مَنْ يَخترقُ المراوحة في العجز ؟ مهند عبد الحميد

الثلاثاء 02 أكتوبر 2018 12:49 م / بتوقيت القدس +2GMT
مَنْ يَخترقُ المراوحة في العجز ؟ مهند عبد الحميد



التأكيد الرسمي الفلسطيني على رفض مواقف إدارة ترامب من قضايا القدس واللاجئين والشهداء والأسرى والاستيطان، والتمسك بالموقف الرافض لصفقة القرن التي تتضمن تلك العناصر وغيرها من على منبر الأمم المتحدة، يعد موقفاً إيجابياً مهماً يمكن البناء عليه بمواقف وسياسات وتطبيقات. ولا يقل أهمية عن هذا الموقف، التأكيد الرسمي على رفض قانون القومية العنصري الإسرائيلي. وكان الموقف الأهم إعلان الإضراب يوم أمس، في سائر أرجاء فلسطين التاريخية، تعبيراً عن الرفض الفلسطيني الموحد للقانون العنصري الكولونيالي. ولا يقل أهمية عن الاضراب، الاحتجاج المنظم والمتواصل على قرار حكومة الاحتلال القاضي بهدم قرية الخان الأحمر البدوية، ذلك الاحتجاج الذي شارك فيه متضامنون من بلدان مختلفة، وكان له صدى خارجي ملحوظ. غير أن افتقاد الاحتجاج لزخم شعبي متعاظم، ولمواقف دولية وعربية جدية، حال دون تراجع حكومة الاحتلال عن القرار.
التجربة الفلسطينية في مواجهة صفقة القرن وفي حلقتها الاخيرة داخل أروقة الامم المتحدة وفوق منابرها، أكدت كما يقول المراقبون المتعاطفون، أن إدارة ترامب وحكومة نتنياهو تتعايشان مع الرفض الفلسطيني الذي لم يرق الى ممارسة ضغوط وتشكيل خطر على مشروع الصفقة. وبهذا المعنى فان ما يهم الحليفين المتفقين على إجراءات تصفية القضية الفلسطينية، المضي في إجراءات  وسياسات التصفية، سيما وان آلية الصفقة تستند الى فرض حل من طرف واحد، وبالتالي فإن استمرار السياسات دون إحباط يكفي من وجهة نظر الفريق الأميركي ونظيره الإسرائيلي. في هذا الصدد، كان الموقف الدولي الداعم عمليا للأونروا مهما في الاعتراض على الموقف الأميركي من  قضية اللاجئين، وقد أخفقت إدارة ترامب في تمرير سياستها بشأن اللاجئين والأونروا.
لا شك في أن الموقف الفلسطيني النظري والعملي هو حجر الزاوية في إحباط الخطوات على طريق إحباط المشروع الصفقة التصفوية. ومن الجدير بالذكر هنا ان الموقف الفلسطيني يفتقد الى حاضنة داعمة، بالعكس فان مركز القرار يتعرض إلى ضغوط هدفها عدم اتخاذ خطوات تصعيدية على محدوديتها. موقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جاء نموذجا لاحتواء وتقنين التوجهات الفلسطينية، كما ان الوساطات التي تسعى الى ابرام اتفاق يخرج قطاع غزة من المعادلة الفلسطينية ويفصله عن الضفة ومجمل القضية الفلسطينية، كانت جزءاً من تهيئة الوضع الفلسطيني وملاءمته لصفقة ترامب. 
