهم لايمكلك إلا وعد بلفور ، و ترامب .. فهل سيخيفنا جبروتهم و علوهم و بأسهم كما أخاف قوم موسى من قبل و نقول كما قالوا (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)- المائدة .
إن قوم موسى ، من بني إسرائيل ، هم من أسلم لحقيقة ديانة موسى ، بعنوانها المرحلي " اليهودية " أو بعنوانها الإبراهيمي الأشمل ( الإسلام ) .. فالوعد للمؤمنين من بني إبراهيم ، إسماعيل أو إسحق ،من إتباع محمد أو عيسى أو موسى .. وكلهم على دين واحد ، إبراهيمي ، كلهم مسلم .
نحن ، نعرف ، بل أكثر من هذا ، نحن نؤمن ، بأن اليهود سيقيمون كياناً في فلسطين .. قبل وعد بلفور ، و قبل وعود الأمريكان و الروس و الغرب لهم .. ووعد الله الحق ، فوق كل وعد .. وعد الله الذي بشر بهزيمة الروم ، ثم بإنتصارهم بعد ذلك ، كما جاءنا النبأ اليقين و الوعد المكين في سورة الروم :
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) .
و نحن نعرف ، كعرب نقرأ القرآن ، ويجب أن نقرأ قراءة بتعقل ، لا بمنطوق رسم ، أن النصر للفئة الأكثر إيمانا ، و إلتزاماً ، و الهزيمة للجبارين ، المضعضعة عقيدتهم ، و إن تأسست دولتهم و كياناتهم على أعلى و أعتى روافع التمدن و الرقي المادي ..
لذلك ، فشرط زوال كيان اسرائيل ، بالبيان المباشر ، و الواضح في آيات الله في سورة الإسراء :
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
وهنا بعض النقاط الفارقة :
أولاً ، أن تأتي هذه الآيات في سورة الإسراء ، التي تتحدث عن رحلة النبي الخاتم ، محمد عليه الصلاة و السلام إلى القدس ، فلسطين .. ورمزية هذه الرحلة و الإسراء .. لنبي الإسلام . و دخوله بنور الله إليها ..
ثانياً ، الربط في الثانية ، مع باقي الآيات بدءاً من الآية الثالثة .. فالحديث كان عن نبي الله نوح عليه الصلاة و السلام ، و ذريته ، و كيف أنجى الله المؤمنين منهم ، و أغرق حتى إبنه ، رغم أنه من نسله ، و عرقه ، و جنسه .. و أنجى المؤمنين ، و مكنهم من الفوز و النجاة ، ثم بدأ تعالى بذكر موسى عليه الصلاة و السلام و قومه من بني إسرائيل .. و هنا الإشارة إلى ( الشئ بالشئ يذكر ) و أن ما كان مع نوح و ذريته ، مستمر مع موسى و قومه و ذريته .. بلوغاُ إلى محمد و قومه و تابعيه .. الأمر لا يتعلق بجنس و لا قومية ، الأمر يتعلق بمدى الإلتزام بالإيمان و طريق الله .. و الصورة أكثر وضوحاً ، في سورة المائدة ، و ذلك الربط في آيات الله ، بين قصة نكوص قوم موسى ، و الفرق بين من آمن و من أرتجف قلبه ، والتشبيه بإبني آدم عليه الصلاة و السلام : (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) ۞ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
وصف من لا يتبع الهدى ، و الرسالة بأنهم قوم فاسقين ، و من ثم عدم الإرتكاز على رابط القربى و الدم و النوع و الجنس و القومية ، في مثال أبناء آدم ، و حقيقة أن الله يتقبل ، و فقط ، من المتقين .. هنا تكمن الحكمة ، و هنا زاوية الفهم الأولى ..
