منذ عقدين ونصف من الزمن،ونحن نضع أنفسنا وقضيتنا رهينة المخلص الأمريكي،وفي كل مرة نترقب الادارات الأمريكية المتعاقبة، وكلما خاب ظننا في الادارة المنصرمة نبني آمالاً ونتوسم خيراً في الادارة القادمة على أن تكون أكثر حياداً وعدلاً وانصافاً من نظيرتها السابقة.
ليس المدهش أننا راهنا على الراعي الأمريكي وحده طوال السنوات السابقة بل المدهش أننا لازلنا نراهن عليه من خلال ثقوب كهوفنا المظلمة؛وذلك على الرغم من الجرائم السياسية التي ارتكبتها بحق قضيتنا وحقوقنا الوطنية وعلى رأسها الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لما يسمى "إسرائيل"، وتقويض الأونروا "الشاهد على قضية اللاجئين" تمهيداً لشطب حق عودة اللاجئين، وفتح الباب على مصرعيه أمام الاستيطان.
صحيح أن القيادة الفلسطينية اتخذت قرارات جريئة ضد التعامل مع إدارة ترامب، ورفضت حتى الآن التعامل معها، لكنها تركت الباب موارباً على أمل أن تتراجع الإدارة الأمريكية عن قراراتها، أو على أمل أن يتدخل العالم لعقد مؤتمر دولي للسلام، ووضع راعي جديد لعملية السلام تكون الولايات المتحدة جزءاً منه. ونعود ندور في دائرة السلام المفرغة دون أي أفق. سلام أكثر ما يمكن أن يقال فيه أنه (السلام الأسود)، الذي ذبح فيه الانسان الفلسطيني وهتكت أرضه ومقدساته.
للأسف أننا كفلسطينيين نعيش أوضاع مزرية، فالانقسام السياسي أكل وشرب منا، ولم يعد لدينا ظهير عربي نعول عليه، فالعرب يتقوقعون خلف حصون الدفاع ومجابهة التحديات، تحديات داخلية بعدما هزت ما يسمى "ثورات الربيع العربي" حصونهم المتهالكة، وتحديات خارجية صنعوها بأيديهم بعدما تآمروا على العراق ودمروها وحولوها من دولة عربية تحميهم وتشكل حصن منيع أمام أي زحف وتدخل فارسي في بلادهم إلى دولة يسيطر عليها الشيعة حتى أصبحت جزء من المحور الايراني الشيعي في المنطقة، ليبدأ مسلسل استجداء أمريكيا لحمايتهم من البعبع الايراني وليقعوا في مستنقع الابتزاز الامريكي (المال العربي مقابل الحماية وإلا).
والسؤال الملح الذي يطرح نفسه في هذا الصدد ماذا يتوجب علينا كفلسطينيين فعله في ظل هذه الظروف الدقيقة التي تعصف بالقضية الفلسطينية؟
يتوجب علينا كفلسطينيين أن نعيد تقييم المرحلة السابقة بكل ما حملته من ايجابيات وسلبيات، وأن نتحلى بالواقعية، فالقضية الفلسطينية لم تعد على أجندة العالم ولا حتى على أجندة الدول الاسلامية والعربية. لذلك يجب أن نعول على أنفسنا بعد أن كشفت لنا ادارة ترامب الصورة الزائفة للوسيط الأمريكي ووضعها في مكانها الطبيعي وهو الخصم وكفانا اتكالاً وانتظاراً للخلاص الأمريكي، وحتى الخلاص الدولي والعربي لن يأتيا دون اعادة القضية الفلسطينية لنصابها الحقيقي، في ظل الصلف الاسرائيلي والأمريكي. فماذا علينا فعله؟
أولاً: علينا اعادة توحيد صفوفنا ضمن استراتيجية وطنية دون فرض اجنداتنا الفاشلة على بعضنا البعض، والخروج من عنق الزجاجة.
ثانياً:(لاسلطة بلا سلطة)،لذلك علينا اعادة تعريف وظيفة السلطة وتعليق كل الاتفاقيات السابقة مع الاحتلال وتعليق الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني معه.
ثالثاً: (لا احتلال بلا تكلفة) وهنا يجب الانتقال من حالة السلام الأبدي الذي شكل مظلة للتوسع الاستيطاني والسلوك الصهيوني العدواني، إلى دائرة تفعيل المقاومة الشعبية في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة وغزة)، بمشاركة متضامنين دوليين، فلا يجوز أن يستمر الاحتلال في التمادي في عربدته واستيطانه دون كلفة.
رابعاً: تفعيل السفارات الفلسطينية، فلا يجوز على الاطلاق أن يقتصر دور السفارات على الجانب الاداري والخدماتي، بل أخد دورها الحقيقي في كشف الممارسات الصهيونية، وتحريك الجاليات الفلسطينية والمهجرين والمشردين الفلسطينيين وشعوب العالم للقيام بخطوات احتجاجية ومظاهرات اسبوعية أو شهرية أمام البرلمانات والسفارات المعنية.
خامساً: استنفار المخيمات الفلسطينية في الشتات والقيام بمظاهرات ومسيرات واعتصامات أمام الهيئات الدولية للمطالبة بالحقوق الوطنية وعلى رأسها حق العودة.
سادساً: استكمال مسيرة التوجه للمؤسسات والهيئات الدولية للمطالبة بتطبيق القرارات الدولية، ومقاضاة اسرائيل على جرائمها. ومنها:
-
التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار بأن فلسطين بحدودها قبل حرب الرابع من حزيران دولة تحت الاحتلال.
-
التوجه لمحكمة العدل الدولية في لاهاي المتخصصة بالفصل في النزاعات الدولية، للفصل في النزاع الحدودي، متسلحين بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وعشرات القرارات السابقة، والاتفاقات السابقة بين م. ت. ف و"إسرائيل" فيما يتعلق بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران.
-
التوجه أيضاً لمحكمة الجنايات الدولية ومجلس حقوق الانسان وغيرها من المؤسسات لفضح الجرائم الإسرائيلية.
وأخيراً: بعد أن وصلت عملية التسوية إلى طريق مسدود، علينا أن نعطي فرصة ربع قرن للمقاومة الشعبية (المقاومة السلمية) كما أعطينا فرصة ربع قرن لعملية التسوية السياسية، وعلينا ألا ننحني أمام الضغوطات الدولية، ولا نستجيب لمبادرات جزئية، والاستجابة للمبادرات الدولية المتكاملة لا تكون على حساب المقاومة الشعبية بل متزامنة معها حتى نيل كافة حقوقنا الوطنية وبناء دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.