دلالات القرار الأمريكي.. عمر الغول

الأحد 21 أكتوبر 2018 07:47 م / بتوقيت القدس +2GMT
 دلالات القرار الأمريكي.. عمر الغول



بعد 144 عاما أعلن بومبيو، وزير خارجية أميركا عن إلغاء القنصلية الأميركية في القدس، وأتبعها للسفارة الأمريكية، التي تم نقلها من تل ابيب إلى القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية في الرابع عشر من مايو/ أيار الماضي (2018)، وهذه خطوة غير مسبوقة في السياسة الأمريكية، وتعكس مستوى الانحدار السياسي الأمريكي تجاه المسألة الفلسطينية، وتجاوزت فيها كل القيم والمعايير الأخلاقية والقانونية والسياسية، وضربت من خلالها عرض الحائط بالقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات والاتفاقات ومرجعيات عملية السلام خلال العقود الماضية.

 ليس هذا فحسب، بل انها تصب الزيت على الجمر المتقد تحت نيران الفوضى والإرهاب في المنطقة والعالم، وتمضي مع حكومة نتنياهو قدما ووفق مخطط منهجي وجهنمي إلى دوامة الحروب، وإعادة رسم خارطة المنطقة وفق المنظور الإسرائيلي الاستعماري وبتعديل نسبي لخارطة الشرق الأوسط الجديد.   

بقرارها الجديد، تكون الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب صعدت إلى ذروة من ذرى التهافت والتطابق مع المشروع الكولونيالي الصهيوني، وما تخطط له دولة الاستعمار الإسرائيلية بهدف تحقيق حلم "دولة إسرائيل الكاملة" على كل فلسطين التاريخية، وهو ما يعني نسف وتبديد المصالح الوطنية الفلسطينية، والإنزياح الكلي والتماثلي مع حكومة أقصى اليمن المتطرف والفاشي في إسرائيل، وشطب وتصفية عملية السلام من جذورها.

لا سيما وان القرار الجديد، يحمل الخطوة التنفيذية رقم (11) في صفقة القرن المشؤومة.

وتكرس بذلك خيارها في الإزاحة الكلية لملف القدس عن الطاولة من وجهة نظرها، كما تفعل في ملف اللاجئين والعودة والمستعمرات والأمن والحدود، وهي بالمحصلة تدفع من حيث تريد أو لا تريد نحو الدولة الواحدة، وفي ذات الوقت تسويق وتمرير خيار الإمارة الحمساوية في محافظات الجنوب الفلسطينية، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية، ونفي الطابع السياسي عنها.  

وبذلك تؤكد إدارة ترامب بشكل لا لبس فيه، انها ليست ذات صلة لا من قريب أو بعيد بعملية السلام، ولا برعاية التسوية السياسية، بغض النظر عما تدعية أو تعلنه، فذلك شأنها، ولآن الوقائع الصارخة كشفت كل المستور الأميركي، إن بقي هناك ما يمكن ستره او إخفائه. 

وعليه فإن الضرورة تملي على الشعب الفلسطيني وقيادة منظمة التحرير عدم القبول من حيث المبدأ بوجود أميركا في أي رعاية دولية لعملية السلام، لأنها باتت رأس حربة المشروع الاستعماري الإسرائيلي، وإن كان لا بد من وجودها في أي مفاوضات، فلتجلس كند مع الشعب الفلسطيني إلى جانب إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، لا كراعي أو كشريك في الرعاية لعملية السلام.

ومع الإقرار علميا ووفق تجارب التاريخ القديم والوسيط والحديث، أن الدول الإمبراطورية تستطيع إملاء إرادتها على الشعوب الضعيفة في زمانها وشروطها ووفق أهدافها، وتتمكن من كتابة التاريخ، وترويه وفق منطوقها ومصالحها، غير ان الولايات المتحدة الترامبية لن تتمكن من تحقيق ما تصبو إليه من أهداف خبيثة وسرطانية، ليس لأن الشعب العربي الفلسطيني يملك قوة مضادة وموازية لأمريكا في الفعل ورد الفعل، انما لآن الشعب العربي الفلسطيني يملك إرادة الحياة، ومصمم على البقاء رقما صعبا واستثنائيا في معادلة الصراع، ويرفض الانصهار تحت أية يافطة أو عنوان إسرائيلي أو غير إسرائيلي، ويستحضر الفلسطينيون مقولة قادة لبنان الشقيق "قوة لبنان في ضعفه"، وهو ما ينطبق على فلسطين وشعبها. 

ورغم ذلك، فإن الشعب العربي الفلسطيني قادر ومؤهل في كل لحظة على قلب الطاولة رأسا على عقب، ولكن حكمة وبراعة قيادته الشرعية تحول دون اندفاعها نحو متاهات غير محسوبة النتائج، وتمكنها من وضع أعصابها في ثلاجة لتفادي ردود الفعل الانفعالية، واللجوء إلى انتهاج سياسة واقعية ومقدامة للدفاع عن مصالح شعبها لتفادي الانزلاقات الصبيانية راهنا وفي المستقبل المنظور، وبالتالي سلاحها الراهن يعتمد على التصدي السياسي والديبلوماسي والقانوني للسياسات الأميركية والإسرائيلية بالاستناد إلى الأشقاء والأصدقاء في العالم وفي مختلف المحافل والمنابر العربية والإقليمية والدولية، ودون ان تترك بابا أو شباكا للنفاذ منه للدفاع عن المصالح العليا للشعب. كما انها ستدخل دون تردد أو ارتباك حقول الألغام المختلفة لحماية المكتسبات الفلسطينية بالقدر المتاح والممكن، ولن تتخلى عن الحاضنة الشرعية الدولية في مواجهة أميركا، ولن تنكفئ للحظة عن خيار السلام والتسوية السياسية طالما هناك إمكانية لتكريسه.