مع مرور 25 عاماً على «اتفاق السلام» بين الأردن و «إسرائيل»، انتهى سريان العمل بملحقيْهِ الخاصيْن بمنطقتي الغمر والباقورة الأردنيتين، اللتين ادعت «إسرائيل» أنها تخلت عن احتلالها لهما مقابل استئجارهما من الأردن ل25 عاماً، وفق صيغة: «يستطيع كل طرف إلغاء هذا الاتفاق بعد مرور مدة التأجير مع إنذار مسبق مدته سنة». وهي الصيغة التي استند إليها الأردن، وأعلن، يوم الأحد الماضي، بصورة رسمية، أنه قرر وقف العمل بهذا الاتفاق. ردَّ رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بالقول: «احتفظ الأردن لنفسه في الاتفاق بخيار استعادة الغمر والباقورة، وتم إبلاغنا بأنه يريد تطبيق هذا الخيار في السنة ال25... سنجري مفاوضات مع الأردن من أجل إمكانية بقاء الاتفاق القائم». بدوره أعلن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي أن: (الغمر والباقورة أراضٍ أردنية قررنا استعادتها، لا مانع لدينا في إجراء مفاوضات إذا طُلب منا ذلك، بصورة رسمية، ولا يهمنا سوى مصلحة وحقوق الأردن والأردنيين)، في إشارة إلى مزاعم قادة الاحتلال، ووسائل إعلامه، بمشاربها المختلفة، بأن القرار الأردني يتسبب بما سموه «كارثة المزارعين»، أي المستوطنين في الغمر والباقورة الأردنيتين.
وللقبض على ما يحمله هذا الحدث المهم من دلالات سياسية جوهرية، تجدر الإشارة، باقتضاب وتكثيف، إلى الملاحظات التالية:
أولاً، تخفي ذريعة «كارثة المزارعين» أن حكومات «إسرائيل» المتعاقبة لا تريد إنهاء احتلالها لأراضٍ أردنية تبلغ مساحتها 1400 دونم، ما يعني أنها لم تتخلَّ عنها، في اتفاق وادي عربة، إلا بالمعنى النظري للكلمة، وأنها، كالعادة أبداً، تفكر في تحويل المؤقت إلى دائم في أي اتفاق تبرمه، وتجربة ربع قرنٍ ويزيد من مفاوضات «مدريد أوسلو» العبثية أكثر من كافية ليتعلم من دروسها الجميع، كي لا يُكرر أحد أخطاءها وخطاياها من العرب و«العجم». ولعله ذو دلالة هنا، أن يصبح اسم الغمر «تسوفر»، واسم الباقورة «نهاريم»، كاسمين عبريين بدل الاسمين العربيين. هذا في نفس الوقت الذي لا يكف نتنياهو، كرئيس أكثر حكومات الاحتلال تطرفاً وتشدداً، عن نثر الوعود حول السلام. وفي السياق كان لافتاً ما كاله، في معرض تعقيبه على القرار الأردني، من مديح للسلام لدرجة أن يقول، إن هنالك تيارات شعبية عربية، وغير عربية في المنطقة، أخذت تدرك أهمية العلاقة مع «إسرائيل».
ثانياً، لا يستقيم أمر أن «إسرائيل» تفكر بإنهاء احتلالها لأراضي الباقورة والغمر، مع عدم التزامها بما وعدت به الأردن، في قضايا المياه والطاقة، مثلاً، عند إبرام اتفاق وادي عربة، وبعد إبرامه، عدا أن آمال فتح عصر جديد من التعاون بين الطرفين انتهت إلى صفر، إذا استثنينا التعاون الأمني، والسماح للطائرات الأردنية بالتحليق في الأجواء «الإسرائيلية».
ثالثاً، لا يمكن الفصل، وهنا الأهم، بين فكرة «الأردن هو فلسطين» وبين الزحف الاستيطاني في الضفة... ورفض قيام دولة فلسطينية على حدود 67... وطرح جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكي، فكرة الكونفدرالية على الرئيس الفلسطيني... ووقف المساهمة الأمريكية في موازنة «الأونروا»، ودعوة الأردن لتحمل مسؤولية مليونين من اللاجئين الفلسطينيين... وضرب المكانة التي أعطيت للأردن في القدس في اتفاق وادي عربة، وقتل حارس السفارة «الإسرائيلية» في عمان لمواطنين أردنيين. هذا ناهيك عن انفلات أركان حكومة نتنياهو في إطلاق التصريحات الصريحة حول فكرة «الوطن البديل». إذا كان هذا هو ما يُخطط للأردن وفلسطين، كيف يستقيم أمر توقّع أن تنهي «إسرائيل» احتلالها لأراضي الباقورة والغمر الأردنية؟
رابعاً، كيف تكون «إسرائيل» في وارد إنهاء احتلالها لأراضي الباقورة والغمر، في ظل ما تمارسه حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية من ضغوط لتجديد تأجير هذه الأراضي، ذلك رغم علمهما بما يمر به الأردن من أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية مركبة ومستفحلة، وعلمهما بأن قرار عدم التجديد هو مجرد «أضعف الإيمان» إزاء مطالبة الشعب الأردني و81 برلمانياً من أصل 130، بإلغاء اتفاق وادي عربة كليّاً. ما يعني أن الحكومة الأردنية لا تستطيع، إدارة الظهر، تماماً، لمطلب الشعب وممثليه المنتخبين.