الرئيس الأميركي ترامب لا يترك منبرا سياسيا يفلت منه إلا ويهاجم العرب من خلاله.
على الرغم من ذلك، يقوم العرب بالتودد له ولإدارته بدلاً من مهاجمة تصريحاته ومقاطعة إدارته.
في الأمم المتحدة أعاد ترامب على مسامع العرب أن دولته هي من تقوم بحماية دول الخليج العربي وأن عليها أن تدفع مقابل ذلك، وأن على منظمة الأوبك، وغالبية أعضائها دول عربية، أن تقوم بتخفيض أسعار النفط من أجل ضمان استمرار نمو الاقتصاد الأميركي.
وأن عليها أيضاً أن تقبل أن القدس عاصمة لإسرائيل وأن تتخلى عن الخطاب الديني الذي يجعل من القدس مسألة لا يمكن لأحد في العالمين العربي والإسلامي التنازل عنها.
مضيفاً، إن المساعدات الأميركية ستذهب فقط «للأصدقاء» الذين يدعمون سياسات إدارته.
مقابل ذلك، كال بعض العرب، المديح لترامب وسياساته، في حين فضل البعض الآخر تكرار مواقف بلادهم السياسية التي لا تتفق مع إدارة ترامب في رؤيتها للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، لكنهم تجاهلوا التعليق على تصريحات ترامب المهينة للعرب حتى لا يخرجوا من «دائرة صداقته» ويخسروا بالتالي القليل من الدعم المالي الذي يصلهم من أميركا.
أما القسم الأخير منهم فإنه لا يرى خطراً على أمنه أكثر من إيران وهو لذلك لا يتجاهل فقط سياسات ترامب التي تبتزهم باسم حمايتهم وتصريحاته المهينة لهم، ولكنهم يقومون بكل ما يمكنهم لعدم إغضابه.
خارج العالم العربي، لا يوجد انقسام كبير بشأن إدارة ترامب: الجميع يراها خطراً على السلام العالمي وعلى التجارة العالمية وحتى على البيئة.
الكل يرفض انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق الذي تم توقيعه مع إيران في عهد إدارة أوباما بشأن برنامجها النووي.
الكل يعتبر اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل تكريساً للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل وليس مقدمة لحله.
الكل يرفض ابتزاز ترامب للمنظمات الدولية ومحاولة تطويعها بقطع المساعدات عنها أو الانسحاب منها لخدمة سياساته بما فيها الأونروا، ولجنة حقوق الإنسان التابعة أيضاً للأمم المتحدة.
الكل يرفض سياساته التجارية التي تسعى لضمان نمو الاقتصاد الأميركي على حساب أوروبا والصين وكندا والمكسيك وتركيا.
والكل يرى في سياساته البيئية التي سمحت بالبحث عن النفط في محميات طبيعية أو في إعادة العمل في مناجم للفحم تم إغلاقها وفي تخليه عن تعهدات إدارة أوباما بالالتزام باتفاقية كيوتو لمنع الانحباس الحراري خطراً على البيئة.
والكل الأوروبي ـ الديمقراطي ـ على الأقل، يرى في خطاب ترامب ضد المهاجرين والمسلمين نزعه شعبوية تقوي اليمين المتطرف في بلادهم، وتفرض على أحزابهم الديمقراطية الليبرالية مهام جديدة لكسب ثقة ناخبيهم لم تكن حتى وقت قريب موجودة على أجنداتهم مثل كيفية التعامل مع المهاجرين والمسلمين عموماً.
لكن العالم أيضاً منقسم في كيفية التعامل مع إدارة ترامب.
البعض الأوروبي الغربي يفضل انتظار عامين إضافيين لعل الأميركيين ينتخبون رئيسا جديدا سياساته لا تتعارض مع رؤيتهم ومصالحهم.
هؤلاء لا يسعون إلى صدام مع إدارة ترامب أو إلى توتير وتصعيد الخلاف معها، ولكن إلى تخفيف نتائج سياسات ترامب على مصالحهم إلى أن يتم استبداله أو إقالته من منصبه.
من ذلك مثلاً، محاولة احتواء نتائج انسحاب أميركا من الاتفاق «النووي» مع إيران عبر محاولة إرضاء الأخير حتى تقبل بالاستمرار فيه. ومنها أيضاً، العمل على بناء سياسات دفاعية جديدة لا تعتمد على أميركا.
البعض الأوروبي الشرقي، يرى فرصه لتعزيز العلاقات مع أميركا على حساب العلاقات مع أوروبا الغربية، بولندا مثلاً، عرضت استضافة قاعدة عسكرية أميركية على أراضيها.
من جهة أخرى، روسيا ترى أن إدارة ترامب فرصة لها لتقويض العلاقات الأميركية الأوروبية وهي تنتظر أن ينتصر ترامب في صراعه الداخلي مع مؤسسات بلاده التي ما زالت ترى روسيا خطراً على أميركا.
والكل من جهة أخرى يخوض حربه التجارية مع إدارة ترامب منفرداً: رسوم جمركية مقابل رسوم جمركية، ومفاوضات في الوقت نفسه.
عالم في غاية الغرابة.
بدلاً من مواجهة «رئيس» يوجد انقساما حادا في بلاده ليس فقط حول سياساته وقدراته، ولكن أيضاً حول سلوكه الشخصي وأمانته وماضيه، يقف العالم عاجزاً عن مواجهته بسبب عدم وجود قادة لهم رؤية سياسية قادرة على استشراف المستقبل.
الرئيس ترامب، خطر على الجميع، وهو لا يرى في هذا العالم أصدقاء لأميركا باستثناء إسرائيل التي أضاف لها من باب المجاملة السياسية، السعودية والهند في خطابه في الأمم المتحدة.
هذا الرجل الذي يعتقد بأن على العالم أن يخضع لسياسات إدارته لا يمكن التصدي له بمغازلته أو مهادنته ولكن بالعمل المشترك على عزله.
كان من المخجل رؤية قادة العالم وهم يستمعون له في الأمم المتحدة بدلاً من مغادرتهم القاعة أثناء إلقائه خطابه.
عزله يتطلب وقف الاجتماعات الشخصية معه، وقف المفاوضات التجارية مع إدارته، وعدم تغطية تصريحاته وخطاباته إعلامياً.
يجب إشعار الأميركيين بأن العالم لا يحترم رئيسهم، ولا يراه كُفْئا للمنصب الذي يشغله ويراه خطر كبيراً على السلام والأمن العالمي.
هذا مهم لتقويض فرصة حصوله على تفويض من الشعب الأميركي بولاية ثانية.