فالعلو الكبير ، و التقدم المادي ، و القوة و المنعة ، و الكذب على الله ببدعة السلالة المصطفاه ، و المختاره ، لن تنفع و لن تجدي أمام عباد الله اولى البأس الشديد .. فجاسوا خلال الديار .. و أن بعد ذلك ، و إن مكناكم مرة أخرى ، و أمددناكم بالمال ، و النفير ( الأكثر نفيراً : أنظر الآن كيف إا إستنفرت إسرائيل أمريكا و العالم الغربي ) .. ثم ينغلق ملف كيان إسرائيل ، في وعد الآخرة .. ليسوءوا وجوهكم .. و تتكشف كل أكاذيبهم و إعلامهم و ضلالهم و تزييفهم للحقائق و التاريخ و الواقع ، بأن يتم فضحهم بقدرة الله و وسيلة عباد الله .. الذين بعد هذا ( ولتدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة و لتتبروا ما علوا تتبيرا ) ، و يتم تتنبير ، محق و سحق و تدمير كل مظاهر التقدم و البأس المادي ، الذي كان بعض المرتجفة إيديهم و المتشككين منبهرون به ، تماماً ، كما أرتجفت أيادي ، و تشكك أصحاب موسى حين رأوا العماليق من الفلسطينيين الأوائل ، القوم الجبارين .. و لكن في النهاية الغلبة كانت لمن إستنتصر بالله و أسلم لله
* هل كان طرح تقسيم فلسطين ، فرصة أضاعها الفلسطينيون ، و من أثـّر ، أو أشار عليهم من العرب بالرفض ؟
* هل كان طرح كلينتون ، فرصة أضاعها الفلسطينيون ، ومن أثر ، أو أشار عليهم مت العرب بالرفض ؟
* هل كان الدخول في مفاوضات ، و إتفاق أوسلو ، فرصة في صالح القضية ، أم أنها كانت المسمار الأول في نعش منظمة التحرير و الحركة الوطنية ؟
- كل هذه التساؤلات و غيرها ، مشروعة و منطقية ، و أعتقد جازماً ، أننا أشبعناها تحليلا و إجابات .. بعضها متشابه و بعضها فيه طعم و نكهة مختلفة ، و رؤى من زوايا متعددة ، و تبارى المحللون و المفسرون و المبصرون و المستبصرون و السحرة و المنجمون و العلماء و المخرفون في تقديم وجبات من الإجابات و الندوات و المؤتمرات و المؤلفات للإجابة عنها ..
نقطتي التي لا أريد أن أطيل على نفسي و لا عليكم المشوار للوصول إليها : ألم نكن نحن ، العرب المسلمون ..نعرف أن اليهود سيدخلون فلسطين ، و يقيموا فيها و يشيدوا دولة عالية القدرة و الإزدهار بالمقاييس المادية ؟ ألم يكن هذا واضحاً جلياً في نصوص آيات القرآن ؟ و مقترناً بآيات زوال كيان اليهود ، و كيفية هذا الزوال ؟؟
ففي سورة المائدة :
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)
وسواء المقصود هنا بالأرض المقدسة ، أرض الطور في سيناء ، أم أرض كنعان فلسطين ، التي يملكها أصلاً ، و يعيش فيها الكنعانيون الفلسطينيون العماليق العامونيون المعرفون بالشدة و القوة ، و التطور و الحضارة و المدنية التي أخافت ، و زعزعت المجموعة من بني إسرائيل التي تسللت لإستكشاف الموقف و عادت لتخبر رسول الله موسى عليه الصلاة و السلام ، رغم أيمانهم به ، و توحيدهم لربهم ، إلا أن ما رأوه زلزل إيمانهم ، و خلع قلوبهم رعباً ، و قالوا إن أهل تلك المناطق جبارين ، و لن ندخلها حتى يخرجوا هم منها ..
وهنا كانت الغلطة التاريخية ، و الإيمانية ، التي إرتكبها أتباع موسى ، و أصبحوا تماماُ كالجبارين . بمعنى أنهم تأثروا بالقوة الظاهرة ، و شكل و نمط البأس الذي كان عليه القوم الجبارين من العماليق .. و لكنهم نسوا أن العماليق في ذلك الوقت كانوا في علو كبير ، مادياً ، و لكنهم في خواء أيماني ، فكان من السهل تدميرهم و الإنتصار عليهم ..
و هو أيضاً خطأ العماليق الذين غرتهم قوتهم المادية ، فانقلبوا على فطرتهم ، و أصبحوا قوماً جبارين .. فوهنوا.
