بغض النظر عن كل ما قيل ويقال عن خطاب الرئيس أما الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها (73)، سواء لبى الخطاب طموحات وتطلعات وتوقعات الشعب الفلسطيني أم كان دون المستوى المطلوب، سواء أكان خطاباً هادئاً ناعماً لا يتساوق مع العواصف التي تعصف بالقضية الفلسطينية أم كان عنفاوياً ثورياً، فإن الرئيس أراد أن يحدد ثلاث محددات رئيسية، بعد أن استنفذ كل الوسائل والطرق السلمية معها، سواء بالمفاوضات أو الحوار أو الوساطة، أو المساعي الحميدة أو غيرها من طرق وأساليب حل النزاعات الدولية، وبذلك ينهي من خلالها مرحلة سابقة من التعاون ويتوج مرحلة جديدة تقوم على الندية في العلاقات الدولية.
المحدد الأول: العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها الراعية الوحيدة لعملية السلام.
فقد أكد الرئيس رفضه التام لهذه الرعاية، بعدما انتقلت الولايات المتحدة الأمريكية من مربع الانحياز الى مربع الشراكة وأصبحت اللسان الناطق لطموحات وتطلعات اليمين الإسرائيلي، وقد جاءت الاجراءات والقرارات الأخيرة لتؤكد هذه الحقيقة،حيث وتعتبر هذه الاجراءات الأكثر انحيازاً مع إسرائيل تاريخياً،سواء من نقل السفارة الأمريكية للقدس الى الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل إلى تقويض عمل الأونروا وشطب قضية اللاجئين من طاولة المفاوضات وغيرها من الاجراءات كغض النظر عن تنامي وتيرة الاستيطان أو الاجراءات الإسرائيلية العنصرية على الأرض وغيرها. والبديل عن الراعي الامريكي هو مطالبة الرئيس المجتمع الدولي بعقد مؤتمر دولي للسلام برعاية أممية أو دولية وعربية.
المحدد الثاني: العلاقة مع إسرائيل،
فالبديل عن سياسة التسويف والكذب والمماطلة ونهب الأراضي والاعتداء على المقدسات وسن القوانين العنصرية وعلى رأسها قانون القومية الذي يجهض حل الدولتين ويهدد المواطنين الاسرائيليين غير اليهود من عرب ومسيحيين وغيرهم من البقاء على أرضهم التاريخية. هي ما أوصى عليه المجلس الوطني الفلسطيني بتحديد العلاقة مع إسرائيل وتعليق الاعتراف بها واعادة النظر في كل الاتفاقيات السابقة والذهاب للمحاكم الدولية للقضاء في الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل وملاحقة مجرمي الحرب والاستيطان.
المحدد الثالث: العلاقة مع حماس،
حيث أكد الرئيس أن جولة الحوار الحالية ستكون النهائية، فإن لم تلتزم حماس بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة الوطنية وحركة فتح وتمكن السلطة من أداء مهامها فسيكون هناك شأن آخر.
أمام هذه المحددات الثلاثة لم يغلق أبو مازن الباب بل تركه موارباً، ففي العلاقة مع الولايات المتحدة قال الرئيس: "أنا أدعم الرئيس ترامب إذا تراجع عن اجراءاته وقراراته"، وأمام العلاقة مع إسرائيل قال: "أنا لم أرفض التفاوض يوماً وسأقبل بالتفاوض على أساس حل الدولتين"، أما في العلاقة مع حماس فأعطاها فرصة أخيرة فقد أكد الرئيس "أن جولة الحوار الحالية ستكون الأخيرة".
يدرك أبو مازن أن سياسة غلق الأبواب ستستغلها إسرائيل وأمريكيا أسوأ استغلال؛ لذلك ترك الباب موارباً، ولكنه لن يستمر للأبد فهو يدرك تماماً أن هذه المتغيرات الثلاث لن تتراجع قيد أنملة عن مواقفها؛ لذلك سيتوج ذلك بالقرارات التي سيأخذها المجلس المركزي الشهر القادم تجاه هذه المحددات الثلاثة حسب تعاطي كل محدد منها على حدى.
ولكن يبقى السؤال هل ستمضي حماس باتجاه توقيع هدنة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع إسرائيل على حساب المصالحة والمشروع الوطني الفلسطيني، وهل هذا ما دفع أبو مازن لوضع هذه المحددات في سلة واحدة؟ وهل هذا أيضاً ما دعاه لتنبيه العالم بأن قضيتنا بها جوانب انسانية كثيرة لكنها قضية سياسية في المقام الأول؟
لكن سيواجه الرئيس والسلطة تحديات كبيرة أمام هذه المحددات، هل تستطيع السلطة تحملها في ظل مجتمع دولي متفرج ومجتمع عربي ضعيف يعاني من الانقسام والتحديات الداخلية والخارجية.
وأخيراً هنا السؤال الذي يصعب التكهن به والإجابة عليه هل تستطيع السلطة الفلسطينية تحديد العلاقة مع إسرائيل وتعليق المنظمة الاعتراف بها وعندئذٍ كيف سيكون شكل ووظيفة السلطة الفلسطينية !؟