إذا كان الموقف الفلسطيني هو حجر الزاوية في إفشال صفقة ترامب وفي التقليل من حجم الخسائر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وأعتقد انه لا يوجد خلاف حول اهمية الموقف الفلسطيني، فإن وحدة الشعب الفلسطيني ضد الصفقة والتصفية هو التجسيد العملي لتلك الاهمية. فلا يستقيم خوض المعركة في شروط ازمة ثقة بين  اجزاء اساسية من الشعب الفلسطيني ومركز القرار، ولا تستقيم  مشاركة الشعب في النضال ضد صفقة القرن في شروط انحدار وتراجع تلبية الاحتياجات الاساسية  الإنسانية الى الحضيض، والى النقيض. ان هذا الواقع المرير يستدعي مراجعة الموقف الرسمي والمعارض ونقدهما، والعمل على تصويبهما وتجاوز الاختلال فيهما وليس الاكتفاء بوصفهما وبتحديد خطورتهما. وفي مجال المراجعة والنقد يمكن القول: مطلوب من قيادة المنظمة والسلطة 
اولاً: التراجع عن الإجراءات التي تمس المواطنين في قطاع غزة دون قيد او شرط، بما في ذلك التراجع عن التهديد بمزيد من الإجراءات كالانسحاب من كل المسؤولية عن قطاع غزة. إن هذا الجزء الأساسي والحيوي من الشعب لا يجوز ان يتحمل أعباء الصراع الداخلي، ولا يجوز قبول قيادة المنظمة والسلطة باستمرار معاناته وبتجويعه. كما لا يجوز استخدامه – من قبل حماس – ولا يجوز إذلاله - في الدخول والخروج من مصر -. إن إعادة الاعتبار لمليوني فلسطيني في القطاع تحتل أولوية كونها اهم رافعة نضالية في مواجهة صفقة تصفية القضية الفلسطينية. 
ثانيا: وضع تصور قانوني وديمقراطي لدخول تنظيمات الاسلام السياسي للمنظمة والسلطة، بما يتفق مع مصلحة الشعب الوطنية، وفي إعادة بناء الجهاز الاداري والمؤسسات التابعة للسلطتين ونقلها من الحيز الفئوي الى المجال المهني المفتوح على كفاءات المجتمع والتجمعات والجاليات الفلسطينية، وبما يفتح الابواب امام إعادة بناء المؤسسات والنظام الفلسطيني على اسس ديمقراطية حقيقية. 
ثالثاً: قرار الحرب كما قرار الحل السياسي "السلم" بمرجعية فلسطينية واحدة، وضمان عدم استخدام السلاح في حل الخلافات الداخلية وفي فرض سيطرة التنظيم الذي يملك القوة على السلطة، ووضع حد للتدخلات الخارجية في الشأن الفلسطيني وفي الاستخدامات الخارجية لورقة المقاومة. 
رابعاً: اعتماد حكومة انتقالية جديدة لمدى زمني محدد، مهمتها ترجمة الاتفاق الجديد، والتحضير لانتخابات جديدة. 
ومطلوب من قيادة "حماس" 
أولاً: اعتراف "حماس" بمسؤوليتها الخاصة -كعامل داخلي- عن معاناة الشعب في قطاع غزة، وبفشل سياساتها في إدارة المجتمع، وتراجعها الطوعي عن نظام السيطرة والتحكم لصالح الحكومة الجديدة. وفك الارتباط مع مرجعياتها الخارجية. 
ثانياً: توقف المفاوضات غير المباشرة التي تجريها حركة حماس بغية التوصل الى اتفاق طويل الأمد مع دولة الاحتلال، عبر مقايضة الأمن والسلاح باستمرار حكمها للقطاع و"بحل" مشكلات القطاع "الإنسانية" والمعيشية، ضمن شبكة من الإجراءات التي تقود الى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية كحلقة من حلقات صفقة ترامب. 
ثالثاً: التوقف عن استخدام اندفاع الشبان وما يتعرضون له من جرائم قتل من قبل جنود الاحتلال، للضغط على دولة الاحتلال، ذلك الاستخدام الذي يأتي في سياق البحث عن الحل المنشود. والانتقال الى الاحتجاجات الجماهيرية – ميادين تحرير – سلمية في القطاع وفي القدس والضفة بهدف اسقاط كل خطوة من خطوات صفقة القرن. 
ومطلوب من قيادة اليسار 
أولاً: بلورة قطب ثالث مستقل ومنفتح على النخب الشبابية والثقافية، وبناء مداميك مسار وطني بديل لمسار اوسلو وقابل للتطور داخلياً وخارجياً. انه الخيار البديل عن التوسط بين "فتح" و"حماس" او الانحياز لاحدهما. والانتقال من الموقف السلبي الذي يكتفي باستعراض الاخطاء وكل ماهو سلبي، الى تبني مبادرات جماهيرية ووطنية، وطرح القضايا الاجتماعية والمطلبية على جدول النضال، في سياق الدفاع عن قضايا الوطن. 
ثانياً: التوقف عن تشكيل الغطاء والمشاركة في استخدام الشبان وتوظيفهم  واستخدامهم كعنصر ضغط في مسيرات العودة، لتحقيق اهداف فئوية انسجاما مع سياسة "حماس".  
Mohanned_t@yahoo.com