وهنا تبدأ الكارثة ، في قراءة النصوص ، و فهمها .. الكارثة في الإستدلال على المعاني إرتكازاً على روايات و أثر و أحاناً كثيرة على ترهات و تخاريف من إبتكار السلف ، ربما كانت تقبل القسمة على منطق أزمانهم ، و محدودية علومهم .. ولكنها بحال من الأحوال لا تقبل القسمة على عقول تطورت ، و إستقت من المعرفة القليل الأكثر من معارف السابقين .. حتى هذا القليل ينبئ بأن الوعد بدخول الأرض المقدسة ، للمؤمنين برسالة الله ، و ليس لعرق أو جنس أو سلالة قومية محددة .. إنها ليست أي أرض ، إنها الأرض الأقدس ، إنها الأرض المباركة ، ولا يمكن لجبار أن يعمر فيها مهما طالت سنين حكمه وقهره لها ، و مهما تطاول بنيانه و تشييده .. و إلا لما كان الإشتراط على قوم موسى بالدخول مسبحين و ذاكرين .. و إلا لما كانت توهة المفرطين بالشرط الإيماني ، و الإسلام لله ، في الصحراء هائمين لأربعين سنة دون هدى ..
جرب العرب ، و الفلسطينيون في مقدمتهم ، على مدى قرن مضى ، الإشتراكية ، و التحالف الثوري العالمي مع قوى اليسار و اليمين ، و آمنوا بقوميتهم العربية على أسس عرقية قبلية ، و جربوا التفاوض و الهدنة و التهادن ، و جربوا التطرف و الإعتدال ، دينياً و قوميا ووطنياً .. وما وصلوا إلى شئ ، لسبب بسيط ، أن الطرف الآخر ( الصهيونية ) ترتكز أساساً على ذات المبادئ ( القومية العنصرية النخبوية الدينية ) ..
إن العرب ، وبينهم الفلسطينيين ، يجب أن يعيدوا صياغة إيمانهم القومي ، ببساطة إعادة قراءة و فهم شعارهم ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) .. هكذا يمكن أن تصحح القاعدة ، و تأتي المعادلة بنتاج .. أن نؤمن بقوميتنا إرتكازاً على عقيدتنا .. و ثقافتنا .. حتى غير المسلمين فينا ، ثقافتهم عربية إسلامية ، هذه هي الحقيقة ..
فشل الإسرائيليون الأوائل ، في دخول فلسطين ، لأنهم تساووا في ضعف الإيمان مع الجبارين من أهلها ، و صدقوا أكاذيبهم التي رددوها و قرأوا معنى ( الإستخلاف و الإختيار ) على أنه تمييز عرقي ، و ليس منحة إلهيه ، و إصطفاء و تميز بالإيمان ، و أن الأفضل هو الأكثر تقوى ، و ليس الأنقى سلالة، و لأن أرض فلسطين ، بوعد الله ، أرض مقدسة ، لا يستخلف فيها إلا عباده المؤمنين ..
لذلك لم ينجع من بني إسرائيل إلا من آمن منهم وهادوا بالإسلام لله .. و ما لبثت ممالكهم و دولهم أن سقطت مرة تلو المرة ( أطول مدة حكم لهم في فلسطين كانت سبعين عاما في منطقة السامرة ، الضفة الغربية لنهر الأردن)، و تنازعوا و ذهبت ريحهم ، حين تساووا مع أعدائهم أخلاقيا و غرتهم المادة .. لذلك لم يستطع يهود العالم ، دخول فلسطين في عصرنا الحالي إلا بوعد بلفور ، و ليس بوعد الله ..
و ما فشل الفلسطينيون و العرب في الدخول مرة أخرى لبلادهم ، إلا لأنهم وقعوا في ذات الحفرة ، و بهرتهم قوة و بأس المادة ، و نسوا الله .. بينما عدوهم لايمكلك إلا وعد بلفور ، و ترامب .. فهل سيخيفنا جبروتهم و علوهم و بأسهم كما أخاف قوم موسى من قبل و نقول كما قالوا (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)- المائدة .
إن قوم موسى ، من بني إسرائيل ، هم من أسلم لحقيقة ديانة موسى ، بعنوانها المرحلي " اليهودية " أو بعنوانها الإبراهيمي الأشمل ( الإسلام ) .. فالوعد للمؤمنين من بني إبراهيم ، إسماعيل أو إسحق ،من إتباع محمد أو عيسى أو موسى .. وكلهم على دين واحد ، إبراهيمي ، كلهم مسلم .
