حين يستيقظ ترامب متأخراً على «حل الدولتين»؟! عريب الرنتاوي

الإثنين 01 أكتوبر 2018 12:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
حين يستيقظ ترامب متأخراً على «حل الدولتين»؟! عريب الرنتاوي



بعد مرور عامين على ولايته، أدرك الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يكتسب أهمية خاصة بالنسبة لأمن المنطقة واستقرارها، وأنه يرتبط ويتداخل بشكل من الأشكال، مع بقية الصراعات والأزمات المحتدمة في الإقليم... كما أنه بات "يشعر بأن حل الدولتين" ربما يكون الأفضل والأكثر واقعية من حل الدولة الواحدة، الأمر الذي اعتبره البعض تطوراً نوعياً في موقف الرجل وإدارته، فهل نحن فعلاً أمام تطور من هذا النوع، يستحق كل هذا الترحيب والحفاوة، بل والتسابق على نسبة هذا "الإنجاز" لهذه العاصمة أو تلك؟
والحقيقة أن عودة ترامب إلى "حل الدولتين" جاءت بعد إقدامه على خطوات ثلاث رئيسة، تكفي كل واحدة منها لإفراغ هذا الحل من مضمونه، وتحويله إلى ضرب من "إعادة إنتاج" خطاب بار إيلان لبنيامين نتنياهو في العام 2009 ... اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وقراره نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها ... موقفه من قضية اللاجئين و"الأونروا"، وضوؤه الأخضر للتوسع الاستيطاني، و"تفهم" أركان إدارته للزحف الاستيطاني الذي انفلت من كل عقال في العامين الأخيرين، يدرج حل الدولتين، في سياق آخر، ويهبط به إلى شكل من أشكال الحكم الذاتي للفلسطينيين حتى وإن جاء تحت مسمى "دولة أو امبراطورية" مستقلة.
دع عنك مسلسل الإجراءات العقابية التي اتخذها الرجل ضد منظمة التحرير الفلسطينية من إغلاق مكتب المنظمة التي صنفها الكونغرس "إرهابية" إلى وقف برامج المساعدات الإنسانية لسكان القدس واللاجئين الفلسطينيين، إلى وقف المساعدات عن السلطة ... عن أي "دولتين" يتحدث الرجل، وهو الذي محض إسرائيل دعماً غير مسبوق، تجاوز التحالف إلى الشراكة في الاحتلال، وخص الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي الوحيد، بكل السياسات والإجراءات العدائية.
دعونا لا نسترسل كثيراً أو نذهب بعيداً في التفاؤل، ذلك أن "حل الدولتين" الذي "خفق له قلب ترامب" و"ارتعشت" له غرائزه وأحاسيسه وإن بعد طول انتظار، لن يتجاوز ما ذهب إليه نتنياهو في بار إيلان أو أفيغدور ليبرمان في مطالعاته المتكررة ... الأرجح أن الرجل يتحدث عن "دويلة" تحت اسم "دولة" مجردة من السيادة ومن دون القدس واللاجئين، وبعد "خصم" المستوطنات كبيرها وصغيرها، وربما مع مجالها الحيوي الذي طالما توسع في رسم خرائطه المفاوضون الإسرائيليون في جولات التفاوض المتعاقبة.
دعونا لا نستبشر خيراً، ولا "نرش السكر على جرح صفقة القرن المتقيّح"، فنبدأ التكبير والتهليل للتحولات في مواقف ترامب، فيما حبر قراراته بخصوص القدس واللاجئين و"الأونروا" والمستوطنات، لم يجف بعد ...وآخر تصريحاته حول "تأييد إسرائيل بدرجة 100 بالمائة"، لم يبددها الأثير بعد ... دعونا لا نستبق الأمور، فكثيرون من الإسرائيليين، يتراقصون لحل الدولتين، الذي يكفل لهم الخلاص من عبء الديموغرافيا الفلسطينية بعد أن يمكنهم من أوسع المساحات من الجغرافيا الفلسطينية المحتلة، قديمها وجديدها.
وسنذهب أبعد من ذلك للقول، إن مجرد نطق ترامب بـ"حل الدولتين" سوف يزيح عن كاهل إدارته عبء الاعتراضات والانتقادات الدولية، وربما يمهد لجولة جديدة من الضغوط على الفلسطينيين للتمشي والتساوق مع "التحول الجديد" في موقف الإدارة، فيما نعلم وتعلمون ويعلم المجتمع الدولي برمته، بأن هذا الحل من منظور الإدارة الحليفة "مائة بالمائة" لليمين المتطرف، الديني والقومي، في إسرائيل، هو أقرب ما يكون للحكم الذاتي، لمعظم السكان الفلسطينيين على أضيق مساحة ممكنة من أرضهم، ودائماً من دون القدس واللاجئين والمستوطنات، هذا إن قُدّر له أن يمتلك أقداماً يسير عليها، لا أن يصاب بالكساح المبكر، كما هو شأن مختلف المبادرات الأميركية، بما فيها أكثرها انحيازاً لإسرائيل.
لست متفائلاً بما سماه البعض، أو قد يسميه، تطوراً "نوعياً" جديداً في مواقف ترامب وإدارته ... وأخشى أنها "نصيحة" قدمت لإدارته، لكي تتحول إلى "مذكرة جلب" للفلسطينيين للالتحاق من جديد بمائدة المفاوضات العبثية ذاتها، وربما نكون أمام "سلم" لتمكين السلطة الفلسطينية من النزول عن شجرة مواقفها الرافضة للوساطة الأميركية المنفردة في عملية السلام، وعودتها إلى "بيت الطاعة" من جديد.
هو تطور "مفخخ" و"ملغم" في مواقف هذه الإدارة اليمنية، لا أحسبه يعبر عن تفهم لحقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم الوطنية، بقدر ما هو خطوة للخلف من أجل خطوات للأمام على طريق قضم ما تبقى من هذه الحقوق، ومحاولة إضافية لتدوير الزوايا الحادة في مواقف السلطة والمنظمة، وتوطئة قد تكون ضرورية لاستخراج "الناتو العربي" إلى دائرة الضوء، والأيام بيننا.