خيارات قطاع غزه تحكمها محددات واعتبارات بعضها نابع من المحددات الداخلية ، وأخرى تحكمها عوامل إقليمية ترتبط بمصالح قوى تسعى للدور على حساب القضية الفلسطينية ، وبعضها مرتبط بمصالح وأولويات تتعلق ببروز دور للفواعل من غير ذات الدول ، وثالثة تحكمها الاعتبارات الدولية، وتقلبات موازين القوى.
وكل خيار ممكن أو مستبعد تحكمه مجموعة خاصة من المحددات، وفي النهاية قد ترتبط هذه المحددات بقواسم مشتركة أو بهدف مشترك يجمع المؤثرين والفاعلين في هذه الخيارات، وقبل الحديث عن هذه الخيارات نشير أولاً إلى الفاعلين والمؤثرين في تحديد الخيارات التي يسعى كل منها لفرضه.
أولا- السلطة: فاعل غير قوي ، ويعاني من تراجعات في دورها بسبب ضعف الموارد المالية والضغوطات الإقليمية، لكن رغم ذلك تملك قوة الشرعية التي من خلالها تتم مخاطبة العالم ، ولا يمكن تجاوز هذا الدور. تأثير السلطة وخصوصا بالنسبة لغزة في انحسار ، لكنها ما زالت تملك التأثير من خلال الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل ، وتمثيلها في العديد من المنظمات الدولية، وهي من تمثل الشعب الفلسطيني على مستوى كافة المنظمات والعلاقات الدولية..
ثانيا- منظمة التحرير: تراجع دورها واضح، لكن قوتها تكمن في صفتها التمثيلية الشرعية الوحيدة للشعب الفلسطيني ، لكنها لا تستطيع أن تفرض قراراتها على غزة، لا يمكن إيجاد بديل لها، لا يمكن تجاهل دورها وتشكل المرجعية السياسية العليا لكل مؤسسات السلطة.
ثالثا- الرئاسة الفلسطينية: قوتها في شخص الرئيس ورئاسته للسلطة والدولة والمنظمة وحركة فتح. والاعتراف الإقليمي والدولي بصفته التمثيلية . هو الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني ، شرعيته تاريخية وقانونية كونه منتخبا، ودستوريا كونه رئيساً لمنظمة التحرير ، لا يمكن تجاهل دوره أو القفز عنه.
رابعا- حركة فتح: على الرغم من حضورها في الضفة الغربية ، وتحكّمها بمفاصل السلطة الفلسطينية قوتها تكمن في قوة شخص الرئيس، تعاني من انقسام داخلي لا يمكن تجاهله، قوة التيار الثاني أو ما يسمى الإصلاحي الذي يقوده النائب دحلان له قوة إقليمية ودولية مساندة، وقوة مالية في شخص النائب دحلان وقوى الدعم له، له حضور على ألأرض، هذا التراجع والضعف ينعكس على قوة الحركة في غزة. وقوتها تستمدها من خلال سيطرتها على مؤسسات السلطة والحكومة، فعاليتها ليست بنفس القوة في الشتات ، رغم ذلك تبقى فاعلا فلسطينيا لا يمكن تجاهله.
رابعا- حماس : الفاعل الرئيس والمؤثر في غزة، تملك كل عناصر القوة وخصوصا الأمنية والعسكرية، لها ارتباطات إقليمية بدول معينة كتركيا وقطر، ونجحت في تحسين علاقاتها بمصر، لها حضور إقليمي ودولي حتى مع عدم الاعتراف بها ، واعتبارها أمريكيا منظمة إرهابية، لكن هناك اعتراف بالأمر الواقع بقدرتها، والكل مسلم بقدرتها الأمنية على حفظ الحدود، والاعتراف بأنها يمكن أن تساهم بدور في الحرب على الإرهاب بما تملكه من قدرة استخباراتية ومعلوماتيه.
نقطة ضعف حماس في الضفة التمثيلية والاعتراف، وإدراكها عدم قدرتها على حكم غزه مباشرة، وهي تحتاج الحكم بالوكالة، أو من خلال جسم فلسطيني له شرعيته.