نحن ، نعرف ، بل أكثر من هذا ، نحن نؤمن ، بأن اليهود سيقيمون كياناً في فلسطين .. قبل وعد بلفور ، و قبل وعود الأمريكان و الروس و الغرب لهم .. ووعد الله الحق ، فوق كل وعد .. وعد الله الذي بشر بهزيمة الروم ، ثم بإنتصارهم بعد ذلك ، كما جاءنا النبأ اليقين و الوعد المكين في سورة الروم :
الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) .
و نحن نعرف ، كعرب نقرأ القرآن ، ويجب أن نقرأ قراءة بتعقل ، لا بمنطوق رسم ، أن النصر للفئة الأكثر إيمانا ، و إلتزاماً ، و الهزيمة للجبارين ، المضعضعة عقيدتهم ، و إن تأسست دولتهم و كياناتهم على أعلى و أعتى روافع التمدن و الرقي المادي ..
لذلك ، فشرط زوال كيان اسرائيل ، بالبيان المباشر ، و الواضح في آيات الله في سورة الإسراء :
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
وهنا بعض النقاط الفارقة :
أولاً ، أن تأتي هذه الآيات في سورة الإسراء ، التي تتحدث عن رحلة النبي الخاتم ، محمد عليه الصلاة و السلام إلى القدس ، فلسطين .. ورمزية هذه الرحلة و الإسراء .. لنبي الإسلام . و دخوله بنور الله إليها ..
ثانياً ، الربط في الثانية ، مع باقي الآيات بدءاً من الآية الثالثة .. فالحديث كان عن نبي الله نوح عليه الصلاة و السلام ، و ذريته ، و كيف أنجى الله المؤمنين منهم ، و أغرق حتى إبنه ، رغم أنه من نسله ، و عرقه ، و جنسه .. و أنجى المؤمنين ، و مكنهم من الفوز و النجاة ، ثم بدأ تعالى بذكر موسى عليه الصلاة و السلام و قومه من بني إسرائيل .. و هنا الإشارة إلى ( الشئ بالشئ يذكر ) و أن ما كان مع نوح و ذريته ، مستمر مع موسى و قومه و ذريته .. بلوغاُ إلى محمد و قومه و تابعيه .. الأمر لا يتعلق بجنس و لا قومية ، الأمر يتعلق بمدى الإلتزام بالإيمان و طريق الله .. و الصورة أكثر وضوحاً ، في سورة المائدة ، و ذلك الربط في آيات الله ، بين قصة نكوص قوم موسى ، و الفرق بين من آمن و من أرتجف قلبه ، والتشبيه بإبني آدم عليه الصلاة و السلام : (قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) ۞ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
وصف من لا يتبع الهدى ، و الرسالة بأنهم قوم فاسقين ، و من ثم عدم الإرتكاز على رابط القربى و الدم و النوع و الجنس و القومية ، في مثال أبناء آدم ، و حقيقة أن الله يتقبل ، و فقط ، من المتقين .. هنا تكمن الحكمة ، و هنا زاوية الفهم الأولى ..
فالعلو الكبير ، و التقدم المادي ، و القوة و المنعة ، و الكذب على الله ببدعة السلالة المصطفاه ، و المختاره ، لن تنفع و لن تجدي أمام عباد الله اولى البأس الشديد .. فجاسوا خلال الديار .. و أن بعد ذلك ، و إن مكناكم مرة أخرى ، و أمددناكم بالمال ، و النفير ( الأكثر نفيراً : أنظر الآن كيف إا إستنفرت إسرائيل أمريكا و العالم الغربي ) .. ثم ينغلق ملف كيان إسرائيل ، في وعد الآخرة .. ليسوءوا وجوهكم .. و تتكشف كل أكاذيبهم و إعلامهم و ضلالهم و تزييفهم للحقائق و التاريخ و الواقع ، بأن يتم فضحهم بقدرة الله و وسيلة عباد الله .. الذين بعد هذا ( ولتدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة و لتتبروا ما علوا تتبيرا ) ، و يتم تتنبير ، محق و سحق و تدمير كل مظاهر التقدم و البأس المادي ، الذي كان بعض المرتجفة إيديهم و المتشككين منبهرون به ، تماماً ، كما أرتجفت أيادي ، و تشكك أصحاب موسى حين رأوا العماليق من الفلسطينيين الأوائل ، القوم الجبارين .. و لكن في النهاية الغلبة كانت لمن إستنتصر بالله و أسلم لله