حين تصاب «حماس» بالجنون..رجب أبو سرية

الجمعة 28 سبتمبر 2018 02:12 م / بتوقيت القدس +2GMT
حين تصاب «حماس» بالجنون..رجب أبو سرية



حين يعلن عن الخلاف السياسي في اللحظات الفارقة، أو عند المنعطفات السياسية الحادة، كالتي تواجهها القضية الفلسطينية في هذه الأيام، فإن التعبير الفج عن الخلاف، وبذلك الشكل الذي يعلن عنه بعض مسؤولي حركة «حماس»، يعني أن الأمر يتجاوز الحق في الاختلاف أو حتى الحق في التعبير الحر عن الرأي ووجهة النظر، ذلك أن العدو يستثمر تلك التصريحات لصالحه، فيما تُضعف تلك التصريحات من مستوى الهجوم السياسي الفلسطيني، بما يثير الشبهة حول مطلقي التصريحات الهابطة التي أرفق بها ناطقو «حماس» وبعض مسؤوليها رحلة السيد الرئيس محمود عباس إلى الأمم المتحدة.
من الطبيعي ملاحظة ما يمكن وصفه بتبادل الأدوار أو المراكز أو المهمات بين مسؤولي «حماس» والناطقين الكثيرين باسمها والمنتشرين في غير مكان، ارتباطاً بالتوقيت والجغرافيا، فهناك بعض منهم معروفون بتشددهم وتطرفهم، وقدرتهم على التبجح وحتى التلفظ بما لا يليق بالعقلاء أو المهذبين من البشر، وهؤلاء التوتيريون عادة ما يظهرون على السطح حين تمر العلاقة الداخلية بحالة من الشد، أو التراشق الإعلامي، أي حين تواجه المصالحة منعطفاً أو حاجزاً، فيبدأ معارضو المصالحة ونافخو الكير بتأجيج النار في البيت الفلسطيني الداخلي، ولا يتورعون عن توزيع الشتائم والتوصيفات ذات اليمين وذات الشمال، كذلك ومن شدة جهلهم لا يترددون في إطلاق الأحكام التكفيرية وحتى الوطنية التي يفتقرون إليها هنا وهناك، وكأنهم ظل الله على الأرض، أو كأنهم قضاة أو حكماء أو ممثلو الشعب، ولا يترددون عن الهبوط بخطابهم السياسي، ذلك أنهم يعرفون أن «خصمهم» على الجبهة المقابلة، أرفع منهم أخلاقاً ولن يبادلهم الشتم بالشتم أو قلة الأدب السياسي بقلة أدب مماثلة.
المستغرب ليس فقط أنهم فتحوا أبواقهم وأشداقهم على الرئيس وهو ذاهب ليخوض المعركة الفاصلة مع العدو الأميركي/الإسرائيلي، بما يعنيه ذلك من اصطفافهم مع العدو ضد الشقيق وحسب، بل إن بعضهم - ويا لغرابة الأمر!- عاد ليردد أسطوانته المشروخة القديمة، التي تمنح نفسها حق إطلاق الأحكام، لدرجة القول: إن الرئيس فاقد لشرعية تمثيل الشعب الفلسطيني والتحدث باسمه، كل ذلك لأنهم يعرفون أنه ذاهب ليقاتل أميركا/ ترامب التي أعلنت قبل عشرة أشهر عن القدس عاصمة لإسرائيل، والتي شنت الحرب على حق العودة، والتي تخطط لصفقة تصفية القضية الفلسطينية.
والغريب هو أن أبواق «حماس» الهابطة لم تردد هذه الأسطوانة منذ سنة وصول إخوان مصر للحكم عام 2012، ما يظهر أنهم على درجة من الوقاحة، للتفكير وكأن «شرعية الرئيس» إنما هي هبة أو منّة يمنحونها إياه متى شاؤوا ويسحبونها منه متى شاؤوا، ما يذّكر بثقافة صكوك الغفران أو مفاتيح الجنة التي كان يمنحها الباباوات والبطاركة في العصور الوسطى.
لسنا هنا في سياق محاججة الجهلة والمدعين، بل والانقلابيين، الذين يحكمون جزءاً من الشعب الفلسطيني بالحديد والنار والقهر، والذي جرّوا عليه الحروب والكوارث والحصار، ولكننا نقول: إنه لو كانت لدى هؤلاء ذرة من وطنية، لغضّوا الطرف عن الخلاف الداخلي، في هذه اللحظة بالذات وبالتحديد، إلى حين على الأقل، إلا إذا كانوا قد وصلوا إلى درجة من الوقاحة التي لا يخجلون معها من الإعلان عن اصطفافهم إلى جانب العدو الإسرائيلي/الأميركي، وهم يدركون أن «شن الهجوم» أو إطلاق سراح جنونهم السياسي على الرئيس عشية إلقائه خطابه الحادّ ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، سيكون بمثابة تقديم أوراق الطاعة والولاء والاعتماد لهذا العدو، والدليل على استعداد أصحابه لأن يشاركوا في تنفيذ المهمة القذرة، وهي تمرير صفقة القرن بشقها الفلسطيني.
لا يمكن القول أو التعليق إزاء تصريحات بعض قادة «حماس» التي قالت بعدم شرعية الرئيس أو بأنه لا يمثل الشعب الفلسطيني بهدف إضعاف قوة الدفع أو من قوة وقع خطابه ضد واشنطن وتل أبيب في الجمعية العامة، سوى أنها تعبير عن أن الجنون السياسي قد أصاب أصحابها، وأنهم مع تلك التصريحات قد أخرجوا أنفسهم من الصف الوطني، واصطفوا إلى جانب العدو، وأن إسقاط حكمهم المستبد والانقلابي الذي شق الصف الوطني، بات واجباً وطنياً لا يحتمل التأخير أو التأجيل.
وفي مواجهة تلك التصريحات التي جاءت على هذه الشاكلة وبهذا التوقيت، لا بد من خروج الحشود الشعبية الفلسطينية في كل مكان يوجد به شعبنا العظيم، لإدانة هذه التصريحات والمطالبة بتقديم مطلقيها إلى القضاء بتهمة التساوق مع العدو، والتصريح بمنطق الخيانة الوطنية.
أخيراً نقول للعقلاء من أبناء شعبنا: إنه بمجرد أن توجد فلسطين وأن تكون لها كلمة في الجمعية العامة أسوة برؤساء الدول، فهذا أمر يعني الكثير، ولأجل هذا قدّم شعبنا التضحيات الجسام، التي لم يعرفها قادة «حماس» من مطلقي تصريحات إضعاف الموقف الوطني الفلسطيني في الأمم المتحدة، لذا فإن يوم إلقاء الرئيس خطاب فلسطين في الأمم المتحدة إنما هو يوم من أيام فلسطين، وهو موقعة كبرى، تدخل التاريخ، ولا شك أن شبعنا يدرك هذا ولأجل هذا يخرج إلى الشوارع ويتابع بملايينه الأحد عشر خطاب السيد الرئيس بكل حرف فيه، وهو مقرّ دون أدنى ريب بأن كل كلمة يقولها رئيسه إنما تخرج من قلبه وعقله ومن عمق معاناته الطويلة، التي يستخف بها موتورو «حماس»، شأنهم في هذا شأن دونالد ترامب وعتاة اليمين المتطرف من شركائهم في محاربة المشروع الوطني الفلسطيني.