خامساً- الفصائل الفلسطينية: على الرغم من تعددها وحضورها، لا يمكن القول أن لها دور حاسم وفاعل، بعضها يملك قوة الحضور والفاعلية العسكرية كالجهاد، وبعضها قوته التمثيلية في منظمة التحرير كالجبهة الشعبية، والديموقراطية, وعنصر القوة لها في أن حماس لا يمكن أن تحكم بدونها في غزة ، ويمكن أن توفر إطارا للشرعية، لذلك يمكن القول أن دورها كابح للانفصال.
سادساً: مصر: لها دور محوري وفاعل لا يمكن تجاهله بالنسبة لغزة ، تملك مفاتيح تأثير قوية وفاعلة. على المستوى الخاص بعزة وعلى مستوى القضية ككل، لا يمكن تجاوز دورها من جميع الأطراف. أهمية الدور المصري ومحوريته أنها الكابحة لأي رغبة في الانفصال الفلسطيني وقيام دويلة فلسطينية في غزة يحكمها الأخوان من خلال حماس، فهذا عنصر قوة ومهم في كبح جماح الانفصال والانقسام، والعمل في اتجاه المصالحة، قوة كبح ضد رغبة القوى الأخرى التي تسعى بفصل غزة.
سابعاً- قطر وتركيا: دورها محصور في الدعم المالي والسياسي الذي تحتاجه "حماس" ، واحتضانهما لحركة الأخوان المسلمين. ومن مصلحتهما الحفاظ على كينونة حماس في غزة.
ثامناً- الدور الدولي: ويتمثل في الدور الروسي الساعي أن يكون له حضور من خلال القضية، وروسيا لها علاقات مع السلطة و"حماس" وإسرائيل، والدول الأوروبية لها دور قوي من حيث التمويل المالي ، تسعى أن تكون لها قنوات اتصال بحركة حماس، تأثيرها محدود بالنسبة لإسرائيل، رغم علاقاتها القوية.
ويبقى الدور الأمريكي الحاسم والفيصل، علاقاتها بالسلطة متدهورة ومغلقة، تسعى أن يكون لها بديل بحماس ، تسعى لطرح صفقة القرن التي تلعب غزة دورا محوريا فيها، تنظر لغزة بديلا للدولة الفلسطينية.
القاسم المشترك بين كل هؤلاء الفاعلين أن "حماس" الفاعل الأقوى ، والأكثر قدرة على حفظ الأمن والهدوء على الحدود سواء مع إسرائيل أو مصر، الكل يسعى لفصلها عن حركة الأخوان باستثناء قطر وتركيا، لكن النقطة الأخرى التي تحكم خيارات غزة، او أي خيار الأكثر ترجيحا واحتمالا، الرغبة والأولوية لحماس وحركة الأخوان وقطر وتركيا أن تبقى "حماس" تشكل نواة صلبة لحركة الأخوان، وهي ما زالت الفرع الأساس الأقوى ، الذي يملك جناحاً عسكرياً يصل لحد الجيش.
الحفاظ على هذه الكينونة يحدد أولويات حركة حماس، القوى الأخرى الفاعلة، خصوصاً إسرائيل التي تدرك هذه الرغبة لحماس، ولذلك تسعى لفرض خياراتها على غزة وحماس بفصلها عن الجسم الفلسطيني ، وتحولها للقيام بوظيفة أمنية.
هذه الفواعل تجمعها تناقضات في الرؤى والمصالح، لكنها كلها تلتقي بأن حماس لها دور وحضور فاعل، وقادرة على القيام بالوظيفة الأمنية، وتزداد أهمية هذا الدور مع زيادة نشاط الجماعات الإرهابية، وفي الوظيفة السياسية التي يمكن أن تقوم بها. وسنتناول لاحقاً المحددات التي تحكم الخيارات المتاحة والممكنة والمستبعدة أي بيئة الخيارات السياسية لغزة.