هل من الطبيعي أن يكون اليأس رفاهية؟
في حالتنا الوطنية نعم هو رفاهية. ونحن، المجتمع الوطني الفلسطيني وقواه السياسية والمجتمعية لا نملك حق القبول بها والانصياع لها.
كل ما يحيط بنا يدفع باتجاه اليأس والاستسلام له ولمنطقه وما يقود اليه من مواقف قاتلة.
العوامل الخارجية، من إقليمية ودولية على اختلاف أولوياتها وقوتها ودرجة أذاها تبقى في موقع العامل الثانوي في موضوع اليأس. فقد تعودنا على الصمود في وجهها وعلى مجابهتها، أو عدم الانصياع لها في أسوأ الحالات. ولا تزال جماهيرنا وقواها المجتمعية والسياسية في نفس الموقع تفعل ذلك وتحقق إنجازات. ولا يشكل العامل الأساس أيضاً، تصاعد هجوم وعدوانية وقمع دولة الاحتلال بتسارع غير مسبوق ويضرب في كل اتجاه وكل مجال وعلى كل المستويات. فلا يزال الشعب الفلسطيني بجماهيره وكل قواه على قراره وإرادته الثابتين بمصارعة الاحتلال والثبات في وجه كل أشكال عدوانيته وعنصريته وفاشيته حتى يحقق أهدافه في التحرر وتقرير المصير والعودة.
العامل الأساس في موضوع اليأس هو الحال السياسي الداخلي، وفي المركز منه التعمق القاتل لمصيبة الانقسام، وبما يرفع الإنذار عالياً بخطر تحوله الى انقسام سياسي كياني.
الإنذار لم يعد نبوءة متشائمين، بل أصبحت له تعبيرات تدركها الحواس ويعيها العقل والوجدان.
وسائل الإعلام، على تنوعها، تمتلئ يوميا بالكثير من هذه التعبيرات.
اول هذه التعبيرات، تعثر الجولة الأخيرة من الجهود المصرية المستمرة منذ اشهر في موضوع المصالحة ووصولها الى حائط مسدود. مع ان جوهر هذه الجهود تطبيق اتفاق المصالحة الأخير في تشرين الاول 2017 مع معالجة بعض التفاصيل الخلافية التي أظهرتها محاولات تطبيقه قصيرة النفس وقليلة الصبر والمثابرة.
ثانيها، الخلاف المركزي حول ما يطلق علية اتفاق التهدئة مع دولة الاحتلال.
مثل هذا الاتفاق ليس أمراً ثانوياً ومحدوداً، بل هو امر مركزي له أثمانه العالية اهمها وحدة النظام السياسي الفلسطيني، وانعكاساته السلبية على مسيرات العودة. إضافة الى تداعيات على طبيعة وشكل العلاقة مع العدو المحتل، وعلى المستوى الاقليمي والدولي بتقاطعه مع مشاريع ذات تأثير كبير على القضية الوطنية الفلسطينية.
ففي حين ترفض السلطة الشرعية مشروع اتفاق التهدئة المتداول وطريقة التعاطي معه بشكل حاسم، فان طرفاً فلسطينياً بعينه يصر على قبول التعاطي معه والسير فيه بكل أثمانه وتداعياته المشار لها، ويقوم بذلك بشكل منفرد يتحدى الشرعية وموقفها. ووصل بهذا السير الى "ان غزة مقبلة على اتفاق تهدئة غير مكتوب مع الاحتلال يشمل......" كما كشفت مصادر في حركة حماس يوم السبت حسب وكالة سما في 13/10.
وثالثها، التراشق بالاتهامات التي يصل بها البعض الى مستويات تقترب من المحرمات الوطنية. اكثر الاتهامات تطاولاً وغلواً هو ما توجهه رموز قيادية اولى في الطرف المذكور الى شخص رئيس الشرعية الفلسطينية ( منظمة التحرير والسلطة الوطنية) تصل الى التشكيك في شرعية تمثيله وتدعو الى نزع هذه الشرعية عنه وطنياً وخارجياً.
عن اي مصالحة يمكن الحديث بعد ذلك؟
ورابعها، استمرار الإجراءات العقابية ضد غزة والتي يكتوي بنارها بالدرجة الأساس أهل غزة وناسها، والفشل في التوصل الى تفاهمات تقود الى رفعها.
ولأننا لا نملك رفاهية اليأس، فلا بد ان تستمر الجهود والمحاولات من كل الجهات وبكل الوسائل الوطنية الديمقراطية لإنهاء الانقسام وتحقيق وحدة الصف ووحدة السياسة ووحدة المواقف الوطنية والبرنامج ووحدة القيادة.
لماذا مثلا لا تطور قوى منظمة التحرير الأخرى وبمشاركة فاعلة مع شخصيات وطنية مستقلة الى مبادرة توافقية تكون على درجة عالية من الواقعية والحيادية وتتكامل مع الجهود المصرية المشكورة والمقدرة.
مثل هذه المبادرة بقدر ما تكون جادة وموضوعية ودؤوبة، ومتحررة من اطر وتسميات ليس لها دور ولا موقع في النظام السياسي الفلسطيني (مثل الإطار القيادي الموحد مثلا)، بقدر ما تنجح في إخراج المصالحة من إسار الانغلاق على قطبي الانقسام.
وبقدر ما تكون كذلك فانها لا بد ان تحظى بالتفاف جماهيري واسع وبدعم من قوى المجتمع المدني.
اما وان المجلس المركزي على أبواب الانعقاد فيمكن ان يكون مناسبة هامة جدا للخروج بمواقف وقرارات إيجابية وتصالحية تقلص العناوين الخلافية وتعزز عناوين الاتفاق، بمنطق ان المركزي هو "أم الولد".
من الطبيعي والضروري، ان يؤكد المجلس المركزي وحدة التمثيل والقيادة في اطار منظمة التحرير والسلطة الوطنية المنبثقة عنها وفي مؤسساتهما، وعلى وحدة الأهداف النضالية ووحدة المواقف والبرنامج، وعلى الوحدة في مجابهة صفقة العصر وكل تعبيراتها و ...و...
ومن المفيد ان يتخذ المجلس قرارات تنفيذية واضحة تجاه عدد من الأمور المتعلقة بالعلاقة مع دولة الاحتلال، كما أفرزتها اتفاقات اوسلو، تقترن بالواقعية وبجداول زمنية للتنفيذ حيث يقتضي الأمر ذلك.
ويكون مفيداً أن يبتعد المجلس المركزي عن اي قرارات بعقوبات إضافية موجهة الى سلطة الأمر الواقع في غزة بينما تأثيرها في الواقع يقع على اهل القطاع.
وعلى العكس من ذلك يكون مفيداً جداً، بل وضرورياً، ان يبادر المجلس الى موقف إيجابي ومبدئي، بإصدار قرار برفع العقوبات المفروضة سابقاً - او بعضها بالحد الأدنى- ليقدم بذلك مؤشراً على المسؤولية وعلى النوايا الإيجابية والمبادرة.
ومن المفيد، بل والضروري، ان يتجاوز المجلس المركزي الأحاديث المتداولة والاقتراحات بشأن اتخاذ أي موقف او قرار تجاه المجلس التشريعي من مدخل الجدل حول شرعيته، وترك هذا الأمر الى ظروف افضل وأجواء أكثر إيجابية وتصالحاً.
...... ونحن بالتأكيد لا نملك رفاهية اليأس.