خاشقجي وبن سلمان مجني عليهما ..د. سامي الأخرس

الإثنين 22 أكتوبر 2018 10:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT



لا يوجد لها أيّ رُكن من أركان عمليات الإغتيال السرية أو المتعارف عليها، بل هي عملية قتل تحت مرآى ومسمع العالم، والضحية بها ليس جمال خاشقجي الصحفي السعودي، بل هو ولي العهد السعودي من جهة، وصورة السعودية المؤسساتية الحاكمة في السعودية، فما تم لا يقم به أي جهاز أو مؤسسة هاوية أو حتى مواطن طبيعي الذي لا يعرف أبجديات العمل الأمني الإستخباراتي من حيث البدائية أو الغباء التي تمت به عملية القتل، التي لم تصل لمسمى عملية اغتيال بأي حالة من الأحوال، فكيف إن كانت تستهدف شخصية إعلامية وصحفية مرموقة، ومعارضًا لنظام بحجم ومكانة السعودية، وإنما يمكن القول عنها أو اطلاق عليها عملية قتل عمدية تحت مرآى ومسمع العالم قاطبة، وبطريقة لا تحمل في طياتها إلا سيناريوهات تؤدي في المآل النهائي لنتائج عكسية لصالح قوى بعينها وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الأمريكية، والمعارضة السعودية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والجمهورية التركية. وربما اختيار ساحة القتل تم بحنكة وذكاء ممن خطط وحدد أهداف العملية برمتها، وما ينطوي على احترافية بارعة في إخراج السيناريو بشكليه وجانبيه الغبي جدًا وهو الصورة التي أرادها كنتيجة للمنفذ السعودي، والذكي جدًا وهو النتائج التر ترتبت عليها العملية، بدءًا من نقل الصحفي من واشنطن التي لا يمكن تنفيذ مثل هذا العمل فيها وعدم تعرض الولايات المتحدة لأي اهتزاز لصورة وهيبة مؤسستها الأمنية من ناحية، ولمكانتها الكبرى من ناحية أخرى، والوجه الآخر إعادة الإعتبار للمؤسسة الأمنية التركية التي سردت تفاصيل الحدث وحيثياته بعد ساعات من اختفاء الصحفي، فأي عملية اغتيال لا يمكن لها أن تتم بهذه البدائية والبلاهة الأمنية وفي دولة اقليمية كبرى، وفي دولة اقليمية قوية وأجهزة أمنية قوية مثل تركيا، وهنا يتجلى أهم مدخلات الاختراق أو الاحتراق السريع للعملية، كذلك لا يمكن لأي جهاز استخباراتي يتمتع بخبرة استخباراتية وأمنية أو حتى بدون خبرة أن ينفذ مثل هذه العملية بشكل مباشر وفي موقع دبلوماسي، لأنه فعل يستهدف تسويد لسياسات الدولة والقوانين الدولية، والحماية الديبلوماسية الدولية، وهو ما استهدفه من خطط لتلك العملية كأحد أهم أهداف ومخرجات العملية. الأمر الثالث أن كل ما حدث مع الصحفي السعودي معلوم سواء ممن طلب خطط لتوجيهه لاسطنبول، ومن ثم الطلب منه العودة باليوم التالي في القنصلية السعودية، وما تبعه من نقل أعضاء الفريق بطائرتين خاصيتين وبجوازات دبلوماسية وبيانات صحيحة، أضف لوجود مختص بالطب الشرعي، مما يؤكد إنها عملية دقيقة الأهداف العامة والخاصة لمن خطط لها، ونفذها بتسلسل فاضح للعملية. 

إذن فما حدث هو عملية مرتب لها وتم تنفيذها بشكل علني لا يمكن إدراجه تحت بند العمل الاستخباراتي السري، فالضحية معلومة والمنفذ يتحرك بحرية وعلنية، ولكن أين المخطط؟
الممتبع لعملية القتل العلنية منذ الوهلة الأولى تتضح أهدافه، خاصة وأن العمل تم بطريقة ومنهجية بعيدة عن العقيدة الأمنية، فأي فريق اغتيال لا يمكن أن يتوجه أفراده بشكل جماعي وبجوازات دبلوماسية وينطلق من بقعة جغرافية واضحة ومعلومة، وشخصياتت كبيرة في أهم مؤسسة للدولة، ولكن كل هذه الخطوات المتسلسلة، وما أعقبها من نشر تفاصيل دقيقة للعلية بما فيها حديث القنصل والصحفي وفريق القتل يؤكد أن العملية مدبر لها مسبقًا، وكل الأطراف المعنية تعرف مسبقًا بالعملية، وبالفريق، وبالآليات وبالحركة، وتعتبر شريكة فعلية في التنفيذ، فلم يتحرك أي طرف لعرقلة أو افشال العملية أو احباطها بل كان الجميع حريص على نجاحها بهذا الشكل الغبي في ظاهرة والذكي في جوهره وأهدافه ومخرجاته، ونعود للسؤال من هو المخطط؟
خرج الملك سلمان فجأة بصورة المُضلل أو المُغيب عن الأحداث، وهو أحد المخرجات المحبوكة جيدًا، ليتخذ قرارات وخطوات سريعة، ويعلن عن مقتل الصحفي بعد عملية النفي التي تصدى لها ولي العهد سابقًا، ويتم إعفاء العسيري نائب الاستخبارات السعودية، ومستشار الديوان الملكي القحطاني في سيناريو فضحته الصحافة قبل اتخاذه بأيام، وكأن ما يحدث أشبه بمسرح عرائس تتحرك فيه الدمى بإرادة المخرج وبمشهد هزلي ساخر حاول أن يصور المشهد بالهزلية والغباء للنظام الملكي السعودي، في الوقت الذي استهدف شخص ولي العهد حديث التجربة في المسرح السياسي الدولي، وترسيخ عقيدة الإبتزاز القوية التي يخضع لها النظام السعودي منذ عقود طويلة.
إذن فالصورة واضحة والمشهد واضح والمستهدف واضح وإن كان يحتاج لمسرحية كبرى بتفاصيل دقيقة، ولكن شخص ولي العهد والمال السعودي هما المستهدفين من هذه المسرحية التي انتهت فصولها ولم يتبق إلا فصل إزاحة محمد بن سلمان عن المشهد.